آخر تحديث :الثلاثاء - 11 فبراير 2025 - 10:28 ص

كتابات واقلام


الجنوب ليس فاشلًا، ولن يفشل

الإثنين - 10 فبراير 2025 - الساعة 08:27 م

نشوان العثماني
بقلم: نشوان العثماني - ارشيف الكاتب


ما يُروّج اليوم من محاولة تكريس صورة الفشل، والادعاء بأن الجنوب يفتقر إلى رجالات دولة، وأن أوضاعه لم تكن بهذا السوء في زمن هيمنة صنعاء، ليس سوى محاولة مكشوفة تهدف إلى إعادة عقارب الزمن إلى الوراء، لتكريس فكرة العودة إلى الهيمنة المركزية بعد انتهاء الحرب. حبكة معروفة تقف خلفها أطراف عديدة، بعضها شمالي وهذا متوقع، لكن الأخطر هو مساهمة المجلس الانتقالي نفسه، بشكل أو بآخر، في ترسيخ هذه الصورة البائسة، في مفارقة لا يمكن تبريرها.
عدد من وزراء الانتقالي في الحكومة الحالية التي تعاني من فشل ذريع ليسوا أهلًا لتحمّل المسؤولية، ولا لتمثيل مكوّن يتصدّر مشهد الدفاع عن قضية الجنوب وحقه في تقرير المصير. وزراء بلا كفاءة أو رؤية سياسية ناضجة، وربما بلا انتماء حقيقي لهذا المشروع الكبير.
أما التهليل لمرحلة صالح من جهة، والترويج لفكرة أن مأرب تنقذ عدن من جهة أخرى، وما شابه ذلك، فليس سوى جزء من اللعبة القديمة ذاتها، التي تخدم أجندات الهيمنة وتعيد تدويرها بأساليب جديدة.
على اليمنيين أن يفهموا، والجنوبيين أولًا، أن زمن هيمنة صنعاء قد انتهى بلا رجعة. صنعاء لم تعد قادرة على استعادة نفوذها في مأرب (مهد الحضارة التي نقدرها كثيرًا ونرفع لها القبعة)، فكيف بالجنوب؟ هذه حقيقة. أما المجلس الانتقالي، فعليه أن يغادر مربع التراخي ويتحمّل مسؤوليته التاريخية في حماية مشروع الجنوب، وفاءً لتضحيات هذا الشعب الطيب والعظيم واحترامًا لكل مكوناته.
هذه الوحدة لم تكن إلا مشروعًا وُئد في مهده، ولم يستمر إلا بالعنف والقهر. اليوم، لا سبيل لإعادة الأمور إلى نصابها إلا من خلال تصحيح هذا المسار التاريخي، وإعادة العدالة إلى موضعها الطبيعي. دون حل قضية الجنوب، لن يكون هناك حل لا لليمن ولا للمنطقة بأسرها.
في الشرق الأوسط، هناك قضيتان عادلتان: القضية الفلسطينية على حدود 1967، وقضية الجنوب. هذا واقع حق يجب أن يكون واضحًا للجميع. وأمام الإنسان أن يكون منحازًا لهذا الإنصاف.
على المجلس الانتقالي أن يغادر مربع الخضوع للإملاءات الإقليمية. العلاقة مع الإقليم مهمة، لكن ليس على حساب القضية، ولا بتمثيلها عبر شخصيات تفتقر إلى الفكر السياسي الناضج أو المصداقية والانتماء ربما. وتصريحات بعض وزرائه مؤخرًا تؤكد هذا الانحراف، إذ بات الخطر على الجنوب يأتي من داخله، أكثر من أي تهديد خارجي.
والشيء بالشيء يُذكر.. يجب الاعتراف أن الأزمة تفاقمت حين تسلل داء المناطقية إلى النسيج الاجتماعي الجنوبي، ليصبح واحدًا من أخطر عوامل التمزق الداخلي. هذا الداء، الذي حذرنا منه مرارًا، بات ينخر في الجسد الجنوبي، ويُضعف قضيته من الداخل. ولم يعد الجنوب بحاجة إلى أعداء خارجيين؛ حين يأتي هذا الخطر الداهم من داخله ليقدم قضيته على طبق من ذهب لصالح الأوليغارشية ذاتها، التي سيطرت على الجنوب بالأمس، وبالسذاجة القديمة ذاتها.
وما أقوله هنا يصح تمامًا أن يكون في بعده الاستراتيجي لصالح كل اليمنيين شمالًا وجنوبًا؛ لأن الدولة، كما يجب أن تكون في العصر الحديث، لا تُبنى بالنمط ذاته التي اعتاد عليه الفكر العربي في القرون الوسطى، فكر الغلبة والهيمنة.
هل آن لهذا الوعي أن يستيقظ قبل فوات الأوان؟
لن ينهض الجنوب إلا بوعي جديد يتجاوز هذه الأخطاء القاتلة. بوعي يقوده رجال يؤمنون بقضية شعبهم، ويعيشون معاناته، لا أن ينفصلوا عنه في أبراجهم العاجية. الجنوب بحاجة إلى قيادة تنتمي له حقًا، تدافع عن قضيته بصدق وإخلاص، لا إلى رجال يقايضون القضية بمناصب زائلة أو ولاءات مشبوهة.