كم هي قاسية لحظات الوداع والفراق، تلك التي تختزنها القلوب وتُخلّدها الذاكرة. وكم يشعر القلب بحجم الحزن وفداحة الخسارة ونحن نودع أحد أعمدة جيل المربين والأساتذة الأفاضل الذين آمنوا بالرسالة التربوية السامية وكرسوا حياتهم لخدمة الأجيال، دون انتظار جزاء. كانوا نموذجًا في العطاء والإخلاص، ليظلوا رموزًا في ذلك الزمن الجميل الذي لا يُنسى.
رحل عن دنيانا الفانية مربي الأجيال ومعلم الأخلاق والقيم الفاضلة الأستاذ القدير ناصر أحمد الشيبه البابكري لسودي إثر حادث مروري على طريق العبر، أودى بحياته بعد مسيرة عطاء طويلة في سلك التعليم والعمل التربوي والاجتماعي والثقافي في محافظة شبوة، مديرية حبان. تاركًا سيرةً عطرة، وذكرى طيبة، وروحًا نقيةً، وعبقًا أخلاقيًا، وميراثًا من العلم والمعرفة غرسه في نفوس تلاميذه وزملائه وكل من عرفه.
وداعًا أستاذنا القدير، فلقد كان فراقك أصعب الأوقات علينا. ومهما كتبنا من كلمات رثاء، وسطرنا من حروف حزينة باكية، لن نوفيك حقك على ما قدمته من علم ووقت وجهد وتفانٍ في سبيل تربية وتعليم أبنائك الطلاب في شبوة عامة وحبان خاصة. فقد علمتنا الأخلاق والقيم الفاضلة، وغرست فينا حب العلم والمعرفة، ونميت في أعماقنا قيم المحبة والخير والانتماء.
لقد كان فخرًا لنا أن كنا من طلاب الأستاذ ناصر الشيبه في ثانوية الشبلي بحبان، الذين تعلموا منه واستفادوا من علمه الواسع. فقد قضى سنوات طويلة في السلك التعليمي، وأسهم في مجالات متعددة، سواء تربوية أو ثقافية، وكان له دور عظيم في تربية الأجيال وبناء المجتمع. وكم تمنينا أن نواصل المشوار ونسير على خطاه، لكن قسوة الحياة والظروف لم تسمح بذلك.
عرفناه معلمًا هادئًا، متسامحًا، راضيًا، قنوعًا، متواضعًا، ملتزمًا بإنسانيته كما هو ملتزم بدينه وواجباته الدينية. حمل الأمانة بكل إخلاص، وأعطى للحياة والناس ما لديه من خبرة وتجربة ومحبة. لقد كان مدرسةً في علمه وتجربته وإرشاداته، وكان بحق نموذجًا يُحتذى به.
نعم، غيب الموت أستاذنا ومعلمنا ومربينا الوفي جسدًا، لكنه سيبقى في قلوبنا ما بقينا على قيد الحياة. لن ننساه، وسنظل نذكره بأعماله ومآثره وسيرته الطيبة. ستظل تلك الذكرى نبراسًا وقدوة لنا.
نم قرير العين مرتاح البال والضمير، فقد أديت الأمانة وقمت بدورك على أكمل وجه. الرجال الصادقون أمثالك لا يموتون، بل يحيون في قلوب محبيهم وطلابهم وأهلهم.
وما لي في وقفة الوداع هذه سوى هذين البيتين من الشعر، اللذين قالهما شاعر النيل حافظ إبراهيم في رثاء أمير الشعراء أحمد شوقي:
(( خلَّفْت في الدنيا بيانًا خالدًا
وتركْت أجيالاً من الأبناءِ
وغدًا سيذكرك الزمانُ إن لم
يزلْ للدهر إنصافٌ وحسنُ جزاء))
تغمدك الله بواسع رحمته وأسكنك فسيح جناته، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
ختامًا
تعازينا إلى إخوانه:
الشيخ محمد أحمد الشيبه
والاستاذ سالم أحمد الشيبه
وكافة آل لسود