آخر تحديث :السبت - 15 فبراير 2025 - 09:24 م

كتابات واقلام


السياسة.. لعبة المصالح لا العواطف

الجمعة - 14 فبراير 2025 - الساعة 09:12 م

عبدالرؤوف الحنشي
بقلم: عبدالرؤوف الحنشي - ارشيف الكاتب


السياسة ليست ميداناً للمثاليات، ولا ساحة للنوايا الحسنة وحدها، بل هي توازنات معقدة تدار بعقل بارد وحسابات دقيقة، حيث أن في هذا العالم، لا مكان للضعفاء أو للذين يخلطون بين العواطف والمصالح، فالتاريخ لم يرحم أبداً أولئك الذين قدموا التنازلات، دون مقابل أو أداروا شؤونهم بالارتجال.

ومن هذا المنطلق، يمكننا القول، لطالما كانت السياسة قائمة على المساومات والتفاوض والتفاهم، لكن الفرق شاسع بين التنازل المدروس الذي يعود بالفائدة، وبين التنازل المجاني الذي لا يحقق إلا خسائر مستمرة، فالقادة الذين يمنحون خصومهم مكاسب بلا مقابل، سواء بحسن نية أو ضعف تقدير، يضرون بمصالح شعوبهم ويفقدون احترامهم داخلياً وخارجياً.

والأخطر من ذلك، في المشهد هو وجود قاعدة شعبية تساند هؤلاء، دون أن تدرك عمق سياساتهم، ودون أن تتكبد عناء التحقق في برامجهم أو فهم استراتيجياتهم، حيث إن هذا النوع من الدعم الأعمى، يمنح الفاشلين فرصة الاستمرار، ويغذي ثقافة الفساد والتخبط السياسي.

في الدول المتقدمة، يدرك المواطن أن السياسة ليست مجرد شعارات أو وعود براقة، بل هي أرقام دقيقة وبرامج واضحة وخطط قابلة للتنفيذ، بينما في الدول التي تفتقر إلى الثقافة السياسية، تتكرر الأخطاء، إذ تظل الشعوب غافلة عن محاسبة قادتها أو متابعة تنفيذ وعودهم، مما يجعلها تلدغ من نفس الحجر مراراً وتكراراً.

لذلك، السياسة في جوهرها ليست سوى إلا لعبة مصالح بحتة، تقوم على التفاهمات والتنازلات التي تثمر مكاسب وفوائد، لا تلك التي لا تحمل أي فائدة أو نفع، ومن يعجز عن فهمها بهذه الطريقة، سيظل مجرد أداة بيد أطراف أخرى، تتحكم به كما تشاء. لذا، لا بد من الصحوة، ومن الوعي العميق، ومن طرح الأسئلة الصحيحة، ولا بد من فهم أن التنازل بلا مقابل ليس مرونة، بل هو في حقيقة الأمر سقوط مدوي في فخ الفشل والخضوع.

في الختام، الشعوب الواعية هي التي تفرز قيادات حكيمة، أما الشعوب الغافلة، فتساق وراء الشعارات حتى تستيقظ متأخرة على واقع الخسائر.