بدأ المدى الزمني ودرجة الحدّة والاتّساع التي بلغتها حملة القصف الأميركية على أهداف تابعة لجماعة الحوثي تطرح أسئلة بشأن اليوم التالي لتلك الحملة، وإن كانت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد حزمت أمرها على اعتماد الحل العسكري خيارا وحيدا للتعاطي مع الجماعة الموالية لإيران، الأمر الذي يعني انتزاع الملف من أيدي الأطراف الساعية لإرساء حلّ سلمي للصراع اليمني وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية ومنظمة الأمم المتحدة ممثلة بمبعوثها الخاص إلى اليمن هانس غروندبرغ.
وعلى مدى أشهر طويلة سابقة أتاحت المرونة السعودية الكبيرة إزاء الحوثيين وانخراط غروندبرغ إلى جانب المملكة وسلطنة عمان في جهود إطلاق مسار سلمي في اليمن فرصة نادرة للجماعة لتأمين مخرج آمن لهم من الصراع الذي أشعلوه في البلاد، لكنّ تشدّدهم الذي يرجعه أغلب متابعي الملف إلى تشدّد حليفتهم إيران وعدم رغبتها في تحقيق السلام المنشود أدى إلى إضاعة تلك الفرصة.
وباتت الجماعة اليوم في مأزق بعد أن خفتت أصوات السلام بشكل واضح ما يعني أن الفرصة التي كانت معروضة عليهم من قبل لم تعد متاحة في الوقت الحالي وبنفس الامتيازات التي كانت ستكفلها لهم.
وأطلق مهدي المشاط رئيس المجلس السياسي الأعلى للحوثيين بالون اختبار لمعرفة ما إذا كانت عروض السلام ما تزال قائمة .
ودعا في خطاب له بمناسبة مرور عشر سنوات على إطلاق التحالف الذي قادته السعودية لعمليته العسكرية في اليمن تحت مسمّى عاصفة الحزم، المملكةُ إلى إثبات “جديتها” في السعي لتحقيق السلام.
وقال في خطابه متحدثا عن السعودية وحلفائها “إذا كانوا صادقين في دعواهم وحريصين على السلام والأمن في المنطقة في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية فليمضوا قُدما في تنفيذ الاتفاقات التي تقود نحو تحقيق السلام الشامل والدائم، وتنفيذ متطلباته المتمثلة في وقف العدوان ورفع الحصار وانسحاب القوات الأجنبية بشكل كامل من الأراضي اليمنية ومعالجة ملفات العدوان في ما يتعلق بالأسرى والتعويضات وجبر الضرر وإعادة الإعمار.”
ولم يخل خطاب المشاط بالتوازي مع ذلك من تهديد ووعيد للولايات المتحدة يقول مراقبون إنّه موجّه للاستهلاك الداخلي في ضوء قلة خيارات الجماعة في مواجهة الحملة الأميركية الضارية وعدم وضوح آفاق وقفها وعدم ظهور أيّ حراك دبلوماسي باتجاه ذلك.
وقال رئيس المجلس السياسي للحوثيين مخاطبا الرئيس الأميركي “إن قرارك المتمثل في الاعتداء على بلدنا لإثنائنا عن مساندة غزة لن ينجح ولن نتوقف حتى وقف العدوان ورفع الحصار عنها، بل أقول لك إن فترتك الرئاسية كلها لن تكفيك لإثنائنا،” مضيفا قوله “نحن جاهزون للمواجهة عبر الأجيال”.
وعلى الطرف المقابل أبدت الولايات المتحدة طول نفس في توجيه الضربات للحوثيين وبناهم العسكرية ومقدراتهم اللوجسية وذلك في غياب أي تبعات لذلك على قواتها في ما عدا الموارد التي توظفها في عمليات القصف التي تتم عن بعد بمنأى عن الردود الحوثية التي يقولون إنهم ينفذونها ويستهدفون بها قطعا بحرية أميركية من دون أن ترد أي أنباء عن وقوع خسائر مادية أو بشرية جرّاء ذلك.
وأفادت وسائل إعلام تابعة لجماعة الحوثي الأربعاء بوقوع سبع عشرة غارة أميركية على الأقل على محافظة صعدة المعقل الرئيسي للجماعة في شمال غرب اليمن، فيما أعلن الحوثيون لاحقا عن شنهم هجوما جديدا على حاملة طائرات أميركية في البحر الأحمر.
وقالت قناة المسيرة التابعة للحوثيين إنّ “سبع عشرة غارة غارة شنها العدوان الأميركي على محافظة صعدة” ليل الثلاثاء إلى الأربعاء.
ونقل موقع أنصارالله وهو الاسم الرسمي للحوثيين عن مصدر أمني قوله إن “طيران العدوان شن سبع عشرة غارة جوية على مناطق متفرقة من محافظة صعدة بينها غارتان شرقي المدينة وثلاث غارات على مديرية آل سالم وست غارات على مديرية سحار خلفت أضرارا مادية بممتلكات المواطنين”.
وأضاف أنه “في محافظة عمران شن طيران العدوان غارتين على مديرية سفيان.” وقالت وكالة سبأ للأنباء في نسختها التابعة للحوثيين أيضا إنّ “العدوان الأميركي استهدف مرتين مبنى مستشفى الأورام في صعدة.”
وأدانت وزارة الصحة والبيئة التابعة للجماعة استهداف المستشفى معتبرة أنه “جريمة حرب مكتملة الأركان تنتهك كل الأعراف والقوانين الدولية ورصيد إجرامي للولايات المتحدة يضاف إلى سجلها الأسود تجاه ما ترتكبه بحق اليمن أرضا وإنسانا”.
وأشارت الوزارة إلى إصابة مدنيين اثنين بهذه الضربة، داعية المجتمع الدولي وكافة المنظمات الدولية إلى “اتخاذ موقف حازم ضد هذا العدوان البربري”.
وكذّبت واشنطن من جهتها استهداف أي منشآت مدنية في اليمن مؤكّدة اقتصار القصف على الأهداف العسكرية للحوثيين. وقالت في بيان أصدره السفير الأميركي لدى اليمن ستيفن فاجن “تهدف الحملة الحالية ضد الحوثيين إلى استهداف الجماعة وقدراتها العسكرية فقط، وليس المدنيين الواقعين في مناطق سيطرة حكمها الاستبدادي.”
ويمارس الحوثيون تكتما شديدا على خسائرهم البشرية التي قد تكون فادحة ولا يستبعد أن تكون قد شملت بعض قياداتهم وخصوصا العسكرية والميدانية، لكنهم منذ بدء الغارات الجوية الأميركية على مواقعهم في الخامس عشر من شهر مارس الجاري شيعوا تسعة وخمسين ضابطا فضلا عن الجنود الذين لا تذكر الجماعة تشييعهم في إعلامها الرسمي.
وفي الثالث والعشرين من الشهر نفسه قال مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض مايك والتز إن الغارات الجوية التي شنتها الولايات المتحدة قتلت قيادات رئيسية لجماعة الحوثي بينها رئيس قسم الصواريخ للجماعة.
وأكد والتز قوله لشبكة سي.بي.إس نيوز الأميركية “لقد قضينا على قيادة حوثية رئيسية بما في ذلك رئيس قسم الصواريخ لديهم.” وذكر أن الغارات الجوية الأميركية استهدفت مقرات جماعة الحوثي ومراكز اتصالات ومصانع أسلحة وبعض منشآت إنتاج الطائرات المسيرة.
وكانت إدارة ترامب قد أعادت في يناير الماضي تصنيف جماعة الحوثي منظمة إرهابية أجنبية بسبب هجماتها ضد الملاحة البحرية وتهديد المصالح الأميركية والأمن والاستقرار الإقليمي. وفي الثالث من الشهر الجاري دخل ذلك التصنيف حيز التنفيذ العملي.