آخر تحديث :الأحد - 16 فبراير 2025 - 12:51 ص

كتابات واقلام


الدولة والتداول السلمي للسلطة

السبت - 15 فبراير 2025 - الساعة 02:55 م

د.عارف الكلدي
بقلم: د.عارف الكلدي - ارشيف الكاتب


التداول السلمي للسلطة عبر صناديق الاقتراع كانت من الأقدار التي كتبها الله في اللوح المحفوظ قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، ولو كانت الدولة هي أصل بعثة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم لكشف له هذه الفكرة، أو لكشف له تفاصيل فكرة سياسية أرقى منها.
وأما سردية الشيعة التي جعلت الدولة أصل أصول الدين، وادّعو أن الله جعل الدولة ملكية خاصة لآل البيت فهي كذبة كبرى افتروها على رسول الله، ولا يشك من له أدنى اطلاع على السيرة النبوية أن رسول الله لم يوص لأحد بالملك.
الدولة من أمور الدنيا التي زهد فيها رسول الله، ولهذا لم يكشف الله لرسوله تفاصيلها بعد أن اختار مرتبة "العبد الرسول".. تماما مثلما لم يكشف له تفاصيل تأبير النخل، فإنه عليه الصلاة والسلام قال بعد أن لم يثمر النخل: "أنتم أعلم بشؤون دنياكم".
وإن لم يكن الله تعالى كشف لرسوله تفاصيل الدولة لكونها من أمور الدنيا فقد كشف له مبادءها الكبرى المتمثلة في (تحقيق العدل والحق والخير والجمال والمحافظة على الكليات) وترك تفاصيل الوصول إليها للناس بحسب مستجدات الزمان والمكان، وفق مبدأ (الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها اتبعها).
ووفق هذا المبدأ فإن أبا بكر وعمر لو اطلعا على فكرة التداول السلمي للسلطة عبر صناديق الاقتراع لما ترددا لحظة في اعتمادها، كما لم يتردد عمر في اعتماد فكرة الديوان التي أخذها من الفكر الإداري لدولة الفرس، بل يمكن القول إن أبا بكر وعمر هما أول من ألمع لعبقرية التداول السلمي للسلطة لحل المعضلة البشرية المزمنة المتمثلة في الصراع الدموي على السلطة والثروة، وإن كانت تفاصيلها الدقيقة ظهرت في أوروبا في التاريخ الحديث.
ولازال المجال مفتوحا لتطوير الفكرة العبقرية الأوروبية، فالعبقرية البشرية لا تزال في تجدد مستمر إلى قيام الساعة، ولا سيما أن الأوروبيين قد ظهر عندهم أمور سيئة في النظر لما سُمِّي بالعالم الثالث، في نزعة تسلطية متناقضة مع مبادئهم كرسوا فيها الاستبداد السياسي والفساد الإداري والمالي في العالم الثالث بغرض تكريس تسيدهم وسيطرتهم الإمبريالية على شعوب العالم.