آخر تحديث :الأربعاء - 26 فبراير 2025 - 08:44 م

كتابات


قوى وحدة الموت توظف حرب الخدمات لنهب الثروات

الأربعاء - 26 فبراير 2025 - 04:47 م بتوقيت عدن

قوى وحدة الموت توظف حرب الخدمات لنهب الثروات

كتب / د . يحيى الجوبعي

في شهر مايو من العام 1990 وقعت القوى النافذة في صنعاء على اتفاقيتين : الأولى علنية عرفت باتفاقية الوحدة (وحدة الموت) بين الشمال والجنوب والأخرى سرية فيما بينها عرفت باتفاقية (حرب الإبادة التدريجية ضد كلما هو جنوبي) يتم تنفيذها من خلال توظيف حرب الخدمات وصناعة الأزمات في الجنوب بهدف الهيمنة الأبدية على ثرواته الغنية .

وإذا ما تتبعنا ذلك منذ اليوم الأول لوحدة الموت وإلى اليوم سنلحظ بأن كل ما جرى ويجري في الجنوب من عبث في السيادة ونهب للثروات لا يخرج عن الاتفاقية السرية بين ثلاثية القوى النافذة في صنعا (القبلية والعسكرية والدينية)ولكي يضمنوا استمرار هيمنتهم على الثروات الجنوبية اشتغلوا على كلما ينهك الذات الجمعية في الجنوب من خلال إشغالها بالجزئيات ليتمكنوا من نهب الثروات الجنوبية .

ولإن الأزمة المالية هي أس الأزمات جميعا شرعوا منذ البداية في الاشتغال عليها حتى يتمكنوا من صناعة كل الأزمات جنوبا، ففي الوقت الذي كان فيه قيمة الدولار عقب وحدة الموت 10 ريال يمني عام 1990 صعّدوه إلى 220 ريالا عقب احتلالهم للجنوب عام 1994 أي بزيادة 210 ريال يمني عما كان عليه ليقابله ارتفاع أكثر من 200 % في قيمة الأسعار عما قبلها ، الأمر الذي أوصل المواطن الجنوبي دون غيره إلى حالة من الإفقار القاتلة وبدلا من معالجة مضاعفات الأزمة المالية من قبل قوى وحدة الموت ، إلا أن كارثة الأزمة فتحت الشهية لديهم للبدء في تنفيذ حرب الإبادة الجمعية ضد كلما هو جنوبي ، فعلى الصعيد الشعبي لم تكتف بما لحق بالعامة الجنوبية من حالة الإفقار بفعل انهيار العملة وارتفاع الأسعار لعدم وجود بدائل لدى الجنوبيين ، ولاسيما بعد أن تم تجريدهم من كل الخدمات المجانية المكتسبة في كل المجالات (الصحية والتعليمية والغذائية والوظيفية والسكنية) بخلاف عامية الطرف الشمالي (المنتصر) الذي يتمتع بمكتسباته الخاصة وانفتاح مصالحه في الجنوب المهزوم .

وعلى صعيد الكوادر والقيادات الجنوبية لم تكتف قوى وحدة الموت بما الحقته الأزمة المالية من تأثير سلبي على هذه الشريحة النوعية من الجنوبيين بل وصل الأمر في القوى المتجبرة إلى تجريد كل قيادات وكوادر وموظفي الجنوب من أبسط مستحقاتهم الخدماتية ( كالوظائف والمناصب والمساكن والرتب والترقيات) وغيرها في كل المجالات العسكرية منها والمدنية من خلال عملية اجتثاث جمعي ، أما عن طريق النفي أو الطرد أو التسريح أو الإعفاء أو التقاعد القسري وغيرها كل ذلك تم ممارسته في ظل أجواء إرهابية استخدمت فيها قوى الاحتلال اليمني كل أساليب الكبت والترهيب والترويع لكل جنوبي يحاول حتى مجرد الحديث عن مستحقاته .

وبفعل هذا المشهد المأساوي تبنى الجنوبيون مشروع التصالح والتسامح الجنوبي الذي مهد لإنجاح الثورة السلمية الجنوبية الهادفة إلى تحرير الثروات الجنوبية من الاحتلال اليمني وصولا إلى استعادة الدولة الجنوبية المستقلة وهو مالا تقبله قوى وحدة الموت حتى تضمن بقاء هيمنتها الأبدية على ثروات الجنوب .

ولهذا نلحظ بأن الاحتلال اليمني قد وظف حرب الخدمات وصناعة الأزمات لعرقلة المشروع السيادي للجنوب بهدف الاستمرار في نهب الثروات الجنوبية من خلال خطة محكمة وخبيثة نفذها ولا زال ينفذها على مراحل مدروسة وفقا والمتغيرات على النحو الآتي :


أولا : الاحتلال اليمني يوظف فتات الخدمات للتغطية على نهب الثروات

بعد أن تيقنت قوى وحدة الموت بأن هيمنتها على الثروات الجنوبية قد أصبحت أمرا واقعا فوجئت في العام 2007 (باندلاع الثورة السلمية الجنوبية) التي كشفت عن كل ما ارتكبته قوى الاحتلال اليمني من جرائم جسيمة في الجنوب وفي مقدمتها نهب المليارات من الثروات الجنوبية الأمر الذي جعلها تواجه ثورة الجنوب السلمية بكل وسائل الموت والقتل والجرح والاعتقال وعندما فشلت في القضاء عليها بالقوة لجاءت إلى الاشتغال على ورقة تحسين بعض الخدمات ضنا منها بأن هذه الوسيلة ستؤدي إلى إفشال الثورة ، فاشتغلت على ورقة القيادات المنفية والمسرحة والمطرودة وورقة الشباب العاطل عن العمل وورقة المعاناة العامة مع الاكتفاء بما تم ترفيعه في مجال الكهرباء والماء والبترول إلى حين يتم الاحتواء على الثورة الجنوبية المحاصرة عربيا وإقليميا ودوليا.

ثانيا :الاحتلال اليمني يوظف تدويل الخدمات لإطالة أمد نهب الثروات

بعد أن وصلت قوى وحدة الموت إلى قناعة تامة بأن سياسة التعتيم التي فرضتها على الثورة الجنوبية قد غيبتها عن المشهد العربي والإقليمي والدولي لهذا أصبحت بنظرهم لا تشكل أي خطر على استمرارية نهبهم للثروات الجنوبية ، إلا أن قوى الاحتلال تفاجأت في العام 2012 بأن الثورة الجنوبية قد تضاعف زخمها داخليا وخارجيا ولا سيما بعد أن نجحت في إفشال ما سمي بعملية الانتخابات الرئاسية جنوبا أمام مرى ومسمع العالم ، كاسرة بذلك طوق العزلة المفروضة عليها عربيا وإقليميا ودوليا ، رغم كلما مورس ضدها من وسائل البطش والتنكيل والخداع والتضليل ، الأمر الذي جعل قوى الاحتلال تشعر بأن استمرار هيمنتها على الثروات الجنوبية محفوف بالمخاطر .

وهنا توصلت قوى وحدة الموت إلى قناعة بأنها لا يمكن أن تتوقف عن نهب الثروات الجنوبية ولا تستطيع أن تتجاهل قضية شعب الجنوب الثائر وأنه لا مخرج لها سوى تدويل القضية الجنوبية كقضية (حقوقية خدماتية) فقط فوجدت ضالتها لإقرار هذا التوصيف عبر ما سمي بمؤتمر الحوار الوطني بطابعه الخليجي والدولي معتقدة بأن توظيفها لتدويل الخدمات جنوبا سيحقق لها أمرين : الأول قطع الطريق على استراتيجية الحق السيادي للثورة الجنوبية والآخر لإطالة أمد هيمنتها على الثروات ولتعزيز بقائها تعاملت مع ورقة الخدمات بأسلوبين: الأول يكمن في الحد من تصاعد أزمة الخدمات والآخر يكمن في الامتناع عن تقديم أي تحسينات فيها ضنا منهم بأن هذه هي السياسة الأنسب لإنجاح تدويل الخدمات جنوبا .

ثالثا : الاحتلال اليمني يوظف حرب الخدمات لعرقلة تحرير الثروات

بعد أن أصبحت قوى وحدة الموت تهيمن على الشمال باسم الحوثيين وعلى الجنوب باسم الشرعية اعتقدت بأن الثورة الجنوبية قد أصبحت محاصرة بين قوتين شماليتين متخادمتين في الهيمنة الأبدية على نهب الثروات الجنوبية ، إلا أنها صدمت في العام 2017 عندما تفاجأت بتشكيل المجلس الانتقالي الجنوبي برئاسة الأخ الرئيس القائد عيدروس قاسم الزبيدي رئيس المجلس الانتقالي والقائد الأعلى للقوات المسلحة الجنوبية إثر تفويض شعبي منحه حق التشكيل لحامل سياسي جنوبي موحد تلتف حوله الأغلبية الساحقة من الشعب الجنوبي الثائر، ويمتلك ولأول مرة قوات عسكرية وأمنية رسمية الأمر الذي جعل قوى وحدة الموت تسارع في تسليم منابع الثروات الجنوبية لقوى الإرهاب اليمنية المنتمية إلى القاعدة وداعش بالإضافة إلى حرف مسار الحرب جنوبا بدلا من تحرير صنعاء من الإرهاب الحوثي الإيراني بهدف بقاء هيمنتها على الثروات الجنوبية ولقطع الطريق على القوات الجنوبية من تحريرها.

وحين شعرت قوى وحدة الموت بجاهزية القوات الجنوبية لتحرير ثرواتها من قوى الإرهاب اليمنية الحوثية منها والإخوانية لجاءت إلى تحريك خلاياها الإرهابية للنيل من القيادات والقوات الجنوبية مما أدى إلى استشهاد وإصابة الألاف من القيادات والجنود الجنوبيين ورغم التضحيات الجنوبية الجسيمة إلا أن القوات الجنوبية مصرة على ضرورة تحرير الثروات الجنوبية من الإرهاب ، الأمر الذي جعل قوى وحدة الموت اليمنية الإرهابية وحلفائهم يوكلون المهمة للحوثيين بالتهديد في قصف منابع النفط والغاز الجنوبية في حال انتزاعها من قوى الإرهاب اليمنية وتسليمها لقوى مكافحة الإرهاب الجنوبية ، مما شكل سابقة خطيرة لم يعمل فيها لا في العراق ولا في سوريا ولا في ليبيا ولا حتى في مأرب مُتَحَدّين في ذلك الإرادة العربية والإقليمية والدولية وكله من أجل استمرار نهبهم للثروات الجنوبية .

إلا أن شعب الجنوب الثائر مصر على تحرير ثرواته من قوى وحدة الموت الإرهابية مهما كلفه ذلك من تضحيات ، وهنا لجاءت قوى وحدة الموت إلى استخدام آخر ورقة لديها وهي ورقة الإبادة الجمعية عن طريق (حرب الخدمات) و(صناعة الأزمات) بهدف ضرب الحاضن الشعبي في لقمة عيشه ومصادر رزقه ومحاولة العبث بوحدة نسيجه الاجتماعي بهدف ثنيه عن تحرير ثرواته وهو الأمر الذي لم ولا ولن يقبل به شعب الجنوب الثائر حتى يستعيد ثرواته وينال استقلاله.



*باحث ومحلل سياسي وأكاديمي.