مع حلول شهر رمضان، كثّفت ميليشيا الحوثي من أنشطتها "الأيديولوجية"، الرامية إلى تجذير أفكارها "الطائفية" في المجتمع اليمني بالمناطق الواقعة تحت سيطرتها، "أملاً في خلق حاضنة شعبية تحمي ظهرها"، وفقًا لمسؤولين يمنيين وخبراء.
وأعد الحوثيون برنامجًا رمضانيًا لطلاب المدارس والجامعات وموظفي مختلف قطاعات الدولة في مناطق سيطرتهم من الجنسين، يحتوي على عدة فعاليات تربوية وأنشطة "دينية وثقافية"، مستقاة من أفكار الميليشيا المذهبية، ومؤلفات مؤسسها الراحل حسين بدر الدين الحوثي، ومحاضرات زعيمها الحالي.
حرب ناعمة
وأقرّت "حكومة" الحوثيين، غير المعترف بها دوليًا، مطلع الأسبوع المنصرم "مشروع خطة البرنامج الرمضاني والتهيئة للمدارس الصيفية"، تحت مزاعم مواجهة "الحرب الناعمة التي تستهدف النشء والشباب" و"التحديات التي تواجه الأمة".
وشدّد رئيس ما يسمى بـ"الهيئة العامة للأوقاف"، عبدالمجيد الحوثي، في اجتماع موسع لـ"الهيئة" الأربعاء الماضي، على أهمية التفاعل مع البرنامج الثقافي الرمضاني وتطبيقه، "والاستفادة من الدروس القيمة اليومية" لزعيم الميليشيا، عبدالملك الحوثي، "لما في ذلك من أثر في تعزيز الهوية الإيمانية"، طبقا لوسائل إعلام الحوثيين.
ولم يكتفِ الحوثيون بـ"مدونة السلوك الوظيفي" التي فرضتها حكومتهم في العام 2022، بهدف "أدلجة الوظيفة العامة"، بل باتت الأنشطة الرمضانية ومدى الالتزام بالمشاركة فيها معيارًا لتقييم ولاء موظفي قطاعات الدولة ومؤسساتها، ما يجعل المتخلفين عرضة للاستبدال وفقدان وظائفهم.
ومنذ أواخر العام 2023، رفعت ميليشيا الحوثي من وتيرة عمليات تجنيد المقاتلين الإجبارية في مناطق سيطرتها، عبر برامجها التعبوية التي شملت مختلف فئات المجتمع، مستغلة الحرب الإسرائيلية على غزة، وانخراطها في الصراع الإقليمي، ما مكنها من تجنيد أكثر من 800 ألف مقاتل في غضون العام 2024، بذريعة "إسناد غزة ومواجهة إسرائيل والولايات المتحدة".
نشر الأفكار
ويقول وكيل وزارة حقوق الإنسان لدى الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، ماجد فضائل، إن ميليشيا الحوثي تحوّل شهر رمضان"إلى أداة لتعزيز هيمنتها الثقافية والعسكرية، مستغلة السياق الديني لتجنيد مقاتلين جدد، وتأمين الدعم المالي والشعبي، بعيدًا عن الأهداف الروحية التقليدية التي يُفترض أن يجسدها هذا الشهر".
وأشار في حديثه لـ"إرم نيوز"، إلى أن الأهداف الحقيقية وراء تنظيم ميليشيا الحوثي هذه البرامج "الطائفية" خلال شهر رمضان تتجاوز الشعارات المعلنة، مثل "تحصين المجتمع من الحرب الناعمة" أو "الحفاظ على الهوية الإيمانية".
وأكد فضائل، أن الميليشيا تستخدم شهر رمضان، رغم قدسيته، في "تعميق أهدافها الطائفية وأيديولوجياتها التي تروج لها، والتي تتمحور حول ما يسمى بـ(الولاية)، متبعة النهج الإيراني، في محاولة لفرض أفكارها على المجتمع باستخدام القوة والترهيب".
مضيفًا أن هذه البرامج والأنشطة الثقافية، إلى جانب المراكز الصيفية التي تستقطب شريحة الشباب والأطفال، تمثّل أولى مراحل التجنيد، "إذ يختار الحوثيون الكثير من المشاركين لتلقي دورات عسكرية مباشرة، لاستكمال عملية تجهيز المقاتلين التي بدأت بالتعبئة الفكرية في الشهر الفضيل".
أضرار مستقبلية
ويرى المدير التنفيذي لـ"المركز الأمريكي للعدالة" لرصد انتهاكات حقوق الإنسان، عبدالرحمن برمان، أن عمليات الاستقطاب المجتمعي التي تقوم بها ميليشيا الحوثي لها أبعاد مستقبلية متعددة وخطيرة، من حيث تعزز الانقسامات الطائفية والمذهبية، ما يؤدي إلى زيادة التوترات بين مختلف فئات المجتمع اليمني.
وقال برمان في حديثه لـ"إرم نيوز"، إن هذه البرامج التي تحاول تغيير الهوية الثقافية والحضارية الإسلامية المعتدلة للمجتمع، بأيديولوجية الحوثيين المتطرفة، الخارجة عن تقاليده وقيمه، والتي تسعى إلى عزله عن محيطه العربي، "تسهم بشكل كبير في زعزعة النسيج الاجتماعي، وتتسبب في إضعاف الولاء الوطني لصالح الطائفة، وهو ما يسهم في إطالة أمد الصراع الداخلي".
وبيت أن استمرار الحوثيين في هذه الممارسات سيخلق عراقيل عديدة في طريق التنمية المستقبلية، تمتد إلى فترة ما بعد الحرب، ويدفع اليمن نحو مزيد من العزلة الدولية.