آخر تحديث :الجمعة - 21 مارس 2025 - 01:08 ص

من تاريخ عدن


حادث جوي مروع فوق جبل شمسان واعلان الحداد في عدن والقاهرة..صور

الخميس - 20 مارس 2025 - 02:09 م بتوقيت عدن

حادث جوي مروع فوق جبل شمسان واعلان الحداد في عدن والقاهرة..صور

بحث وإعداد وترجمة / بلال غلام حسين

الرحلة رقم (763)


في ليلة حالكة من ليالي مارس عام 1972، للحادثة التي مر عليها ثلاثة وخمسون عاماً, كانت طائرة الركاب تحلق في سماء عدن، تحمل على متنها أحلام المسافرين وأمانيهم بالوصول إلى وجهتهم بأمان .. بينما كان الركاب منشغلين بتوقع الهبوط، لكن القدر كان له رأي آخر، وحدث ما لم يكن في الحسبان .. الطائرة، التي كانت تتحرك في مسارها، واجهت ظروفًا مفاجئة، ربما خطأ في الملاحة أو رؤية ضعيفة، مما جعلها تقترب أكثر مما يجب من جبل شمسان، في لحظة خاطفة، اصطدمت الطائرة بالجبل، وتحطمت في مشهد مروع، تاركة المدينة في حالة من الصدمة والذهول،

فقد انتهت رحلتهم المأساوية باصطدام مروع بجبل شمسان، حيث تحولت الطائرة إلى كتلة من اللهب وسط صمت الليل الحزين .. لم يكن هناك ناجون، ولم يتبقَ سوى حطام متناثر يروي قصة خطأ بشري قاتل وظروف جوية لم ترحم.


في عدن، توقف الزمن للحظات، انتشر خبر الحادث بسرعة، وحشد السكان المحليون قواهم لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، رغم أن الأمل كان يتلاشى مع كل دقيقة تمر .. عند وصول الفرق إلى موقع التحطم، كان المشهد مأساويًا، حطام الطائرة متناثر هنا وهناك، والركاب والطاقم فقدوا حياتهم في هذه الكارثة.


المدينة أعلنت الحداد، دموع امتزجت بصلاة ودعاء من أجل أرواح الضحايا .. كان جبل شمسان، الشاهد الأبدي على تلك المأساة، يحمل الآن ذكرى هؤلاء الذين فقدوا حياتهم، في حادث أدمى قلوب الجميع.


أما في القاهرة، حيث كانت تنتظر العائلات أخبار أحبائها، فقد كان الألم أشد وطأة .. تحولت المنازل إلى مآتم، وامتلأت الصحف بالحديث عن الحادث، كان الجميع يتساءلون: كيف حدث هذا؟ وهل كان بالإمكان تفاديه؟ .. رغم مرور العقود، يظل حادث تحطم الطائرة المصرية فوق جبل شمسان جزءًا من ذاكرة مدينة عدن ومصر .. ذكريات الضحايا وأحلامهم التي انطفأت فجأة لا تزال حاضرة، لتروي حكاية مؤلمة عن الأقدار التي تأخذنا دون سابق إنذار.


هذه الحادثة المؤلمة لم تكن مجرد كارثة جوية، بل درسٌ محفور في تاريخ الطيران، يذكرنا بأهمية الدقة والالتزام بالإجراءات في عالم لا مجال فيه للخطأ.


تبدأ الحكاية في يوم الأحد, الموافق 19 مارس 1972، الساعة 23:42 مساء، كانت الطائرة من طراز McDonnell Douglas DC-9-32، مسجلة في يوغوسلافيا تحت الرمز YU-AHR، ومستأجرة من شركة الخطوط الجوية اليوغوسلافية �إينكس أدريا� التي كانت قد أُعيدت تسميتها حديثًا .. كانت رحلة دولية غير مجدولة لنقل الركاب، انطلقت من مطار القاهرة الدولي في مصر متجهة إلى مطار عدن الدولي في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (جنوب اليمن)، مع توقف ترانزيت في مطار جدة، المملكة العربية السعودية .. اصطدمت الطائرة بجبل شمسان (أعلى قمة في منطقة فوهة عدن البركانية) خلال الاقتراب النهائي، مما أدى إلى احتراقها وتدميرها بالكامل، فور الاصطدام أسفر الحادث عن مقتل جميع من كانوا على متنها دون أي ناجين.


تفاصيل الطائرة:


----------------


الطراز: McDonnell Douglas DC-9-32

رقم التصنيع: 47503

الرقم التسلسلي للمصنّع: 587

بلد التسجيل: يوغوسلافيا

مالك الطائرة: شركة الطيران اليوغوسلافية Inex Adria

عدد الركاب: 33 راكبًا

عدد أفراد الطاقم: 9 أفراد


مسار الرحلة وجدولها الزمني:


-----------------------------


انطلقت رحلة مصر للطيران رقم 763 (MS763) من مطار القاهرة الدولي في مصر، وكانت مطار الملك عبد العزيز الدولي بجدة في المملكة العربية السعودية محطة توقف وسيطة، قبل أن تتجه نحو وجهتها النهائية مطار عدن الدولي في اليمن الجنوبي .. كانت الرحلة دولية غير مجدولة (رحلة عارضة) تقل مسافرين من القاهرة إلى عدن عبر جدة. في يوم 19 مارس 1972 أقلعت الطائرة من جدة متجهة إلى عدن وعلى متنها 33 راكبًا و9 من أفراد الطاقم .. وفي أثناء اقترابها من مطار عدن للهبوط على المدرج 08، واجهت الطائرة مصيرًا مأساويًا.


أسباب الحادث والتحقيقات الرسمية:


-----------------------------------


أظهرت التحقيقات أن الحادث وقع نتيجة اصطدام الطائرة بتضاريس مرتفعة (جبل شمسان), بينما كانت في وضع طيران عادي (أي لم يكن هناك عطل تقني يمنع التحكم بالطائرة) .. وهو ما يُعرف بحادث الارتطام بالجو المراقَب بالأرض (CFIT) .. كانت الأحوال الجوية وقت الاقتراب سيئة مع مدى رؤية محدود, ورغم ذلك حاول الطاقم تنفيذ نهج هبوط بصري (VFR) بدلاً من الاعتماد الكامل على الأجهزة الملاحية, ولم ترصد التحقيقات أي خلل فني في الطائرة، مما يُشير إلى أن الخطأ البشري وقرار الطاقم غير السليم بالاستمرار في الهبوط بصريًا وسط ظروف جوية غير ملائمة كان السبب الرئيسي للحادث .. خلص التقرير الرسمي (الذي أجرته سلطات الطيران المدني في اليمن الجنوبي بالتنسيق مع مصر للطيران والخطوط اليوغوسلافية المالكة للطائرة) إلى أن خطأ الطيار في المحافظة على ارتفاع آمن أثناء الاقتراب هو ما أدى إلى اصطدام الطائرة بجبل شمسان .. ولم تُظهر التحقيقات أي عوامل أخرى, مثل أعطال تقنية أو انفجار قبل الاصطدام.


وعلى عكس ما ذُكر أعلاه ذكرت صحيفة الأخبار المصرية في عددها الصادر عام 1972م, بأن وزارة الطيران المصرية أوفدت بعثة فنية برئاسة المهندس مصطفى العقاد مدير إدارة التحقيقات وتحليل الحوادث, وتضم الكابتن محمد عباس المراقب العام للعمليات, والمهندس رمسيس زكي, مراقب التفتيش الفني بالهيئة العامة للطيران المدني, والكابتن شوقي ياقوت كبير طياري الكوميت يمؤسسة مصر للطيران, وجمال عمر كبير المضيفين بالمؤسسة, وأربعة من المهندسين اليوغسلافيين بشركة "جات" صاحبة الطائرة التي أستأجرتها منها مؤسسة مصر للطيران, للعمل خلال موسم الحج .. وقد أشارت الصحيفة إلى أنه تضاربت الاراء حول أسباب الحادث, حيث قال أحد شهود العيان, وهو مراسل وكالة يونايتد برس في عدن, أنه رأى الطائرة تحلق على إرتفاع منخفض فوق منزله القريب من المطار, وفجأة توقفت محركات الطائرة ثم رأها وهي ترتطم بالجبل والنيران تشتعل منها, وقال أنه لايعرف لماذا توقف قائد الطائرة اليوغسلافي عن الاستعداد للهبوط في المطار!!


وبحسب إفادة أحد قدامى الكباتنة في طيران اليمدا, وهو الكابتن عبدالجبار علوي السقاف حيث قال لي:


"مطار عدن الدولي: المزايا والمواصفات الفنية

يُعد مطار عدن الدولي من أكثر المطارات سهولةً في التشغيل على مستوى العالم، وذلك بفضل عدد من الميزات التي تميزه عن غيره. المطار مزود بمدرج واحد يعمل في اتجاهين:


اتجاه الشرق (08/Runway 08) بزاوية 80 درجة.

اتجاه الغرب (26/Runway 26) بزاوية 260 درجة.

ويُستخدم المدرجان للإقلاع والهبوط من الشرق والغرب وفقًا لظروف التشغيل.


ميزات مطار عدن الدولي:


--------------------------


1. الموقع الجغرافي المثالي

يقع المطار على مستوى سطح البحر، مما يسمح للطائرات بحمل حمولات كبيرة عند الإقلاع، على عكس المطارات الواقعة في مناطق مرتفعة مثل مطار صنعاء الدولي ومطار أديس أبابا، اللذين يقعان على ارتفاع 7000 قدم فوق مستوى سطح البحر، مما يجبر الطائرات على تقليل الوزن لتحقيق الإقلاع الآمن.


2. عدم وجود عوائق طبيعية في مسارات الإقلاع والهبوط

عند الإقلاع أو الهبوط على مدرج 08، تتجه الطائرة شرقًا فوق ساحل أبين والبحر المفتوح، مما يضمن عدم وجود عوائق.


عند استخدام مدرج 26، يتم الإقلاع والهبوط فوق البحر من الجهة الغربية، مما يجعل العمليات الجوية أكثر أمانًا وسلاسة.


ومع ذلك، يقع جبل شمسان جنوب المطار بارتفاع 1821 قدمًا، مما جعل سلطات الطيران المدني تفرض قيودًا تمنع أي طائرة من الاقتراب من المطار من الجهة الجنوبية على ارتفاع أقل من 3500 قدم. وبناءً على ذلك، فإن جميع عمليات الهبوط تتم من الجهة الشمالية عبر مناطق الشيخ عثمان والمنصورة، مع حظر الطيران على ارتفاعات منخفضة في مناطق خور مكسر والمعلا.


3. الأحوال الجوية المستقرة


يتميز مطار عدن الدولي بأحوال جوية مستقرة معظم أيام السنة، مما يجعله مناسبًا لحركة الطيران. ورغم وجود بعض الأشهر التي تشهد رياحًا قوية أو عواصف غبارية، إلا أن الظروف الجوية عمومًا تظل ملائمة للإقلاع والهبوط.


4. التجهيزات الملاحية الحديثة


يحتوي المطار على أجهزة ملاحية متطورة لمساعدة الطيارين في عمليات الهبوط، خاصة في حالات ضعف الرؤية. كما توجد إضاءة ملاحية على المدرج، وفي أطرافه، وفي مناطق الاقتراب، مما يسهل عمليات الهبوط الليلي.


5. برج المراقبة الجوية وكفاءة المراقبين


يضم المطار برج مراقبة جوية يديره مراقبون جويون مؤهلون، حيث حصل العديد منهم على تدريبهم في القاهرة وبيروت، ويتمتعون بخبرة تعود إلى أيام الإدارة البريطانية.


وأضاف الكابتن قائلاً:


"تحقيق في حادثة الطيران بمطار عدن الدولي: التفاصيل والأسباب المحتملة:


وقع الحادث الجوي المشؤوم في مطار عدن الدولي خلال مرحلة الاقتراب والهبوط، حيث كان الطيار في اتصال مباشر مع برج المراقبة الجوية، الذي زوده بجميع بيانات الهبوط، بما في ذلك:


الظروف الجوية السائدة.

اتجاه الرياح ودرجات الحرارة.

الضغط الجوي.


المدرج المستخدم، والذي كان في ذلك الوقت مدرج 08 (Runway 08).

تسلسل الأحداث قبل وقوع الحادث.


الاقتراب الأولي:


استلم الطيار المعلومات اللازمة واقترب من المطار على ارتفاع 3000 قدم، ثم حصل على تصريح بالاقتراب المرئي، حيث أكد المراقب الجوي أنه يمكنه الاستمرار طالما كان يرى المدرج وأضواء الهبوط.


مرحلة النزول التدريجي:


خفض الطيار ارتفاعه إلى 1500 قدم فوق سطح البحر، وتم توجيهه للدخول إلى دائرة المطار والإبلاغ عند وصوله إلى مرحلة الاقتراب النهائي (Final Approach) على مدرج 08.


التحليق في المسار الخاطئ:


بدلاً من تنفيذ الانعطاف الأيسر لدخول دائرة المطار الشمالية (عبر الشيخ عثمان، المنصورة، وكالتكس) والتوجه نحو مدرج 08 شرقًا بزاوية 80 درجة، قام الطيار بالانعطاف إلى اليمين، متجهًا إلى المنطقة الجنوبية المحظورة، حيث تقع مناطق خور مكسر، المعلا، وجبل شمسان، والتي لا تحتوي على دائرة طيران معتمدة بسبب التضاريس المرتفعة.


الارتفاع غير الكافي في المسار الجنوبي:


مع استمرار الطائرة في التحليق عند ارتفاع 1500 قدم، اقتربت من جبل شمسان الذي يبلغ ارتفاعه 1821 قدمًا. في ظل الظلام الدامس، لم يدرك الطيار الخطر حتى أضاءت أضواء الهبوط (Landing Lights) الجبل أمامه.


محاولة أخيرة للنجاة:


حاول الطيار زيادة قوة الدفع والارتفاع لتفادي الاصطدام، لكنه لم يتمكن من تجاوز قمة الجبل، حيث ارتفع فقط إلى 1800 قدم، وهو أقل من ارتفاع الجبل.


الاصطدام والانفجار:


اصطدمت الطائرة بالجبل، مما أدى إلى انفجارها واشتعال النيران، حيث شوهدت ألسنة اللهب من مناطق خور مكسر، كريتر، والمعلا، وتناثرت الطائرة إلى أجزاء صغيرة، ما أدى إلى وفاة جميع الركاب وأفراد الطاقم.


عوامل الحادث وفق تقرير المراقبة الجوية

خطأ الطيار:


عدم الالتزام بالإجراءات القياسية للمطار، حيث لا توجد دائرة طيران معتمدة في الجنوب.


التحليق بارتفاع أقل من الحد الأدنى المسموح به في هذه المنطقة.

ضعف الاطلاع على تفاصيل مطار عدن الدولي وعدم إدراك المخاطر المحيطة.


افتقار الطائرة إلى أنظمة الإنذار الحديثة:


الطائرة من طراز DC-9، ولم تكن مزودة بنظام تحذير الاقتراب من الأرض (GPWS)، الذي ينبه الطيار عند الاقتراب من التضاريس الخطرة.

وفقًا لمعايير الطيران الفيدرالي (FAA) ومنظمة الطيران المدني الدولي (ICAO)، أصبح وجود نظام GPWS إلزاميًا في جميع الطائرات الحديثة، مما ساهم في تقليل حوادث اصطدام الطائرات بالجبال.

ضعف إمكانيات فرق الإنقاذ:


لم تكن فرق الإنقاذ والإسعاف في مطار عدن الدولي مجهزة بشكل كافٍ للوصول إلى موقع الحطام، الذي تناثر فوق المنازل الخشبية والصنادق على جبل شمسان.


لم يتمكن سكان المنطقة من تقديم المساعدة بسبب وعورة التضاريس وعزلتها.


التحقيقات والإجراءات المتخذة

تشكيل لجنة تحقيق محلية وفقًا للقوانين الدولية، حيث يُطلب من الدولة التي يقع فيها الحادث تشكيل لجنة تحقيق، بمشاركة:


دولة تشغيل الطائرة (مثل مصر إذا كانت الطائرة مصرية).

دولة تصنيع الطائرة.

خبراء الطيران المختصين.

لم يتم العثور على التقرير النهائي للحادث في الأرشيف المحلي، ولم يُعرف مصير التحقيقات النهائية.


الدروس المستفادة من الحادث:


التأكيد على الالتزام بالمسارات الجوية المعتمدة، خاصةً في المطارات ذات التضاريس المعقدة.


أهمية تدريب الطيارين على تفاصيل المطارات التي يهبطون فيها لأول مرة.

إلزام جميع الطائرات باستخدام أنظمة GPWS لمنع حوادث الاصطدام بالتضاريس.


تعزيز قدرات فرق الطوارئ والإنقاذ في المطارات لضمان استجابة سريعة وفعالة في حالات الحوادث.


بهذه الدروس المستفادة، أصبحت حوادث اصطدام الطائرات بالجبال نادرة في ظل التطورات التكنولوجية، الأمر الذي ساهم في تحسين سلامة الطيران على مستوى العالم.


بحث وإعداد وترجمة / بلال غلام حسين


19 مارس 2025م