آخر تحديث :الخميس - 20 فبراير 2025 - 08:55 م

كتابات واقلام


لقد أصبح حبل الكذب طويلاً

الثلاثاء - 18 فبراير 2025 - الساعة 02:40 م

عارف عادل ابو الخضر
بقلم: عارف عادل ابو الخضر - ارشيف الكاتب


في واقعٍ لا يُحسد عليه أحد، بات الكذب وسيلةً للبقاء، بل أصبح مهنة يتقنها الكثيرون، يُستخدم لتمرير المعاملات، وتدليس الأحداث، وتبرير الظلم على الأبرياء. لم يعد الصدق معياراً، بل صار الكذب وسيلةً لتحقيق المصالح، حتى وإن كان ذلك على حساب الحقيقة والعدالة.

في ليالٍ حالكة السواد، خلف الجدران والأبواب المغلقة، تُحيك العقول الفاسدة مخططاتها، تُحوّل الأفكار المريضة إلى أهداف تُنفَّذ بدمٍ بارد، لتزيد من معاناة البسطاء. يُصبح الظلام حليفاً للفساد، وملاذاً لكل من يريد تنفيذ مخططاته بعيداً عن أعين العدالة.

في عالمٍ يُكافأ فيه الفاسد، وتُرفع فيه تلك الراية، لم تعد المحاسبة خياراً، بل أصبحت الترقية مكافأةً لمن يجيد اللعب بالقوانين. أولئك الذين يجب أن يُحاكَموا بتهمة الفساد، يجدون أنفسهم في مناصب أعلى، وكأنّ الخيانة أصبحت وساماً يتقلدونه بفخر.

لم يعد الفساد مخفياً، بل أصبح له محامون يدافعون عنه، يبررونه بكل الوسائل، يقلبون الحقائق حتى يضيع الحق بين زوايا الخطاب المتقن. يقف صاحب الحق حائراً، يُحاصر من كل الجهات، بينما تتكاتف الأيادي الملوثة لحماية الفاسد، ولإسكات كل من يحاول كشف الحقيقة.

أصبح المذنب بريئاً، أن الجرأة في الكذب لم تعد تُخجل أصحابها، بل أصبحت سلاحاً يحوّل المذنب إلى بريء، حتى أمام من يملك الأدلة ضده. يقف المحقق مذهولاً من قوة حجج الكاذب، ويشعر صاحب العقل بالدهشة أمام فصاحة من يجيد المراوغة، في زمنٍ أصبح للباطل ألف لسان يُدافع عنه.

للأسف كل شيء تجرّد من معناه، لم تعد القيم كما كانت، لم يعد العدل هو المعيار، ولم يعد الصدق فضيلة. أصبحنا غرباء وسط هذا الزيف، نحاول الحفاظ على أنفسنا فقط، وسط عالمٍ يبتلع كل من يؤمن بالحقيقة. نحاول البقاء على قيد الصدق، في زمنٍ أصبح فيه البقاء مرادفاً للكذب، في زمنٍ يُسمّيه الآخرون حياة.