حسب علمي، لم يلتفت دارسو الأمثال إلى الجانب التواصلي والدلالي للأمثال الشعبية، وماهية اﻷسباب التي تدفع المتكلم إلى توظيف هذا المثل أو ذاك في حديثه. لهذا قررت أن اختتم هذه الدراسة بتناول موضوع النخلة في الأمثال الأحسائية والحضرمية.
أ- النخلة في الأمثال الأحسائية:
إضافة إلى (قاموس الأمثال الشعبية السائرة 1422) نشر عبد الله الشايب كتابا موجزا بعنوان (النخلة: مدخل من خلال الأمثال في الإحساء١٤٢٥هـ.) يقع في ٧٢ صفحة. في المقدمة يؤكد الشايب أنه جمع أشهر الأمثال الشعبية المتداولة في الأحساء المرتبطة بالنخلة، وشرح بإيجاز المناسبة التي يستخدم فيها المثل. ويؤكد أن كثيرا من أمثال الأحساء ترتبط ببيئة واحة الأحساء المغمورة بالنخيل، وأن الأمثال تقتبس كثيراً من هذه البيئة وتعكس تأثيرها في سكانها. ومن هذه الأمثال : ( الحسا حساك لو الدهر جفاك) و(كجالب التمر إلى هجر)، وفي موضوع آخر مثل الدوافع (القيم) التنموية في الأمثال الأحسائية (النخلاوي والفسيلة وبس)، (المترجي من الفحال تمر) و(النخلة العوجة تمرها بخوص غيرها)، إسمه بطاط ومنجله مكسور، وطكَ صخين في الندار.
وفي سنة ٢٠٢٢ نشر الباحث الأحسائي في شؤون النقد الثقافي د. سمير الضامر بحثا بعنوان (نخلة الأحساء وأثرها الثقافي على مر العصور)، ضمنه فصلا كيفية تناول الأمثال الأحسائية، وكذلك قائمة طويلة لأشهر الأمثال الشعبية المتداولة في الأحساء والمتعلقة بالنخلة: وقد اخترنا هنا بعضا منها مقرونة بالشرح الذي قدمه الباحث:
"إخذ التمر ولوح الجدع في النار: يضرب المثل في أخذ ما تحتاج من الشيء والتخلص من الباقي.
إخذ البيت عامر ولا تأخذ النخل دامر: يضرب المثل في حالة الاختيار بين أمرين يكون أحدهما عامر لا يحتاج إلى كلفة إضافية بينما الآخر يحتاج لها نتيجة للدمار الذي حل به وتكون النصيحة بأخذ ما هو عامر وتجنب ما يحتاج إلى إعادة إعمار.
أنت تأكل التمر ووراك من يعد الطعام: الطعام هو نوى التمر ويضرب المثل لمن يقوم بعمل دون التنبه بأن الناس تتابعه وتعرف كل ما قام به كمن يأكل التمر فيمكن حصر ما أكله عن طريق عد الطعام.
أزرع في كل مكان لك نخلة: تعتبر النخلة في وجدان الأحسائين أم الخير وهذا المثل يضرب في الإكثار من الخير كمن يزرع النخيل في كل مكان يمر فيه.
أسود كنه تمر وصيل: الوصيلي نوع من النخيل يعتبر من أقل التمور جودة ويتميز بلون تمره الأسود والمثل يضرب في تأكيد السواد سواء أكان مادياً أو معنوياً.
تجمعوا القرعان على نتفة عصيدة: القرعان جمع أقرع وهو من ليس في رأسه شعر والنتفة هي القطعة الصغيرة والعصيدة هي طبخة أحسائية من أهم مكوناتها التمر وطحين البر. المثل يضرب عندما يجتمع مجموعة كبيرة للقيام بعمل صغير دلالة على عدم الكفاءة.
التمر الإخلاص ما عليه تمر: الإخلاص هو أجود أنواع التمور على الاطلاق والمثل ضرب في اختيار الأفضل وأحيانا يستخدم المثل (هذا تمر خلاص) دلالة على تفضيله وتميزه.
جا الصرام: الصرام هو موسم حصاد التمر ويضرب المثل في حال قرب الموعد المنتظر وعادة يكون ذلك الموعد بشارة فرح.
جدع للمسجد وجدع للسنداس: السنداس هو بيت الخلاء وتستخدم جذوع النخيل في التسقيف كما تستخدم في بيت الخلاء وهنا تباين بين القداسة والتدنيس ويضرب المثل في إظهار حجم التباين بين شيئين رغم أن أصلهما واحد.
جصة لها بابين: الجصة هي مخزن حفظ التمور في البيت وعادة يكون لها باب واحد ووجود البابين دلالة للكرم والسعة ويضرب المثل في الكرم.
حفان تمر: الحفان هو جمع التمر بكلتا اليدين بسرعة ودون تدقيق ويضرب المثل في أخذ الشيء برمته دون التدقيق فيه.
ب- النخلة في الأمثال الحضرمية:
في إطار (حلقة النقاش/السيمنار) الخاصة بمادة الأدب الشعبي لطلبة الدكتوراه في قسم اللغة العربية، بكلية الآداب جامعة عدن، اتفقت مع الطلبة أن يقوم كل منا بتقديم مشاركة حول جانب من الأمثال الشعبية المتداولة في إحدى مناطق البلاد. ووعدت أن أقدم شيئا عن (النخلة في الأمثال الحضرمية)، من خلال قراءة لكتاب (4000 مثل من حضرموت)، الذي قام الأستاذ حسن بن طالب بجمعه. لكنني، بعد أن قمت بوضع قائمة تشمل جميع الأمثال المتعلقة بالنخلة ومكوناتها (من تمر وسعف وكرب وليف)، التي تضمنها ذلك الكتاب، رأيت أنها قصيرة، ولا تتضمن عددا من الأمثال الحضرمية المتداولة اليوم والمرتبطة بالنخلة، لذا لجأت إلى بعض الأصدقاء من سيؤن وتريم وجمعت منهم شفاهةً عددا آخر من الأمثال.
ومن خلال استعراضنا لجميع الأمثال المتصلة بالنخلة، سواء تلك التي تضمنها كتاب (4000 مثل من حضرموت)، أو تلك التي قمت بجمعها بواسطة الأصدقاء، يتبيّن لنا تراجع الاهتمام بالبعد الموسيقي في معظمها، وعدم بروزه إلا في نسبة محدودة منها. ومن تلك الأمثال التي حافظت على السجع والتوازن: (ديف ديف بين الكرب والليف)، و(إذا جاء وقت الخريف كثروا المعاريف)، و(تمر ساه شي لك وشي للشاه).
ومن ناحية أخرى، بدا لنا أن الأمثال في حضرموت يتم تحوير صياغتها بسهولة من منطقة إلى أخرى، أو من مدينة إلى أخرى؛ ففي سيؤن، مثلاً، يقال: (فحل ياب [أو جاب] محل)، بينما في تريم يقولون: (فحل خلّف محل). وفي حين يوظف سكان تريم التمر للتدليل على أن كل منتوج يحتوي على نسبة من النوعية الرديئة ويقولون (كل تمر بحشفه)، نلاحظ أن سكان سيؤن يستخدمون القمح في مكان التمر ويرددون: (كل بر بغشره). والحشف الجاف من التمر، والغشر ما علق بحبوب القمح من شوائب.
وضمن الأمثال في الأحساء يورد عبدالله الشايب المثل الذي يقول: الخلاص لازم فيه شيص. والشيص هو ما لم ينضج من البلح بسبب عدم تلقيحه.
ويبرز التحوير الصياغي كذلك في الأمثال المرتبطة بالنخلة والمشتركة بين الأحساء وحضرموت، وعادة يأتي التحوير بسيطا، ويمكن تفسيره بيسر. ففي حضرموت والأحساء يُوَظَّف طول النخلة للوصف السلبي للرجل أو الشاب قليل العقل أو الطائش، فبينما يقال في حضرموت: (الطول طول نخلة والعقل عقل رخلة، والرخلة هي صغيرة الضأن ص240) يرددون في الأحساء: (الطول طول نخلة والعقل عقل سخلة)، والصخلة في الأحساء تعني صغيرة العنزة، ولا تستخدم بالمعنى نفسه في حضرموت. وهذا يبيّن أن الأمثال الشعبية عندما تخضع للتحوير تظل تحافظ على الدلالة والإيقاع وهاجس الفهم من قبل المستخدمين، أي المتكلم والمخاطب وذلك من خلال الالتزام باستخدام مفردات اللهجة المحلية وتراكيبها. ولا شك أن هذا المثل: (يا عليوم قع نخلة ص 540)، الذي يضمنه ابن طالب كتاب (4000 مثل من حضرموت) ليس إلا تحويرا للمثل العربي: أول الشجرة النواة، فالعليوم أو العلجوم في اللهجة الحضرمية مفرد عجم، أي نواة التمرة.
كما يورد حسن بن طالب مثلا حضرميا يتوافق مع كثير من الأمثال الشعبية التي تصوّر المرأة بشكل سلبي، – وهي كثيرة الانتشار في مختلف البيئات واللغات-، إذ أنه يوازي بين النخلة و(الحرمة): ونصه: "الحرمة الزينة قحبة والنخلة الزينة صدقة" ص110.
وأحيانا يقتصر تطابق أمثال النخلة في حضرموت مع أمثال النخلة في المناطق المجاورة لها على المستوى الدلالي؛ ففي حين يقال في حضرموت (ابنْ ولا تخلع) الذي يعني: استثمر في بناء العقارات ولا تستثمر في زراعة النخيل، يقال في الأحساء: (خذ الدار عامر ولا تأخذ النخل دامر، انظر كتاب عبد الله الشايب (النخلة: مدخل من خلال الأمثال في الإحساء).
ويفسر هذا المثل (ابنْ ولا تخلع) تفضيل الحضارم الاستثمار في مجال العقارات وتشييد القصور الجميلة على الاستثمار في مجال زراعة النخيل. وحتى في إطار الزراعة نفسها يرى الحضارم أنك إذا اضطررت إلى ممارسة الزراعة فالأفضل لك الابتعاد عن زراعة النخيل والاتجاه إلى زراعة الحبوب قمحا وذرة. نلمس ذلك في هذا المثل الذي يردده كثير من المزارعين حتى يومنا هذا: "سبولة خير من مقلع"، والمقلع النخلة في مرحلة غرسها. وهناك أسباب كثيرة لذلك؛ فالتمر موسمه سنوي، بالمقابل يستطيع المزارع إنتاج الذرة مرتين وربما ثلاث مرات في السنة، كما أن التمر في النخلة معرض للسرقة والآفات المختلفة، ويتطلب رعاية كبيرة. ويورد ابن طالب هذا المثل الذي يعكس خوف المزارع على التمر من السرقة: (حشف في داري خير من تمر في دار غيري 112)، والحشف هو البلح الذي تمّ جمعه وتجفيفه قبل نضجه خوفا من السرقة.
وإذا الحضارم يتباهون بتمر (المديني والجزاز)، وتمر الهَجَر (جمع هجرية وهي نوع من النخل) الذي يشفي المحموم، فالأحسائيون يفتخرون بتمر (الخلاص) ويقولون الخلاص مسمار الركب). والتمر مسمار الركب. ويغيب هذا المثل في حضرموت، إذ أن الحضارم وسكان أبين يفضلون في هذه الحال التنباك الغيلي، ويرددون (بوري الصبح مسمار الركب)، ومن اللافت أن نجد بين الأمثال التي يتضمنها كتاب عبد الله عبد المحسن الشايب (النخلة: مدخل من خلال الأمثال في الاحساء) هذا المثل: (التمر مسامير الركب).
الخاتمة: (ماشي كما التمر في الدار):
ذكرنا في مقدمة هذه المقالة الموجزة أن الأمثال تعكس عادات المجتمع، ولغته المتداولة، وطرق تفكيره، ومزاجه العام. وبعد هذا العرض السريع لعدد من الأمثال الحضرمية المتعلقة بالنخلة، أعتقد أن علينا الإسراع والقول إن طبيعة الحياة المعاصرة تبيّن تغيّرا كبيرا في طباع الناس وسلوكهم ومواقفهم إلى درجة أن كثيراً من الأمثال التي يتم توثيقها اليوم لم تعد معاصرة ولا تعبّر بالضرورة عن واقعنا الراهن. فقبل نحو خمسين سنة كان الحضارم يهتمون بالتمر والنخلة، ويرددون (ماشي كما التمر في الدار). أما اليوم فلم يعد الحضارم يخصصون غرفة في بيوتهم لزيار التمر، بل أن هناك أعدادا كبيرة منهم لم تعد تشتري التمر، وفي شهر رمضان يكتفي بعضهم بما توزعه عليهم الجمعيات الخيرية من تمور في الغالب منتهية الصلاحية. كما أن معظم أشجار النخيل المحيطة بالمدن الرئيسة في وادي حضرموت تم اجتثاثها وغُرِست في مكانها قصور وعمارات (تجاري سكني). لذا لم يعد (ماشي كما التمر في الدار) مثلا متداولا في حضرموت اليوم، ومثله (السناوة ولا جاوة) الذي كان يردده الحضارم أيّام كانوا يفضلون الزراعة على الهجرة. وهل باستطاعة الحضارم أو المنحدرين من أصل حضرمي اليوم ترديد تلك الأمثال الحضرمية التي تحثهم على تجنب الاهتمام بالشأن العام، مثل (كل قرصك وادخل خلصك ص364) و(تفخسس تسلم تعقرب تقتل ص80)؟
رصد لأمثال النخلة في كتاب (4000 مثل من حضرموت):
ابن ولا تخلع ص12
أمنا وتمرنا ص37
انطفت في ليفة ص42
أول النخلة عجمة ص43
ايش لك في المديني يا مشنق عيونك ص46
بغى تمرة رصنوه بجذعها ص62
التمر ضيّع الأمر 82 …
توار من الشر ولو بقرن نخلة ص84
جعفر في الخيل ص98
الحرمة الزينة قحبة والنخلة الزينة صدقة ص110
حشف في داري خير من تمر في في دار غيري 112
الدويل ما حد يقلم به 150
ديف ديف في الكرب والليف ص151
الساف في تمرك تحتاج له 183
شربة إلى الكربة ص202
الطول طول نخلة والعقل عقل رخلة ص240
فحل جاب محل ص383
الفحل ما منه خريف 383
فلان طلع النخلة 385
فلان ينفتح بالخوصة 323
فلان يمص العجم 323
كل طير على سعفة 364
لو هي هجرية كانها بين أخواتها 404
لي يطلع في الميزان تمر 413
ما شرح نخله با يشرح نخل هادي 436
ما طالت النخلة إلا وانقصفت 438
ما كل نخلة تنطلع 442
ما يجي كما أبوه الا الفحل 447
من نحرها إلى الجبل 502
يا عليوم قع نخلة 540
يا عبيد لقط الغاسي 541
أمثال من خارج كتاب (4000 مثل من حضرموت):
ماشي كما التمر في الدار
تمر ساه شي لك و شي للشاه
تمر الزار يلحق بالعزار
كل تمر بحشفه
حوات التمر تمر
إذا جاء وقت الخريف كثروا المعاريف
مثل احسائي
ما تحرك الخوصة
الفحل خلف محل
عاد قدامك دوار يا منقر
تمر البقال شي حالي وشي قار.
ابن ولا تخلع
اوّل النخله عجمه
ايش لك في المديني يامشنّق عيونك