آخر تحديث :الخميس - 20 مارس 2025 - 02:57 م

اخبار وتقارير


بين الردع والتصعيد: ما مستقبل المواجهة بين الحوثيين وواشنطن

الخميس - 20 مارس 2025 - 03:17 ص بتوقيت عدن

بين الردع والتصعيد: ما مستقبل المواجهة بين الحوثيين وواشنطن

مركز سوث24 | عبد الله الشادلي

في تطور كبير، بدأت الولايات المتحدة تحت قيادة الرئيس ترامب، منذ 15 مارس الجاري، حملة مكثفة من الغارات الجوية والبحرية ضد مواقع مرتبطة بجماعة الحوثيين في اليمن، مستهدفة أهداف في صنعاء وصعدة والحديدة وذمار والجوف والبيضاء. 




هذه الضربات، التي تُعد الأكبر منذ بدء العمليات الأمريكية ضد الجماعة المدعومة من إيران في يناير 2024، تأتي في سياق حملة تقول واشطن إنها تهدف إلى ردع هجمات الحوثيين على السفن الدولية في البحر الأحمر وتدمير ترسانتهم العسكرية. ولكن، مع استمرار التصعيد، تتزايد التساؤلات حول مدى فعالية هذه الضربات، مع تشابك الأحداث الإقليمية وتصلب موقف الحوثيين.




على الرغم من تصريحات الإدارة الأمريكية بأن هذه الضربات تهدف إلى إعادة فرض الردع ومعاقبة المليشيا اليمنية، إلا أن المؤشرات الميدانية تشير إلى أن الحوثيين لم يُظهروا أي بوادر تراجع، بل على العكس، صعّدوا من خطابهم السياسي والعسكري. وأعلنوا مهاجمة حاملة الطائرات الأمريكية ترومان التي تتمركز جنوب البحر الأحمر أربع مرات بالمسيرات وصواريخ كروز المجنحة.




كما أعلنت الجماعة، في 18 مارس، عن إطلاق صاروخ باليستي باتجاه إسرائيل، لأول مرة منذ اتفاق وقف إطلاق النار بغزة في يناير الماضي.




في الخلفية، تلعب إيران دورًا مركزيًا في هذا المشهد، إذ توجهت واشنطن برسائل تحذيرية مباشرة لطهران، محملة إياها مسؤولية استمرار التصعيد. ورغم محاولات طهران التخفيف من حدة الموقف عبر القنوات الدبلوماسية التي تنصلت من أفعال الحوثيين، إلا أن الرئيس الأمريكي ترامب قال إنه يعتبر كل طلقة من الحوثيين بأنها صادرة من إيران.




ضغط على إيران




يعتقد الخبير الأمريكي بالشؤون اليمنية فرناندو كارفاخال أن أهداف الضربات الأمريكية على الحوثيين تتجاوز حماية الملاحة الدولية إلى الضغط على إيران التي تدعم الجماعة كوكيل في المنطقة. 




وقال لمركز سوث24: "الضربات الجديدة ضد الحوثيين تبدو خارج إطار عملية حارس الازدهار، وتُقرأ التصريحات الأمريكية وكأنها جزء من سياسة الضغط الأقصى التي انتهجها ترامب تجاه إيران".




مضيفًا: "الحوثيون لم يتسببوا في حجم الأضرار التي يدّعونها، والإدارة الأمريكية تدرك أنه يمكن استغلالهم للضغط على إيران. لقد فقدت طهران كلاً من حماس وحزب الله كفاعلين رئيسيين في محور المقاومة، ولم يتبقَّ لديها سوى الميليشيات العراقية والحوثيين".




ولفت كارفاخال إلى أن "ترامب لا يستطيع الضغط على العراق في الوقت الحالي، لذلك يستخدم ورقة الحوثيين".




ويتفق المحلل السياسي اليمني عبد الستار الشميري أن الأحداث الأخيرة والحملة الأمريكية على الحوثيين تتجاوز النطاق المحلي إلى سياق عالمي أوسع. 




وقال لمركز سوث24 إن "التدخل الأمريكي في المنطقة لا يعد ضربة عادية، بل هو إعادة تشكيل لاستراتيجية جديدة تعزز من القوة الإسرائيلية والأمريكية، مع التركيز على القضايا الثانوية مثل اليمن وسوريا. وذلك في إطار معالجة الأزمات العالمية مثل النزاع الأوكراني-الروسي، مما يهيئ الأجواء للتوجه نحو الصين ومحاسبتها". 




ويعتبر الشميري أن الحملة ضد الحوثيين "جزء من استراتيجية أمريكية جديدة لإعادة ترتيب الأولويات وتعزيز النفوذ في المنطقة والعالم".




مأزق الحوثيين




أعلنت جماعة الحوثيين يوم الثلاثاء (18 مارس)، عن تشييع 10 من ضباطها العسكريين في مدينة صنعاء. وسط تصاعد الغارات الجوية الأمريكية التي استهدفت المواقع المرتبطة بالجماعة.




وأفادت وكالة الأنباء سبأ التي يسيطر عليها الحوثيون أن الضباط الذين قتلوا سقطوا خلال العمليات العسكرية الأخيرة. لكن الوكالة لم تحدد توقيت أو مكان مقتلهم، واكتفت بأنهم لقوا حتفهم فيما وصفته ب "معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس"، وهو مصطلح يستخدمه الحوثيون لعملياته العسكرية البحرية والغارات الجوية الأمريكية اللاحقة ردًا على تلك الهجمات.




وتشير تقديرات أمريكية ويمنية إلى أضرار واسعة بالبنية العسكرية للحوثيين نتيجة الضربات الأمريكية خلال الأيام الأخيرة، بما في ذلك قادة مهمين.




ورغم مأزق الحوثيين الواضح والفروق الهائلة في القوة، تؤكد الجماعة على عزمها في المضي في عملياتها البحرية ضد إسرائيل والقوات الأمريكية في المنطقة. ويشترط الحوثيون وقف إطلاق النار في غزة مجدداً، والسماح بدخول المساعدات، من أجل وقف عملياتهم ضد إسرائيل، كما يشترطون توقف الهجمات الأمريكية عليهم لوقف الهجمات المضادة.




وبشأن مدى قدرة الحوثيين على المواجهة والمناورة، قال فرناندو كارفاخال: "أظهر تقرير جديد صادر عن مركز أبحاث تسليح النزاعات (CAR) أن الحوثيين حصلوا على تقنيات جديدة للطائرات المسيّرة والصواريخ، إلا أن المعلومات المتاحة لا توضح حجم الإمدادات أو مدى استدامتها. ورغم ذلك، فإن قدرتهم على تنفيذ هجمات مؤثرة ضد الأصول العسكرية الأمريكية تظل محدودة، خاصة في ظل غياب دعم مباشر من السفن الإيرانية الخفية المنتشرة في البحر الأحمر".




وأضاف: "إيران، التي لا ترغب في المخاطرة باستهداف الولايات المتحدة لهذه السفن التجسسية، قد تجد نفسها مضطرة إلى الحد من تهديدات الحوثيين كوسيلة لخفض التوتر مع إدارة ترامب. ومع ذلك، يواجه الحوثيون تحديات كبرى في التعامل مع تداعيات الضربات الأمريكية، حيث يتعين عليهم إدارة ثلاث جبهات رئيسية في آن واحد".




على المستوى الدولي، أشار  الخبير الأمريكي إلى سعي الحوثيين إلى "الحفاظ على صورتهم كداعمين للقضية الفلسطينية، وهو ما قد يدفعهم إلى مواصلة الهجمات الرمزية ضد السفن في البحر الأحمر لتعزيز خطابهم السياسي. أما على المستوى الإقليمي، فإنهم قد يلجؤون إلى تصعيد التهديدات ضد السعودية، في محاولة للضغط من أجل تحقيق مطالبهم المتعلقة بالرواتب والشرعية. وإذا تصاعد الضغط الأمريكي عليهم أو شعروا بتهديد من خصومهم اليمنيين، فقد يعيدون تنفيذ ضربات عبر الحدود ضد أهداف سعودية".




داخليًا، لفت كارفاخال إلى أن "الحوثيين يواجهون أزمة مالية متزايدة تؤثر على شبكة تحالفاتهم القبلية، ما قد ينعكس على قدرتهم على التجنيد والحشد العسكري. كما أن القيود المفروضة بسبب إدراجهم في قائمة الإرهاب قد تحد من وصولهم إلى السيولة النقدية، مما يزيد الضغط على طرق التهريب التي يعتمدون عليها لتمويل عملياتهم العسكرية".




ويعتقد الخبير الأمريكي أن "هذه العوامل قد تضعف قدرتهم على الاحتفاظ بمناطق نفوذهم داخل اليمن، مما يزيد من تعقيد موقفهم العسكري والسياسي في الفترة المقبلة".




سيناريوهات محتملة




يضع الخبير العسكري اليمني العميد ثابت حسين صالح مسارين اثنين للمرحلة القادمة فيما يتعلق بالحملة العسكرية الأمريكية على الحوثيين والتصعيد المقابل من الجماعة. وقال لمركز سوث24 إن "السيناريو الأول، يتمثل في استمرار الضربات الأمريكية بهدف إضعاف القدرات العسكرية للحوثيين، وتدمير قواتهم، وربما حتى القضاء عليهم. أما السيناريو الثاني، فهو استسلام الحوثيين وخضوعهم للشروط الأمريكية."




مضيفًا: "في كلتا الحالتين، أعتقد أن الولايات المتحدة ستكون المنتصرة، سواء من خلال استخدام القوة العسكرية المباشرة، أو من خلال تحقيق أهدافها دون اللجوء إلى التصعيد الكامل."




وتحدث الخبير العسكري عن الأهداف الأمريكية من هذه الحملة والتي تتركز في "إجبار الحوثيين على وقف هجماتهم ضد الملاحة التجارية في البحر الأحمر وخليج عدن، بالإضافة إلى إضعاف قدراتهم العسكرية إلى حد كبير، بما يقلل من قدرتهم على التأثير كذراع لإيران، وتوجيه رسالة واضحة لطهران في هذا الصدد."




وبشأن تغيير الخارطة العسكرية في اليمن، قال العميد ثابت حسين: "لا أعتقد أن الإدارة الأمريكية لديها أجندة أو توجه لتغيير الخارطة العسكرية في اليمن بشكل مباشر. ومع ذلك، يمكن أن تتغير هذه الخارطة تلقائيًا، سواء في حال القضاء على الحوثيين أو حتى في حالة إضعاف قدراتهم".




ولفت إلى أنه "عند حدوث هذا الأمر، سيكون لدى الحكومة المعترف بها دوليًا أفضلية إذا ما توفرت لديها الإرادة السياسية لاستئناف القتال، وتحرير محافظات شمال اليمن من الحوثيين".




ويعبر فرناندو كارفاخال عن أمله في أن تنجح الضغوط الأمريكية على إيران والحوثيين في استعادة المسار السياسي للأزمة اليمنية. مضيفًا: "قد تمنع إيران الحوثيين من التصعيد للحفاظ على إمدادات الأسلحة، ولإظهار نفسها وكأنها تقدم "جزرة" لترامب وتأجيل القرارات الكبرى في الوقت الحالي. يتم استهداف الحوثيين في المقام الأول للضغط على إيران".




لافتًا إلى أنه "إذا نجحت الولايات المتحدة في الضغط على إيران وإجبار الحوثيين على التهدئة، فسيمنح ذلك السعودية فرصة لإعادة التواصل مع الحوثيين وفرض اتفاق جديد لدعم خارطة الطريق الأممية".




وفي ضوء هذه الأحداث، تظل السيناريوهات المستقبلية متأرجحة بين استمرار التصعيد العسكري ومحاولات التهدئة. تبدو الولايات المتحدة عازمة على ضرب الحوثيين، لكن حتى الآن تظهر الجماعة صلابة في موقفها. كما يبدو التحالف بين إيران والحوثيين، أو علاقة التبعية كما تقول الولايات المتحدة والحكومة اليمنية، في مرحلة اختبار حقيقي.




على المستوى الإقليمي، يبقى الموقف السعودي والإماراتي عنصرًا حاسمًا في تحديد معالم المرحلة القادمة. فإذا نجحت الضغوط الأمريكية في الحد من القدرات العسكرية للحوثيين، فقد يؤدي ذلك إلى إعادة تشكيل الخارطة العسكرية في اليمن، مما يمنح الحكومة المعترف بها دوليًا فرصة لتعزيز موقفها، والذهاب في خيارات استراتيجية.




ولا يمكن بأي حال فصل هذه الأحداث عما يجري في غزة، حيث يربط الحوثيون بين عملياتهم والحرب الإسرائيلية هناك. وفي حالة تمت استعادة وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات، قد يعلن الحوثيون وقف عملياتهم البحرية، وهو ما قد يؤدي لتوقف الحملة الأمريكية. وفي هذا السيناريو، سيتم التحقق من أن هذه الحملة مرتبطة بأهداف تكتيكية قصيرة الأمد. 




عبد الله الشادلي

صحفي ومحرر لدى مركز سوث24 للأخبار والدراسات

الكلمات المفتاحية: