آخر تحديث :الثلاثاء - 04 مارس 2025 - 05:29 ص

كتابات واقلام


الفساد في التجارة ورحلة البحث عن الرزق الحلال

الثلاثاء - 04 مارس 2025 - الساعة 05:13 ص

علاء العبدلي
بقلم: علاء العبدلي - ارشيف الكاتب


طبعا قبل البدء في الحديث أريد أن اوضح ان هذا الأمر يشمل عدد كبير من التجار بمختلف أنواع التجارة الا أنني أخذت مثالاً للتجار وبائعي القات. فما نشهده اليوم من ممارسات بائعي القات هو مثال صارخ على تعقيدات التجارة الحرام وتأثيراتها السلبية على المجتمع. مع أنه يُعتبر القات شجرة مكروهه تناولها شرعا أو ربما قد تكون في حكم الحرام ،، مهما يكن وبغض النظر عن حكم تناولها،
فالامر الذي أريد أن اركز عليه هو اننا نجد أن هؤلاء البائعين يزدهرون في سوق يملؤه النفاق والاستغلال. كيف يُسمح لأحدهم أن يرضى بممارسة التجارة الحرام لنفسه ولأسرته، بينما يتجاهل تماما قيم الكسب الحلال التي يجب أن تكون أساسا لأي تجارة؟

طبعا الموضوع الذي أريد أن أتحدثه عليه ليس المنتج نفسه لكن تلك الاساليب التي تمارس في بيع المنتج لكوني أريد أن اوصل رسالة تشمل عدد من التجار بتجارات مختلفة .

فأنا والبعض وربما الكل تعودنا على رؤية بائع القات يتلاعب بالأسعار حسب نوعية الزبائن، فنجد أنه يبيع نفس المنتج بأسعار متفاوتة. فمثلاً، عندما يأتي شخص ذو دخل محدود، نجد البائع يستغل حاجته ويفرض عليه سعرا يكون فيه رابحا حتى وان كان السعر قليل في نظره ، رغم أن البائع قد اشتراها بسعر أقل بكثير مما باعه.

وعندما يأتي شخص آخر من طبقة متوسطة الدخل، يُمارس البائع نمطاً جديدا من الضغط والمخاوف، مُبالغاً في السعر بطريقة تجعله يبدو كأنه ينقذ المشتري من خطر محتمل. تتصاعد أسعار القات لتصل إلى أرقام خيالية، ويرتفع سعره مثلاً إلى عشرين ألف ريال، بينما يبدأ المشتري بالتفاوض حتى يصلوا إلى سعر عشرة آلاف. هنا، يُظهر البائع ما يصطلح عليه في الأمثال "الفهامة عاوزة شطارة". ومع ذلك، أليس من الغريب أن تُمارَس هذه الشطارة بطريقة غير أخلاقية؟فهنا يثبت البائع أنه يريد تحقيق مكاسب غير مشروعة على حساب الآخرين، وهو أمر أخلاقي يجب تصحيحه.

ثم يبدأ التفاعل مع الزبون البروجوازي، حيث يتحول البائع كليا إلى الطاعة وينصت له وكأنما هو ملك يتحدث مع رعيته. في هذا الموقف، يُظهر المثل القائل "المشتري هو الملك" فيتحدث الآخرون للبائع وكانهم يتحدثون إلى صنم لكونه مركز مع هذا الشخص .
هنا نرى مدى تأثير الفئة الغنية على سوق التجارة.و كيف يُمكن للبائع أن يضحّي بمصالح الآخرين في سبيل تحقيق الربح السريع وينسى أن التجارة الحقيقية تبنى على المبادئ والاحترام المتبادل؟


إن المسائل الأخلاقية في التجارة تتجاوز حدود الربح والخسارة، وتظهر بوضوح في سلوك بائعي القات وغيرهم من البائعين. إن البائع الذي يتلاعب بالأسعار ويبيع نفس المنتج بأسعار متفاوتة ليس فقط يتملص من مسؤولياته الأخلاقية، بل أيضاً يفتقر إلى الإدراك الواقعي لطبيعة عمله.
بينما يعتقد أنه يمارس "شطارة" في التعامل، فإنه يغفل عن الأبعاد الأخلاقية والدينية التي تحظر مثل هذه الممارسات.

يأتي هذا في إطار الأساليب غير الشرعية التي يمارسها، حيث يرضى لنفسه أن يأكل الحرام بشتى الطرق. فبينما يقوم ببيع القات لشخصٍ ما بسعر عشرات الالاف ريال، رغم أن تكلفته لا تتجاوز ألفي ريال، فإن تلك الزيادة الكبيرة لا تعكس إلا استغلالًا سافراً لقلة حيلة المشتري. وإذا نظرنا بعمق، نجد أن هذه الممارسات ليست سوى تجسيد لفكرة "الربح السريع" على حساب الآخرين، مما يسهم في توسيع الفجوة بين الطبقات الاجتماعية.

دعونا ننظر إلى القصة من منظور أعمق: البائع يزعم أنه ذكي، ويعتقد أن قدرته على التلاعب بالسوق تعكس فطنته وحنكته. لكنه يغفل الحقيقة الأساس التي تقول إن الذكاء الحقيقي يكمن في الحفاظ على المبادئ والأخلاق الغائبة في تجارته. فعندما يُفاوض البائع شخصاً على سعر المنتج، ويصل به إلى عشرة آلاف ريال بعد جولة من الجدل والتهديد، فإنه في الواقع يمارس جريمة استغلال بحاجة زبون آخر أو ارضاء لذلك الزبون باخذه بممارسة هدده بالموت يرضى بالحمى.

فكيف يمكن للمرء أن يبرر فوارق الأسعار المتفاوتة بين الأشخاص؟ هل يُعقل أن يكون للبائع الحق في تحديد السعر بناءً على وضع المشتري المالي؟ إن هذا الاستغلال، الذي يُظهر البعد العميق للفساد، يتطلب من الجميع تنبيها وإنذارا. فالقضية لا تتعلق بمجرد تجارة، بل بتجارة حرام تحاول أن تصنع شرعية من عدمها. فكما يقول المثل "الربح السهل يأتي من طرق صعبة"، لكن في الحقيقة، "لا شيء يأتي دون ثمن". فما هو الثمن الذي يدفعه البائع من رضاه بعيش الحرام وتغذية أولاده من مال مُكتسب بطريقة غير شرعية؟

إن الحجة التي قد يحاول اقتراحها البائع لن تُعطي مبرراً مقنعاً لاستمراره على هذا النهج. فعندما يتعامل مع قضية الأسعار كما لو أن القات هذه "سلعة عادية"، فإنه يدق جرس خطر في مسار حياته ومستقبله. فما ينبغي أن يكون مبررا لأسعار متفاوتة بين المشتريين هو الفائدة الحقيقية، فإنه على النقيض، تبين أنه استغلال لا يراعي القيم.

يتحتم علينا التساؤل: لماذا نرخص لأنفسنا الأكل من أموال الناس بالباطل؟ أليس من الأجدر بنا أن نكون صادقين في تجارتنا وأن نتذكر أن "الرزق الحلال طيب"؟ فالمال المكتسب من طرق غير مشروعة لن يحقق النجاح أو السعادة، بل سيؤدي إلى انزلاق مستمر نحو الأزمات والمشكلات الاجتماعية.

للأسف، يمثل هذا الوضع جزءا من ثقافتنا الاقتصادية الحالية، حيث يتقبل البعض مفهوم التجارة المرتبطة ببيع الحرام كذكاء تجاري. ومع ذلك، فإن الذكاء الحقيقي يتجلى في مقاومة الإغراءات والمساس بمبادئ النزاهة. فهل يُعقل أن يُباع لأحدهم القات بأربعة آلاف ريال بينما يُباع لآخر بعشرين ألفا؟ إن هذا يستدعي منا جميعا التوجه نحو إنشاء وعي جماعي حول أهمية الأخلاق في التجارة، وأهمية تحديد الأسعار بصورة عادلة، وفقا لمبادئ الشفافية.

فيجب أن نتذكر أن التجارة بحاجة إلى ضمير وأخلاق، ولنتخذ من هذه التجربة العبرة أن نرفض استغلالات الحرام في البحث عن الربح، ونسعى إلى بناء مجتمع يدعم القيم والأخلاق، ويحترم مصالح الجميع. فنجاح التجارة الحقيقي يأتي من الصفاء والشفافية، وليس من شطارة زائفة يعتمدها على أنقاض الآخرين. كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا"، لذلك علينا أن نحرص كل الحرص على البحث عن الرزق الحلال والابتعاد عن الطرق الملتوية التي تضر بالآخرين والمجتمع ككل. تقبلوا كلماتي واحترامي وتقديري مع كل الحب واعذورني عن الإطالة في الحديث ..