آخر تحديث :الإثنين - 31 مارس 2025 - 06:09 م

كتابات واقلام


المجلس الانتقالي الجنوبي: خطوات على الطريق الصحيح


كتب:جسار فاروق مكاوي
شهدت القضية الجنوبية منذ اندلاع الحراك السلمي في 2007 تطورات جوهرية، تراوحت بين المدّ والجزر، حتى أفرزت الواقع السياسي الذي نعيشه اليوم، حيث بات المجلس الانتقالي الجنوبي الممثل السياسي والعسكري الأبرز للجنوب، وفاعلًا رئيسيًا في المعادلة الإقليمية والدولية. منذ تأسيسه في مايو 2017، واجه المجلس تحديات كبرى، لكنه استطاع أن يثبت أنه يمضي بثبات على الطريق الصحيح، في إطار تحقيق الأهداف التي تشكلت من أجلها إرادة الجنوبيين.

لم يكن سهلاً أن يحصل الجنوب على اعتراف دولي بواقعه السياسي الجديد، لكن المجلس الانتقالي استطاع، عبر مشاركته في مشاورات الرياض واتفاقاته السياسية مع التحالف العربي، أن يضع نفسه في موقع الشريك في المعادلة، لا تابعًا ولا هامشًا، وهو ما عزز من حضوره كطرف لا يمكن تجاوزه في أي ترتيبات مستقبلية تتعلق بالجنوب أو بمستقبل اليمن بشكل عام. كما أن انفتاح المجلس على الملف الدولي من خلال زياراته إلى واشنطن، لندن، موسكو، وأبوظبي، ومشاركته في نقاشات مع صناع القرار الغربيين، أظهر بوضوح أن القضية الجنوبية لم تعد مجرد مسألة محلية، بل أصبحت جزءًا من النقاش الإقليمي والدولي حول مستقبل الأمن والاستقرار في المنطقة.

استطاع المجلس الانتقالي خلال السنوات الماضية إعادة بناء القوى العسكرية الجنوبية، وهو ما بدا جليًا في قوة وانتشار ألوية العمالقة والقوات المسلحة الجنوبية، التي لعبت دورًا رئيسيًا في مواجهة مليشيات الحوثي والإرهاب في أكثر من جبهة. هذه القوات أصبحت اليوم الضامن الأساسي لأمن الجنوب، وتحظى بقبول شعبي واسع، كونها تعبر عن هوية الجنوب وتعمل من أجل مصالحه. إضافةً إلى ذلك، نجح المجلس في بناء منظومة أمنية فاعلة في العاصمة عدن، وفي المحافظات الجنوبية الأخرى، مما ساهم في تراجع معدلات الجريمة والإرهاب، رغم المحاولات المستمرة لخلق الفوضى من قبل بعض الأطراف المعادية.
من الانتقادات التي وُجهت للمجلس الانتقالي منذ تأسيسه، أنه لم يكن يضم تمثيلًا واسعًا لكافة المكونات الجنوبية. لكن في السنوات الأخيرة، عمل المجلس على توسيع دائرة المشاركة، من خلال ضم شخصيات وكيانات جنوبية جديدة إلى هيئاته، وإشراك القبائل، والمجتمع المدني، والمستقلين، ورجال الأعمال في صياغة القرار السياسي، وهو ما يجعل المجلس أكثر قدرة على تمثيل الجنوب بكل أطيافه. كما أن القرارات الأخيرة التي اتخذها المجلس في إعادة هيكلة بعض الهيئات، والدعوة إلى تأسيس مجلس يضم شخصيات عدنية من بيوت المدينة التجارية والتاريخية، يُعد خطوة بالغة الأهمية لضمان تمثيل أوسع، ولمنع أي محاولات لتشكيل كيانات موازية قد تستغل الفراغات التي قد تحدث مستقبلاً.
لا شك أن المجلس الانتقالي أمام تحديات كبيرة، أبرزها إدارة الملف الاقتصادي، حيث لا تزال الأزمة الاقتصادية تمثل عبئًا على المواطنين في الجنوب، ما يستدعي خطوات جادة لخلق اقتصاد مستقل وقادر على مواجهة الأزمات. كما يواجه المجلس تحدي إدارة العلاقة مع القوى الإقليمية والدولية، بما يحقق تطلعات الجنوبيين دون الدخول في صراعات غير محسوبة. إضافة إلى ذلك، فإن تعزيز مؤسسات الدولة من خلال الاستمرار في بناء مؤسسات حكومية قوية تحظى بشرعية شعبية، وقادرة على إدارة الجنوب بكفاءة، يمثل أحد الرهانات الكبرى التي يجب التعامل معها بحكمة ومسؤولية.

لكن في مقابل هذه التحديات، هناك فرص واعدة يمكن استغلالها، مثل الزخم الدولي المتزايد حول إعادة رسم الخارطة السياسية في المنطقة، وهو ما يمنح الجنوب فرصة لتحقيق مكاسب سياسية كبيرة. كما أن التطورات العسكرية الميدانية أثبتت أن الجنوب قادر على الدفاع عن نفسه وحماية حدوده، في ظل دعم شعبي واسع يحظى به المجلس، مما يمكنه من الاستمرار في خطواته التصحيحية بثقة وثبات.

بعد سنوات من النضال، يمكن القول إن المجلس الانتقالي الجنوبي قد قطع خطوات هامة على الطريق الصحيح. صحيح أن الطريق لا يزال طويلاً، لكن الأهم أن المجلس يمتلك رؤية واضحة، وقيادة قادرة على إدارة المرحلة، ودعمًا شعبيًا مستمرًا. إن استمرار العمل بنفس الوتيرة، مع تصحيح الأخطاء وتطوير الأداء، وضمان تمثيل كل مكونات الجنوب في القرار السياسي، سيجعل المجلس الانتقالي في موقع أقوى، ويقرب الجنوب أكثر من تحقيق هدفه النهائي في استعادة دولته وبناء مستقبله المستقل.