آخر تحديث :الخميس - 20 فبراير 2025 - 01:16 ص

كتابات واقلام


لعبة المرابي السياسي.. أدوار متفاوتة

الأحد - 16 فبراير 2025 - الساعة 04:32 م

جسار مكاوي المحامي
بقلم: جسار مكاوي المحامي - ارشيف الكاتب


جسار فاروق مكاوي

في عالم السياسة، كما في الاقتصاد، هناك من يمارس اللعبة بأخلاقيات المبدأ، وهناك من يحترفها كحرفةٍ للتربح والمساومة. وبين هؤلاء، يظهر "المرابي السياسي" كشخصية بارزة، ليس بفضل مشروعه الوطني أو استراتيجيته بعيدة المدى، بل بقدرته الفذة على اقتناص الفرص واستثمار الأزمات، وفق مبدأ "أربح من الجميع، ولا أخسر شيئًا".
وجه السياسة القبيح
كما يعمل المرابي المالي على استغلال حاجة الناس للقروض بفرض فوائد تثقل كاهلهم، فإن المرابي السياسي يستغل الأوضاع السياسية المعقدة، ويمنح مواقفه وفق مزاد المصالح، متناسيًا القضايا الجوهرية. وهو ليس لاعبًا منفردًا، بل جزء من شبكة متكاملة من الوسطاء، والسماسرة، والمتواطئين، لكل منهم دور في هذه اللعبة.
1. المقرض الكبير – السياسي الذي يتحكم بالمشهد عبر تحالفات متغيرة، يوزع "قروضًا سياسية" على الأطراف، لكنه يحرص على ضمان ولائهم من خلال فوائد مرهقة في المستقبل.
2. الوسيط الانتهازي – يتنقل بين القوى المختلفة، يبيع موقفًا هنا، ويشتري تنازلًا هناك، دون أن يكون له التزام ثابت سوى بمصلحته.
3. الدائن المرهون – ذلك السياسي الذي يدفع ولاءه مقدَّمًا، لجهة أقوى، على أمل أن يحصل لاحقًا على نصيبه من الغنائم السياسية.
4. الضحية الصامتة – المواطن العادي، الذي يرى اللعبة بوضوح، لكنه محاصر بمنظومة تجعل خياراته محدودة، فيدفع ثمن رهانات لا شأن له بها.
سياسة على طريقة الربا
المرابي السياسي لا يبحث عن حلول، بل عن استدامة المشكلات، لأن الأزمات هي أصل رأس ماله. فهو لا ينحاز إلى طرف بشكل كامل، بل يقف في المنطقة الرمادية، يدعم هنا بيد، ويبتز هناك بالأخرى. لا يعارض علنًا، لكنه يفاوض سرًا، ولا يتورع عن إقراض مواقفه لمن يدفع أكثر، حتى لو كان الثمن هو إفلاس القيم والمبادئ.
كيف تنتهي اللعبة؟
التاريخ مليء بالنهايات الكارثية لهكذا رهانات، فالمراهنات السياسية التي تقوم على الاستغلال والابتزاز سرعان ما تنهار عند أول اختبار جدي. والمتغيرات الإقليمية والدولية لا تحتفظ بالكثير من الود لأصحاب المواقف الرمادية، فهم أول من يسقط عند تبدل الموازين.
أما الشعوب، وإن صبرت، فهي لا تنسى، وقد تُمهل المرابين السياسيين وقتًا، لكنها في النهاية تسحب بساط الشرعية من تحتهم، وتغلق دفاتر حساباتهم، ولو بعد حين.