آخر تحديث :الأحد - 23 فبراير 2025 - 11:50 م

كتابات واقلام


عندما تتحول الشهادات الأكاديمية إلى هدايا .. جامعة عدن نموذجًا

الأحد - 23 فبراير 2025 - الساعة 08:24 م

جسار مكاوي المحامي
بقلم: جسار مكاوي المحامي - ارشيف الكاتب


جسار فاروق مكاوي

في سياق الفساد الذي يضرب مؤسساتنا التعليمية، تظهر جامعة عدن مرة أخرى في واجهة الأحداث بعد منحها درجة الأستاذية للسفير السابق محمد مارم بطريقة تثير كثيرًا من التساؤلات. هذه الواقعة، التي جرت خارج أروقة الجامعة، تعكس انهيار القيم الأكاديمية عندما تصبح الدرجات العلمية أدوات مجاملة تُمنح بناءً على المكانة السياسية والاجتماعية لا على أساس الكفاءة والبحث العلمي.
الترقية الأكاديمية بين القانون والانتهاك
تخضع الترقية الأكاديمية في الجامعات لمعايير صارمة، تبدأ بتقديم الأبحاث العلمية المنشورة في مجلات محكمة، ثم تمر بمراجعات دقيقة من لجان أكاديمية متخصصة داخل الجامعة وخارجها. في العادة، تصدر قرارات الترقية من داخل الجامعة بعد سلسلة من الإجراءات العلمية التي تحافظ على مصداقية العملية الأكاديمية. فما الذي حدث في حالة مارم؟
وفقًا للمعلن، تم إقرار ترقيته في "دورة خاصة" لمجلس الجامعة، بحضور شخصيات سياسية، وليس عبر المسار الأكاديمي الطبيعي الذي يتطلب تحكيمًا مستقلًا وتقييمًا من قبل أساتذة مختصين. الأمر الأكثر إثارة للدهشة أن منح الدرجة جرى خارج أروقة الجامعة، في اجتماع أقرب إلى جلسات المجاملة منه إلى اجتماع أكاديمي.
ما دلالة هذه السابقة الخطيرة؟
منح الألقاب الأكاديمية بطريقة استثنائية يكرس الفساد داخل الجامعات ويفتح الباب أمام مزيد من التلاعب بالمناصب العلمية، مما يضعف مصداقية المؤسسات الأكاديمية ويضر بسمعة الشهادات التي تمنحها. كيف يمكن الوثوق في شهادات تصدر في جلسات مغلقة بعيدًا عن آليات التحكيم العلمي؟ وهل تتحول الجامعات إلى أندية تمنح "الأستاذية الفخرية" بدلًا من ترسيخ البحث العلمي؟
جامعة أم صالون اجتماعي؟
في العادة، عندما يتم ترقية أستاذ جامعي، لا يحتاج الأمر إلى احتفاليات وحضور شخصيات سياسية، بل يكفي قرار إداري موثق، وتسليم نسخة أصلية لصاحبها بعد اجتياز كل المراحل العلمية المطلوبة. أما أن تتحول الترقية إلى مناسبة اجتماعية يتم فيها التفاخر والتباهي بحضور أسماء سياسية، فهذا دليل على أن الجامعة لم تعد مؤسسة أكاديمية، بل أصبحت منصة لمجاملات سياسية على حساب البحث العلمي.
رسالة إلى قيادة جامعة عدن
إن كانت الجامعة تحرص على سمعتها، فعليها أن تراجع سياساتها، وألّا تجعل من الدرجات الأكاديمية جوائز تُوزع وفق الولاءات والانتماءات. يجب أن يكون هناك تحقيق جاد في مثل هذه الممارسات، حفاظًا على ما تبقى من سمعة المؤسسات الأكاديمية في بلادنا.
إننا أمام مشهد لا يبعث على الفخر، بل يدفعنا للتساؤل: هل هذه هي البيئة التي ستُخرِّج الأجيال القادمة؟ أم أننا أمام انهيار أخلاقي يجعل من التعليم مجرد قناع يخفي واقعًا بائسًا من الفساد والمحسوبية؟