آخر تحديث :الأربعاء - 12 فبراير 2025 - 05:49 م

كتابات واقلام


لا إفراط ولا حرمان

الأربعاء - 12 فبراير 2025 - الساعة 02:59 م

حسين أحمد الكلدي
بقلم: حسين أحمد الكلدي - ارشيف الكاتب


بينما كنت على متن الطائرة المتجهة من جدة إلى القاهرة، أدعو الله أن يوصلنا بالسلامة وأن نراكم دائمًا على خير. لقد كنت محظوظًا للغاية عندما تواصلت مع صديق عزيز جدًّا جمعتني به أيام جميلة لا تُنسى، إن كان في السفر أو العمل، وتفاجأت عندما أخبرني أحدهم أنه يمر بوعكة صحية ألمّت به. وهذا الرجل يتمتع بصفات رفيعة نادرة، فهو مهذب ولطيف وسهل المعشر، وقد كان له موقف نبيل معي في بداية مسيرتي العملية، حيث ساندني في أول خطوة، وكان الموقف هو كلمة. فهو من الرجال الذين يدركون معنى الكلمة؛ فالكلمة عهد، والكلمة وعد، والكلمة عقد اتفاق. مرت السنوات التي لم نشعر بانقضائها منذ عام 1990م، وبمجرد أن علمت بمرضه، تناولت هاتفي على الفور واتصلت للاطمئنان عليه. وعند سماع صوته، شعرت بمدى تعبه وإرهاقه، فقد بدا متعبًا ومحبطًا، لكنه لم يُهزم أمام المرض. تمنيت له من أعماق قلبي الشفاء العاجل والصحة والعافية، وتبادلنا كلمات وأحاديث كثيرة جعلتني أفكر في الواجب الذي يجب أن يحمله كل منا في داخله للآخرين ليكون عظيمًا. وفي سياق الحديث، تذكرت موقفًا مهمًا حدث منذ سنوات، عندما كنا أنا وهو ومجموعة من الأصدقاء في الثلاثين من العمر. في ذلك الوقت وكان يتواجد معنا رجل سبعيني قال لنا: "أنتم اليوم تتمتعون بقمة الشباب، لكنكم لا تدركون قيمة الصحة، ولكن ستعرفونها جيدًا عندما تصلون إلى عمري. عندما يحل المرض، ومع تقدم العمر، ستشعرون بالتعب وتحتاجون دائمًا إلى لحظة هدوء وسكون مع أنفسكم." وأكد لنا كلامه بالمثل القائل: "الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى." واستحضرت قول رسول الله ﷺ: "من أصبح منكم معافًى في جسده، آمنًا في سربه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها."
وأدركت أن من أفضل الاستثمارات التي يمكن للإنسان القيام بها هو تجديد موارده المستنفدة، سواء الجسدية أو الذهنية. فالاهتمام بالصحة واللياقة البدنية من خلال ممارسة الرياضة، وتجديد الفكر عبر القراءة والاطلاع المستمر، والابتعاد عن العزلة والانغلاق، كلها عناصر أساسية للحفاظ على توازن الحياة والشباب الدائم. كما أن التواصل مع الأصدقاء الذين يشبهونك في الفكر والميول ويتبادلون معك نفس الهوايات والروح المتقدة في الحياة، والاستمتاع أثناء السفر والخروج في نزهات للترويح عن النفس، واتباع النظام الغذائي المتوازن، كلها أمور ضرورية.
قال رسول الله ﷺ: "البسوا وكلوا واشربوا في أنصاف البطون، فإنه جزء من النبوة." وصاغ أرسطو مذهب "الوسط الذهبي" الذي ينص على أن السلوك الفاضل يتطلب من المرء أن يسير في منتصف الطريق بين الزهد والانغماس في الملذات، وأن يسلك طريق الاعتدال بين الإفراط والحرمان، ويتجنب التطرف في أي جانب من جوانب الحياة. كذلك، النوم المبكر والاستمتاع بلحظات الصباح الهادئة من خلال القيام للصلاة وقراءة القرآن والاستمتاع بطلوع فجر يوم جديد. في النهاية، أدركت أن الاهتمام بالصحة ليس رفاهية، بل هو استثمار ضروري في جودة الحياة، وأن الامتنان للصحة والعافية يجب أن يكون حاضرًا في وعينا قبل أن نفقدهما.