منذ نشوب الصراع في غزة اندلعت حرب كلامية بين مصر وإسرائيل، ما أثار التساؤل عما إذا كان البلدان يقتربان من مواجهة عسكرية فعلية أم أن الأمر لا يتجاوز الدعاية السياسية وضغط كل طرف على الطرف الآخر لحسابات داخلية في كل بلد.
وتعمدت بعض التصريحات الإسرائيلية إثارة مشكلات مع مصر، وتطرقت إلى القدرات العسكرية الكبيرة لمصر، في محاولة لإرباك خطتها نحو التعامل مع قطاع غزة وتقديم حل عربي بديل عن أي توجه أميركي يفضي إلى تفريغ القطاع من سكانه، في حين يرى مراقبون أن تضخيم القدرات العسكرية يجد صدى لدى مصر ويتزامن مع خطاب دعائي يمدح دور الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وتحركاته في الملف الفلسطيني.
ويقول المصريون إن العزف على وتر القوة العسكرية لمصر غير بريء من جانب قادة في إسرائيل، ولئن لم يتضمن استعدادا لمواجهة حاليا فإنه ينطوي على تحريض ضد القاهرة، وتشكيك في وساطتها بين إسرائيل وحركة حماس، وسعي لتقزيم ما ستعرضه مصر على القمة العربية الطارئة في القاهرة بشأن مستقبل غزة.
ولا تزال ردود الفعل مستمرة حول ما قاله رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي، الذي سيغادر مهام منصبه في الأسبوع الأول من مارس، حيث عبر عن قلقه من قدرات مصر، محذَّرا من أن “التهديد الأمني المصري قد يتغير في لحظة.”
ولم ترد مصر رسميا على هذا النوع من التصريحات، لكن صمت القاهرة يفهم على أنه تفويت فرصة على إسرائيل التي تهدف إلى صرف الأنظار عن القضية الجوهرية، وهي وقف إطلاق النار في غزة، وشغل القاهرة بملفات فرعية.
وقال هاليفي أمام خريجي دورة ضباط بمدينة حولون الإسرائيلية الأربعاء “مصر لديها جيش كبير مزود بوسائل قتالية متطورة مع طائرات وغواصات وصواريخ متطورة، وعدد كبير للغاية من الدبابات وسلاح المشاة. نحن قلقون جدا من هذا الأمر. هذا ليس من أولوياتنا حاليا، ولكن يجب أن نقول ذلك.”
وما قاله هاليفي ليس سرا حربيا، بل تعرفه كل المراكز البحثية المتخصصة في متابعة قدرات الجيوش في العالم. وقال يحيئيل ليتر، سفير إسرائيل لدى الولايات المتحدة، في وقت سابق إن مصر تعزز وجودها العسكري في سيناء، وتقيم قواعد هجومية، وتنتهك معاهدة السلام لسنة 1979.
وأدلى ليتر بهذه التعليقات خلال لقاء ضمن مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأميركية الكبرى، قبيل لقاء بنيامين نتنياهو مع الرئيس دونالد ترامب في واشنطن. واللافت أن هذه التصريحات تأتي قبل وقت قصير من إعلان مصر أن مفاوضات المرحلة الثانية من صفقة الأسرى بين إسرائيل وحركة حماس بدأت الخميس في القاهرة، ما يمنع انهيارها قبل انتهاء المرحلة الأولى السبت، وكأنها تمهد لتنصل إسرائيل منها.
وقبل ساعات من بدء المحادثات في القاهرة قال مسؤول إسرائيلي إن بلاده لن تنسحب من ممر فيلادلفيا في جنوب قطاع غزة، كما هو مقرر في اتفاق وقف إطلاق النار، ما يعقد المفاوضات مع حماس، ويزعج مصر كوسيط رئيسي بين إسرائيل وحماس.
وحذر الخبير في الشؤون الإسرائيلية أحمد فؤاد أنور من إمكانية أن تصبح الإشارات المستمرة إلى تمسك إسرائيل بالبقاء في فيلادلفيا وتكرار الحديث عن قوة مصر بين الحين والآخر سياسة تهدف تل أبيب من ورائها إلى التجهيز لتوجيه ضربة استباقية خاطفة إلى جيش مصر.
وأضاف لـ”العرب” أن تحريض قادة إسرائيليين على مصر موجه إلى الداخل بشكل رئيسي، فقد أدت عملية طوفان الأقصى إلى اهتزاز الثقة بالجيش والاستخبارات وأجهزة الأمن في إسرائيل، ويريدون تحويل الأنظار إلى مصر.
وكان مندوب مصر في الأمم المتحدة أسامة عبدالخالق قد رد في حديث لوسائل إعلام محلية على الضجة التي أحدثتها تصريحات مندوب إسرائيل في الأمم المتحدة داني دانون، وتحذيره من قدرات الجيش المصري واستمراره في النمو والتطور.
ونشر الخبير الأمني الإسرائيلي شاي إيتان دراسة بحثية عن الجيش المصري محذرا من فتح جبهة قديمة – جديدة ضد إسرائيل مستقبلا من جانب القاهرة، مؤكدا أن هدف الدراسة التعمق وفهم ما يحدث في مصر، ولماذا إسرائيل قلقة.
وتزامن التضخيم الإسرائيلي للقدرات العسكرية المصرية مع إشارات مصرية غير مفهومة إلى قوة الجيش؛ إذ بثت قناة العربية في 11 فبراير تقريرا عن عرض كبير لقوات الأمن المركزي التابعة لوزارة الداخلية المصرية، وقدمته القناة على أنه حشد عسكري مباشر في شمال سيناء.
واعتمد التقرير على مقطع فيديو دعائي نشرته وزارة الداخلية المصرية. وكانت اللقطات المستخدمة في الواقع من عرض عيد الشرطة في يناير ولم تكن حتى في سيناء.
وتنشر حسابات وصفحات مصرية على وسائل التواصل الاجتماعي ويوتيوب رواية تشير إلى أن إسرائيل تخطط لغزو مصر، وأن الجيش المصري يحشد قواته لترهيب إسرائيل وتنظيم عمليات كوماندوز. وفي هذا كله يوجد تركيز على صورة السيسي الذي يواجه مؤامرات واسعة، ويدافع عن الحقوق الفلسطينية، ويحافظ على استقلال مصر.
ويقول مراقبون إن هذا الخطاب الدعائي من شأنه أن يصرف الأنظار عن الوضع الداخلي في وقت تعيش فيه مصر وضعا اقتصاديا صعبا يحتاج إلى صبر المصريين عليه، وهو أمر لا يتم إلا بالتخويف من الخطر الخارجي. وأفضل طريقة هي الانخراط في حرب كلامية مع إسرائيل واستدعاء بطولات الماضي.
ويستبعد هؤلاء انخراط الجيش المصري في أي معركة خارجية لاعتبارات تتعلق بواقعه؛ فهو يركز في المقام الأول على الأمن الداخلي والمكاسب الاقتصادية ولا يضع في اعتباره الحروب الخارجية، خاصة بعد بناء علاقات سلام مع إسرائيل.