آخر تحديث :الثلاثاء - 04 مارس 2025 - 03:46 ص

كتابات واقلام


المناطقية آفة تفتك بوحدتنا وتعرقل تقدمنا

الإثنين - 03 مارس 2025 - الساعة 11:42 م

عبدالرؤوف الحنشي
بقلم: عبدالرؤوف الحنشي - ارشيف الكاتب


في عالم تتسارع فيه عجلات الزمن نحو التقدم، وتتوحد فيه جهود الشعوب على أسس من الكفاءة والإبداع، تظل المناطقية عقبة ثقيلة تضعف من عزائم الأمم وتقف في طريق طموحاتها، ورغم التحذيرات المتواصلة من الدين والقانون، لا زالت هذه العادة البائسة تمارس، حتى أصبحت جزءاً من واقعنا الذي نعيشه كل يوم، لا تقتصر على فئة أو جهة بعينها، بل أصبحت ثقافة سائدة في العديد من ميادين الحياة، وفي مقدمتها التعيينات والمناصب.

إن بقاء هذه الآفة الاجتماعية في نسيجنا الوطني يشكل تهديداً وجودياً لوحدة وطننا، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دعها فإنها منتنة"، محذراً من أن المناطقية ليست مجرد خلاف اجتماعي، بل هي مرض روحي يفتك بالوحدة الوطنية، ويزرع بذور الفتنة بين الأفراد، هي سم خبيث يقتل الأمل في التقدم ويمنع النهوض، ويقضي على كل فرص العدالة والمساواة.

لو كانت المناطقية طريقاً للفضيلة، لما كان بلال بن رباح رضي الله عنه، الذي لم يكن يمتلك سوى الإيمان والكفاءة، مؤذناً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، بينما ظل أبو لهب وأبو جهل، وهما من أبرز أعيان قريش في أسفل السافلين، هذه القصة البليغة تفتح أمامنا أفقاً واسعاً لفهم أن الناس لا تقاس مكانتهم بالأصل أو النسب، بل بصدقيتهم، وإخلاصهم، وكفاءتهم.

ولو كانت المناطقية هي الطريق نحو التقدم، لما شهدنا شعوباً تجاوزت حدود الماضي، وكتبت قصصاً من النجاح، تحتفى بقدرات أفرادها بغض النظر عن جذورهم، بينما نرى دولاً مثل أمريكا وأوروبا تحتفل بملايين من المهاجرين العرب، وتستفيد من عقولهم وأفكارهم ومواهبهم، أما نحن، ما زلنا نبحث عن الأصول ونتساءل: "من أين أنت؟" "ما هو أصلك؟" وكأن هذه الأسئلة يمكن أن تحدد قيمة الإنسان، بينما الحقيقة أن الكفاءة، والإخلاص، والإبداع، والأمانة هي ما يبني الأمم ويحقق تطلعات الشعوب.

لذلك، إن المناطقية ليست مجرد جدران اجتماعية نبنيها حول أنفسنا، بل هي قيد يربط أيدينا ويمنعنا من رؤية الإمكانيات الحقيقية التي يمكن أن تجمعنا، هي قيود تدمر التقدم وتزرع الخلاف، وتؤدي إلى مجتمع محكوم بالخلافات، متصارع على قشور لا قيمة لها، بينما يحتاج الوطن إلى الوحدة والعدالة والعمل الجماعي لبناء مستقبل مشترك.

في الختام، فلنرفع راية التغيير، ونحرر أنفسنا من هذا الفخ الاجتماعي المدمر، فالأوطان تبنى بالعدالة والمساواة، على أساس الاخلاص والكفاءة والقدرة، لا على حساب الأصول والمناطق.