الوصول
بعد أداء العمرة في مطلع هذا الأسبوع اتجهت شرقا؛ ركبت أولا الطائرة من جدة إلى العاصمة الرياض التي حلّيت فيها ضيفا على أولادي، تجولت خلالهما وسط وغرب المدينة، التي لا تزال تشهد نموا وتوسعا كبيرين، والتي تزينت بأنواع مختلفة من النيونات وفوانيس شهر رمضان، والمكتظة بالعمارات الشاهقة والأبراج التي تأوي عددا كبيرا من مختلف أنواع الشركات العالمية والمحلية. وجزء كبير منها عبارة عن فنادق عالمية مرموقة.
وفي غرب مدينة الرياض، العلياء، يقع عدد من المرافق الخدمية المتميزة، مثل مكتبة الملك فهد التي ذكرني معمارها مركز جورج بومبيدو ومركز العالم العربي في باريس. كما تكدست كثير من المؤسسات العامة والخاصة والترفيهية في كومة أبراج وعمارات المركز المالي الذي يقع هو أيضا وسط الرياض.
وفي صباح اليوم الخميس السادس من رمضان، توجهت إلى محطة الخطوط الحديدية السعودية بحي الملز وركبت قطار (الرياض الشرق) المتجه إلى الهفوف، حاضرة محافظة الإحساء. وخلال الساعتين الأولى من الرحلة ظل القطار يتقدم وسط سهول صحراوية شبه جرداء، بعكس السهول الخضراء التي قطعها أول قطار ركبته في حياتي، وذلك في سبتمبر ١٩٧٥ من باريس إلى مدينة بوردو في جنوب غرب فرنسا، التي حضّرت فيها دراستي الجامعية.
وفجأة، خلال العشرين دقيقة الأخيرة من الرحلة، تبيّن ليّ أنّ قطار (الرياض الشرق) أصبح يتقدم وسط سهول مغطاة بأعداد من النخيل، زادت نسبة كثافتها تدريجيا مع انخفاض سرعة القطار، الذي أصبح على بعد دقائق من الهفوف، قلب واحة الإحساء الواقعة في الطرف الشمالي من صحراء الربع الخالي، والتي توجد بينها وبين واحة وادي حضرموت، الواقعة في الطرف الجنوبي من الربع الخالي، والتي ولدت وتربيت بين نخيلها، كثير من أوجه الشبه، على مستوى الطبيعة (الزراعة والحيوانات والطيور)، والعادات الاجتماعية والشعبية.
2-واحات على حافتي صحراء الربع الخالي
أيام في الإحساء:
في الطرفين الشمالي والجنوبي من صحراء الربع الخالي يتناثر عدد كبير من الواحات، أي المساحات الخضراء التي يتوافر فيها قدر من الرطوبة كاف لنمو النباتات، وتتوافر فيها المياه الجوفية القريبة جدا من سطح الأرض، والتي تعتمد الزراعة فيها عادة على المياه الجوفية ومياه الينابيع أو السيول.
وفي صحراء الربع الخالي، الواقعة في معظمها في شرق جنوب المملكة العربية السعودية وتمتد قليلا جنوبا داخل أراضي عمان وحضرموت، يوجد عدد كبير من الواحات؛ أهمها واحة الإحساء وواحة وادي حضرموت.
وتُعدّ الإحساء، الواقعة في الحافة الشمالية من صحراء الربع الخالي، من أهم المناطق الزراعيّة في شبه الجزيرة العربية، وذلك منذ آلاف السنين وحتى الوقت الحاضر، وتزرَع فيها اليوم مختلف أنواع الخضروات والفواكه والحبوب بما في ذلك والأرز. وتُربّى فيها الأغنام والماشية والدجاج. وقبل كل ذلك تعدّ الإحساء أكبر منطقة لزراعة النخيل في الجزيرة العربية، إذ يوجد فيها اليوم ما يربو على ثلاثة ملايين نخلة تنتج أفضل أنواع التمور. وتمتد بساتين نخيل الإحساء حتى حواف الصحراء. وقد تمّ تسجيل واحة الإحساء فى موسوعة جينيس العالمية للأرقام القياسية لامتلاكها عدد كبير من النخيل.
وتضم واحة الإحساء مواقع أثرية مهمة، وتشتهر بالحرف والصناعات المختلفة، منها صناعة المنسوجات، التي تعتمد على وبر الإبل أو الصوف. وتشتهر الأحساء بثوب البشت الإحسائي.
من أبرز المعالم الأثرية في الإحساء جبل الشعبة، وهو جبل يبلغ ارتفاعه 246 مترا فوق سطح البحر. وقد عرف الجبل باسم جبل (كنزان) في التاريخ، وتؤمه الكثير من العائلات للراحة وللاستمتاع بالبيئة الجميلة المحيطة به. وهناك أجزاء من الجبل تم تحويلها إلى منتزه به جسور خشبة وشلالات للماء.
ومن تلك المعالم: قصر إبراهيم الذي يعدّ من أبرز الأماكن التاريخية والتراثية في واحة الأحساء، وهو في الأساس قلعة ضخمة تمّ بناؤها لتحصين المدينة، وقد تحول إلى مزار سياحي مهم لتميز طرازه المعماري الأصيل، كما يحتوي المكان على مسجد شيّد على نمط معماري عسكري ، وتحيط به أسوار وأبراج ضخمة.
وبفضل تميّز واحة الإحساء زراعيا وسياحيا قامت منظمة اليونسكو باعتمادها موقعا من مواقع التراث الإنساني العالمي، وذلك في سنة 2018. كما قرر المجلس الوزاري العربي للسياحة في اجتماع دورته الواحدة والعشرين، التي عقدت بالإسكندرية، بحضور وزراء السياحة العرب ورؤساء المنظمات والاتحادات العربية، اختيار مدينة الإحساء عاصمة للسياحة العربية لعام 2019.