آخر تحديث :السبت - 22 مارس 2025 - 06:02 ص

كتابات واقلام


الوطن للأجيال والسياسة متغيرة

الجمعة - 21 مارس 2025 - الساعة 11:21 م

عبدالرؤوف الحنشي
بقلم: عبدالرؤوف الحنشي - ارشيف الكاتب


السياسة فعل متغير، أما الوطن فحقيقة ثابتة، لا تختزل في جيل دون آخر، ولا ترتهن لرؤية عابرة، فالأوطان كيان يتجاوز الأفراد والأنظمة، تنمو في وجدان شعوبها، وتصوغ هويتها عبر الزمن، بينما السياسة، مهما بدت راسخة، فهي خاضعة لسنة التغيير والتداول، فمن يخلط بين الوطن والسلطة يقع في خطأ تاريخي، لأن الأوطان تبقى، أما السياسة فإما أن تكون وسيلةً للبناء أو عبئاً على الدولة والمجتمع.

لقد أثبت التاريخ أن من توهم امتلاك الوطن بحكمه، سرعان ما تلاشىم اسمه من ذاكرة الشعوب، بينما الذين أدركوا أن الحكم تكليف لا تشريف، ومسؤولية لا مغنم، هم الذين سطرتهم كتب التاريخ بحروفاً من ذهب، فالسياسة، إن لم تكن أداةً لخدمة الصالح العام، تتحول إلى قيد يكبل تقدم الامم، وما من دولة نهضت إلا حين جعلت من السياسة وسيلةً لتجديد ذاتها، لا أداةً لتعطيل حركتها.

لذلك يمكننا القول، إن السياسة الرشيدة هي التي تفهم أن الحكم ليس امتيازاً، بل التزاماً بتسليم الوطن أقوى للأجيال القادمة، لا أضعف، فالقادة العظام لا يقاسون بطول بقائهم، بل بعمق تأثيرهم، ولا يخلدهم التاريخ بسلطانهم، بل بإنجازاتهم، وإن الحكم الذي لا يستند إلى رؤية استراتيجية تتجاوز الأفراد وتحتكم إلى المؤسسات والقوانين، سرعان ما يصبح عبئاً على الوطن بدل أن يكون رافعةً له.

في الختام، لقد علمتنا التجارب أن الأمم التي استوعبت أن السلطة وسيلة لا غاية، هي التي ازدهرت واستدامت، بينما أولئك الذين ظنوا أن الحكم ميراث شخصي، سقطوا في هاوية النسيان، بينما ظل الوطن شامخاً، كما كان دائماً، أسمى من الأفراد، وأبقى من كل سلطة.