آخر تحديث :الأربعاء - 19 مارس 2025 - 03:26 ص

كتابات واقلام


روسيا والغرب معركة القوة وإعادة تشكيل النظام الدولي

الأربعاء - 19 مارس 2025 - الساعة 12:37 ص

عبدالرؤوف الحنشي
بقلم: عبدالرؤوف الحنشي - ارشيف الكاتب


في عالم السياسة حيث لا مكان للضعفاء، أثبتت روسيا بقيادة فلاديمير بوتين أنها قادرة على فرض إرادتها وإعادة تشكيل النظام الجيوسياسي الدولي وفقاً لموازين جديدة، لم يكن الصراع في أوكرانيا مجرد حرب على الأرض، بل كان معركة لإعادة ترتيب القوى الكبرى على الساحة العالمية، ليكتب التاريخ من جديد بلغة القوة.

اتفاق بوتين _ ترامب، نهاية الوهم الغربي، يعد اتفاق مفصلي بين روسيا والولايات المتحدة، تم التأكيد على فشل الغرب في تحقيق أهدافه، حيث فرضت موسكو شروطها بوضوح: لا يمكن انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي، مما يؤدي إلى إجهاض أهم طموح أوكراني في تعزيز أمنها من خلال التحالف مع الغرب، ولا نشر للقوات الأمريكية على الأراضي الأوكرانية، مما يجعل أوروبا وأمريكا أكثر عزلة في هذا النزاع، ولا لقوات حفظ السلام الدولية، مما يمنح روسيا مساحة واسعة للتحكم بالمواقف، وأيضاً الاعتراف بالمناطق التي ضمتها روسيا، مما يجعل مكاسبها العسكرية تتحول إلى واقع معترف به دولياً، في المقابل، لم تحقق الولايات المتحدة سوى مكاسب اقتصادية محدودة من خلال الحصول على حقوق استخراج المعادن النادرة من أوكرانيا، دون أن تتمكن من فرض هيمنتها السياسية أو العسكرية.

أما أوكرانيا، فقد تدفعت الثمن الباهظ لدروس قاسية، ستكون الخاسر الأكبر في هذا الصراع، فقد أضاعت أراضيها الإستراتيجية، وتعرضت بنيتها التحتية لدمار هائل، بينما خسر العديد من أبنائها حياتهم في حرب لم تؤد إلى أي تقدم ملموس، ورغم الدعم الغربي، لم تتمكن أوكرانيا من تحقيق هدفها في الانضمام إلى العالم الغربي، ليكتشف الشعب الأوكراني أنه دفع الثمن الأغلى من أجل وهم استقلال سياسي زائف.

وأيضاً، بالنسبة لأوروبا تراجع وتبعية متزايدة، فقد تكبدت خسائر اقتصادية وعسكرية ضخمة نتيجة مشاركتها في دعم أوكرانيا، حيث إنفاقها الكبير على هذه الحرب أضعف ميزانياتها، وجعلها أكثر تبعية للولايات المتحدة، مما يتقلص من استقلالها السياسي وأضاعف من قدرتها على التأثير في الشؤون العالمية.

وأما روسيا، فقد خرجت من هذه الحرب منتصرة بامتياز، حيث ضمت خمس مقاطعات أوكرانية أستراتيجية، وأصبح بحر آزوف بحيرة روسية، بينما عززت سيطرتها على بحر قزوين، كما تم رفع العقوبات الغربية المفروضة عليها، مما يساهم في استعادة موسكو لمكانتها الاقتصادية العالمية، بالتالي روسيا أثبتت أنها قادرة على فرض واقع جديد على العالم عبر قوة الإرادة والتكتيك العسكري.

وفي الختام، كانت الحرب الروسية الأوكرانية بمثابة نقطة فارقة في تاريخ النظام الدولي، وأظهرت أن القوة العسكرية والقدرة على فرض الإرادة، هي التي تحدد ملامح العالم الجديد، وأن القوى الكبرى يمكنها تغيير مجرى الأحداث لصالحها في غياب التوازنات السياسية التقليدية، روسيا لم تكتف بتعزيز قوتها، بل نجحت في إعادة رسم خريطة النفوذ العالمي، بينما تراجع الغرب إلى الخلف، مؤكداً أن موازين القوى قد تغيرت إلى الأبد.