آخر تحديث :الثلاثاء - 11 فبراير 2025 - 10:41 م

كتابات واقلام


الدولة اليمنية - صراع ما بعد 2011

الثلاثاء - 11 فبراير 2025 - الساعة 06:25 م

علي عبدالإله سلام
بقلم: علي عبدالإله سلام - ارشيف الكاتب


عند انتصار الحلفاء على ألمانيا في الحرب العالمية الثانية قال رئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرشل جملته المشهورة: «ليس هناك عدو دائم أو صديق دائم، هناك مصالح دائمة»، لتصبح نظرية سياسية معتبرة، ولأنني لست ناقداً سياسياً فأعتقد أن نظرية تشرشل يقصد بها مصلحة بلاده العليا التي تحتّم على جميع الساسة أن ينظروا ويعملوا من أجلها حتى وإن كانوا مختلفين.

في فيديو قديم ظهر علي عبدالله صالح وإلى جانبه علي محسن وأعتقد أنه في حفل زفاف إحدى أبنائه.. شاهدت الفيديو عدة مرات وتحسرت للوهلة الأولى عندما رأيت وقوف علي محسن إلى جانب علي عبدالله صالح ..صداقة قوية إمتدت ل٤٠ عاماً خاضوا في مراحل العمر حتى أننا وكما يروج له الإعلام نعتقد أن علي محسن الأخ الغير الشقيق لعلي عبدالله صالح.. وعندما اتجه علي محسن لمسار آخر عنوة بصديق عمره اتضح لنا فعلا لا يوجد صديق دائم في عالم السياسة ولا علي محسن اخو علي عفاش فالأول يعود أصله إلى عزلة سنحان أم عفاش فجده لديه حصن منيع في سنحان إحدى مديريات محافظة صنعاء.

ولو نظرنا إلى سردية السياسة في الدولة اليمنية ما بعد 2015 فلن نرى إلا دول تسّير هؤلاء الساسة وفق مصالح مشتركة وإلا لما رأينا اللواء عيدروس الزُبيدي يقف إلى جانب طارق صالح في ما تسمى معركة التحرير نحو صنعاء والذي كان عدوا غير مرحب به إلى العام ٢٠١٧.
السياسيون اليمنيون يجعلون في غالب الأمر السياسة حرفة لهم أو بالعامية (طلبة الله)، المشكلة تكمن في أن الأغلبية ومن جاءت بهم الحروب هم صفر خبرة ويفتقرون إلى التسلسل السياسي المعروف فإما أن يعيش المرء "لأجل" سياسة طلبة الله والتي تجعله أداة في يد الداعم الخارجي، أو أن يعيش "من" أجل السياسة بغرض تحسين وضع المجتمع المحلي والبحث عن فرص النجاة للجميع.

يقول عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر، فإن هذا التعارض لا يعني إقصاءً بحال من الأحوال. ففي العادة غالباً ما يفعل الأمران معاً، فكرياً على الأقل، ولكن في غالب الأحيان مادياً أيضاً. ومن يحيا من "أجل" السياسة فهو يجعل منها، بالمعنى الأعمق للكلمة، "هدف حياته"، فهو إما يتلذذ بالسلطة التي يمارسها بمجرد امتلاكه لها، أو لأنها تؤمِّن له توازنه الداخلي أو تعبر عن قيمة شخصية حيث يعي أنه قد جعل نفسه في خدمة قضية تعطي حياته معنى. وبهذا المعنى العميق، فإن كل إنسان جدي يعيش من أجل قضية، فهو يعيش منها أيضاً. والفرق يتعلق بالجانب الاقتصاد.

هذا عكس التحالفات التي رأيناها بعد العام 2011 أو كما أسميها التحالفات المقززة؟ فمن يعتبر السياسة وظيفة يقتات منها فهو الذي يسعى إلى أن يجعل منها مصدر دخل دائم له. أما من يحيا من "أجل" السياسة فهو من لا تنطبق عليه هذه الحالة. ولدينا أمثلة كثيرة إستطاعت أن تغير وضع ساسة 2015 إلى ما لا يحلم به العقل والمنطق وجعلتهم ساسة كرجال أعمال لديهم أنشطة يقتاتوا منها.

شمالا في اليمن تمتلك سلطة الحوثي إزدهارا لم يحدث في عمر الحركة وقاداتها. وللمتأمل سيرى أن قادة الحركة كانوا معتقلين ومشردين في عهد النظام السابق ولما جاءت لهم فرصة السلطة والجاه لم يعكسوا معاناتهم ليحسنوا أوضاع الشعب من صرف مرتبات منتظمة، تحسين خدمات وبأجور زهيدة بل ذهبوا للإستثمار إلى حد مقزز حتى غيروا بالمعنى الاقتصادي والتجاري وأصبحوا تجار سلطة يدعموا فقط ذواتهم بعيدا عن معاناة الشعب مدعيين أنهم في مرحلة الحرب التي لا تنضب. والسؤال الأهم كيف لهؤلاء أن يعيشوا من "أجل" السياسة؟

في منطق السياسة.. هناك نظامين متعارف عليه فإما إدارة الأزمات وهذا الذي يمارس في الدول المتقدمة من رخاءا، خدمات، أجور منتظمة، ودخل فرد كبير فيجد الفرد في هذه البلدان ينأى بنفسه عن التفكير عن أي سياسة. أما الشق الثاني من هذا المنطق هو الإدارة بالأزمات وهذا المعمول به في مناطق دولنا أو ما تسمى دول العالم الثالث حيث يذهب المسؤول عن التفكير في تطوير اي سياسة داخلية للبلد ويذهب في زيادة تأزم الخدمات مما يجعل المواطن البسيط عن أي تفكير سوى عن الخدمات المضطربة والحقوق المنهوبة.

أخيرا.. عندما تجد فرداً يدفع مالاً ليصوت عليه الناس في الانتخابات، أو حزباً يغير مبادئه تبعاً لما يريد اكتسابه من أصوات، أو طبقة سياسية لا هم لها إلا اصطياد الوظائف، أو حزبين يتعاقبان على السلطة بموجب اتفاق مسبق رديء وغبي على التناوب تحت غطاء "انتخابات" معدة سلفاً في الدوائر العليا، فإن معلف الدول يصبح زاداً لطبقة دون الطبقات، وتدخل الدول في مبدأ التوزيع النسبي للثروات، وتدخل تلكم الثروات في النفاد حيث تستشري في المجتمع ظواهر الرشوة والمحسوبية واللامسؤولية واللامحاسبة وإسناد الأمور إلى البلهاء في السياسة والاقتصاد، أي إلى غير أهلها، ويكثر الفقر والفساد، وتسقط مؤسسات الدولة في الفتنة المؤذنة بحروب أهلية كما في بعض دول أفريقيا أو في ثورات عارمة كما وقع في بعض الدول العربية... والصائب أن يعيش السياسي اليوم من أجل الدولة، من أجل الأمانة التي تقلدها بكفاءة ومهنية مطلقة ونزاهة ونكران للذات، آنذاك أن يعيش "لأجل" السياسة أو "من" السياسة، فهي مسائل تصبح غير ضارة وهذا الذي لن يحدث أبدا في اليمن.. فيا ترى من هو المستفيد من حدث ما بعد فبراير ٢٠١١ في ضعف الدولة وغياب المصالح للمواطن؟