آخر تحديث :الجمعة - 21 فبراير 2025 - 08:11 م

كتابات واقلام


غرور العظمة وتأثيره على البقاء

الخميس - 20 فبراير 2025 - الساعة 06:15 م

حسين أحمد الكلدي
بقلم: حسين أحمد الكلدي - ارشيف الكاتب


خلال زيارتي اليوم لمول العرب في القاهرة في جولة تسويقية مع مجموعة من الأصدقاء لاستعادة النشاط والحيوية والطاقة الإيجابية، وأثناء التسوق، لاحظت اختفاء علامات تجارية عملاقة كانت لا تغيب عن واجهات المحلات. ولأني من محبي ومتابعي الموضة في الأزياء النسائية والرجالية والأطفال، وعملت في هذا المجال طويلًا قرابة نصف قرن، وتطورت من خياط بسيط في مرحلة الابتدائية إلى ديزاينر ومصنع في المرحلة الإعدادية والثانوية، وبعد أن تعلمت أثناء عملي تخصصت في صناعة الموضة انطلاقًا من شرق آسيا التي فتحت لنا أبوابها على مصراعيها.لذلك، بالنسبة لي، التسوق يساعدني في انبعاج أفكار جديدة، والموضة ذوق راقٍ يسري في أعماق المتسوقين، وأنا أحوم في سمائها على الدوام، ولا أستطيع الابتعاد عن متابعتها، ولها الأثر الكبير في نفسي إلى هذه اللحظة. لذلك، وجدت الكثير من أعظم شركات العالم، التي كان لها الحضور والتأثير الطاغي في السوق والسيطرة المطلقة، وعروضها تتصدر واجهات المعارض في العالم، فجأة بدأت في الأفول والانحدار المستمر رويدًا رويدًا، ثم السقوط واختفت عن الأنظار وأزيحت تمامًا. وبعضها ضعفت وصارت تنازع على البقاء فقط دون أن يكون لها تأثير يُذكر في السوق، حتى صار من المستحيل إحياؤها من جديد.
وتلك الشركات هي التي أصابها الغرور والغطرسة، وظنوا أنهم عند وصولهم إلى القمة لن يزحزحهم أحد عنها، ولكن المنافسة جعلتهم غير مهمين في لحظة ما. ومن الطبيعي، إذا توقفت عن الابتكار وعدم تقديم فائدة للعملاء ولجمهورك، وسار اهتمامك بنفسك وبما امتلكته من أرصدة ومن سيارات فارهة، وصار الاستمتاع بالسفر في الدرجة الأولى وحفاوة المعجبين المبالغ فيها والمتابعين لهم في كل مكان، في هذه الحالة ينتابهم الغرور، ويتعاملون بأسلوب اللامبالاة مع محبيهم، ويبدأون في الإهمال في تطوير عبقريتهم التي جعلتهم يصلون إلى القمة.اذن، الوصول إلى القمة هو أن تأتي بما لا يأتي به الآخرون، وتعمل عملًا شاقًا جدًا لكي تتفوق على الجميع على الدوام، وتضحي بكل ما تملك لأنك تحب ما تفعله. والمنافسون الذين لا يحبون لك الصعود يحاولون إقصاءك، والغاضبون يحاولون انتقادك لأنهم لم يستطيعوا فعل ما فعلته ولا يمكنهم فعله، فالحاسدون سوف يهاجمونك من كل حدب وصوب حتى يحاولوا تشويه سمعتك التي تتمتع بها، ويتمنون محو اسمك الذي اكتسبته بأعمالك ومجهوداتك. ولهذا، يجب عليك حماية سمعتك، التي هي أهم أصولك، ولا تقع في هذه المزالق التي يقع بها المتميزون، فاحمِ نفسك منها بشكل مستمر، واقضِ على نقاط الضعف التي تسقطك من القمة، وأخطرها تضخيم الذات، فهي أكبر خطر يتعرض له الناجحون. فالـ"أنا" تغذي الغطرسة والكبرياء المفرطة، وهذا هو الخطأ القاتل الذي يجعل الناجحين، إن كانوا شركات أو مجتمعات الفن والسياسة والاقتصاد، يسقطون من على القمة ويضمحلون. ونستعرض أسباب تدهورها وإزاحتها من المشهد برمته، وأفول نجمها إلى الأبد، وكيف ظهرت شركات جديدة قوية حلت محلها وأظهرت تفوقها بزمن قياسي وأفضل مما كانت عليه تلك الشركات. وكذلك يوجد الكثير من نجوم الفن والتمثيل والسياسة والاقتصاد وقادة المجتمع الذين ظهرت نجوميتهم ساطعة في سماء الشهرة بزمن قياسي، ولكن أفلت نجوميتهم بسرعة، وانطفأت تلك النجومية والشهرة، وتلك النجاحات التي تحققت ورفعتهم إلى مصاف طبقات المجتمع وقمة الشهرة، وفجأة انحدرت وتوارت عن الأنظار واختفوا وهم في قمة العطاء، بعد أن حلقوا في السماء عاليًا عندما كانوا في عنفوان عطائهم، وكانوا أكثر إشراقًا في وقت حصولهم على الثروة والشهرة في زمن قياسي. ومن هنا، نورد تلك الأسباب الهامة لذلك التدهور، وأقدم نموذجًا لتلك الأخطار والتهديدات التي وقع بها هؤلاء، وما هي نقاط الضعف التي وقعوا فيها، والتهديدات المدمرة، بالرغم من الإنجازات العظيمة التي حققوها خلال مسيرة أعمالهم التي أوصلتهم للقمة. وأوضح أكثر خطر يقع فيه الناجحون الذين وصلوا إلى القمة، وهو الغطرسة والغرور، لأنهم يعتقدون أن لا أحد يمكنه إبعادهم أو زحزحتهم عنها، وأنهم سيفوزون على الدوام. وهذه هي الأخطاء الفادحة للقادة من الطراز العالي الرفيع في كافة مجالات الحياة.

20/2/2025