آخر تحديث :الأربعاء - 12 فبراير 2025 - 01:32 ص

كتابات واقلام


سلسلة من الأسماء: أزمة الانتماء الوطني

الثلاثاء - 11 فبراير 2025 - الساعة 11:30 م

علاء العبدلي
بقلم: علاء العبدلي - ارشيف الكاتب


في خضم الأحداث المأساوية التي تشهدها بلادنا، تتجلى صورة مؤلمة لوحدة الجيش الذي تحول إلى كيان يُنسب إلى أسماء القادة بدلاً من المصلحة الوطنية.
إننا نرى أمام أعيننا مسميات وحدات عسكرية عديدة، وتُصنف القوات بحسب قادتها، مما يعكس انحداراً في مفهوم الوطنية والانتماء.

من المؤسف أن يُعبر جندي عن ولائه بشكل شخصي، قائلاً إنه يتبع "القائد فلان"، كما لو كان يعدّ نفسه جزءاً من ملكية خاصة، بدلاً من أن يكون جزءاً من مؤسسة عسكرية تحمي الوطن والشعب.
وهذا يعطي انطباعا عن حال القوات، التي تفتقر إلى روح الانتماء الجماعي والهدف الأكبر. فمع تدفق الأنباء التي تُعتبر أحداثاً عابرة ومركّزة على الأسماء، نجد أن الحالة العامة تتعرّض لتقويض قيم الوطنية التي ينبغي أن يرتكز عليها أي جيش حقيقي.

أذكر عندما كنت صغيراً في عهد النظام السابق عفاش، لم أكن أنا والكثير يعرف سوى اسم الرئيس علي عبدالله صالح. كانت الأخبار تتركز حوله، وكنا نعتبره رمز السلطة بلا منازع. لم يكن هناك حديث عن القيادات العسكرية الأخرى، أو التصنيفات للمسؤولين، بل كان الحديث منصبا على رجل واحد، ومصير البلاد كان يختصر في كلمة واحدة: "الرئيس". ذلك الانغلاق كان يجسد نوعا من الغياب عن الواقع، حيث لم أكن أعلم عن التسلسل الهرمي للمسؤولين وقاد الجيش، كنت أعتقد أن الرئيس هو الوحيد الذي يتولى زمام الأمور.

لكن مقارنتي ما كان عليه الحال سابقا، بما نشهده اليوم من تفكك، تحمل في طياتها مزيجا من الأسى والحنين. ليس اشتياقا للزمن الغابر، ولكن لأيام كانت فيها المؤسسة العسكرية تتحدث بلغة واحدة، تتماشى مع إرادة الوطن، بعيدا عن الأسماء الشخصية أو المصالح الفردية. اليوم، تتداخل الأسماء مع الأحداث، ويتحول الجيش من صرحٍ وطني إلى مجرد تجمعات تضع مصالح قادتها الشخصية في أولوياتها.

إن التحول الذي شهدناه منحنى مؤلم، حيث اختفت مسميات الادارات والوحدات العسكرية، واستُبدلت بأسماء قيادات، بعضهم لا يساوي فلسا في قاموس الشجاعة والتضحيةوالكفائة .
إن هذا التحول يتطلب التأمل والتفكير الجاد في معنى الوطن والواجب، وأننا بحاجة إلى استعادة روح الانتماء الحقيقي.

لابد من اعادة بناء مفهوم الجيش، والتوعية بأهمية المصلحة العامة على حساب الأسماء، فالتاريخ علمنا الكثير عن قوة الوحدة والعزم الجماعي. فلن تستطيع فردية الأسماء بناء وطن مستقر، بل ستقودنا إلى مزيد من الفوضى والانقسامات. يجب العمل من أجل وطن واحد، بدلاً من السير في دروب الشخصانية التي لا تُسمن ولا تغني من جوع. فالجيش لا يُبنى بالأسماء، بل بالولاء للوطن وحماية شعبه، ومن هنا يجب أن تكون انطلاقتنا نحو المستقبل الذي نريده جميعا.