أخيراً صدقت توقعاتنا وتوقعات الكثيرين من الكتاب والإعلاميين الجنوبيين بل وبعض الزملاء الشماليين، إن المسؤول الأول والأخير عن معانات أبناء عدن ومحافظات الجنوب، هو السلطات الشرعية ممثلةً بمجلس الرئاسة وحكومة المناصفة وما يقع تحتهما من إدارات ومؤسسات وهيئات أيرادية وتنفيذية.
هكذا نقل العديد من المواقع الإعلامية والإلكترونية القريبة من شركاء السلطة الشرعية عن حديث الأخ اللواء عيدروس الزبيدي رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي الذي حمَّل أثناء لقائه مع السفير الأمريكي لدى اليمن السيد ستيفن فاجن حيث حمل الرئيس الزبيدي "المسؤولية عن تبعات الأزمة المتفاقمة في عدن وبقية المحافظات الجنوبية شركائه في الحكومة ومجلس القيادة الرئاسي" ( كما ورد في أحد المواقع المقربة من الرئيس رشاد العليمي وشركائه الشماليين).
صحيح أن الأخ اللواء عيدروس الزبيدي وبقية زملائه ممثلي الجنوب في مجلس القيادة الرئاسي وحكومة المناصفة هم جزء من هذه الشرعية، لكن يظل القرار بيد المؤسسة الرسمية بتراتبيتها القيادية ويظل الرجل الأول في الرئاسة والحكومة هو المسؤول الأول عن العذابات التي يتعرض لها الشعب الجنوبي على أيدي القائمين على الأمر دون أن يعفي هذا الممثلين الجنوبيين عن قسطهم من المسؤولية.
إن جذر المشكلة لا يكمن في حصة الطرف الجنوبي أو الشمالي من هذه المسؤولية، بل إنه يكمن في الاختلال الجوهري في تركيبة المعادلة السياسية التي تقوم عليها الشراكة الزائفة (الجنوبية-الشمالية) هذه الشراكة القائمة على معادلة واضحة الاختلال والزيف لكل ذي عينين أو حتى كل ذي عين واحدة.
قد يبدو ما سأقوله مكرراً لكنني لا أجد حرجاً في تكراره حتى يستوعب بطيؤو الفهم وقليلو الحدس السياسي، مهما غضب الغاضبون أو احتج المحتجون أو تحجج المتحججون.
إن جذر المشكلة يكمن في أن من يدير الحياة السياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية في الجنوب هم قومٌ وافدون من بلاد أخرى ليست الجنوب بلادهم، بل قد تكون بلاد أعدائهم وهذا ثابت في تصريحاتهم ومواقفهم المدونة والمسجلة لدى في المواقع والوسائل الإعلامية المعروفة بما فيها وسائل التواصل الاجتماعي التابعة لهم.
وأعود مرة أخرى إلى التأكيد أنه مثلما أخطأ معدو المبادرة الخليجية في تنصيب الرئيس عبد ربه منصور هادي، أطال الله بعمره، رئيسا لبلاد ليست بلاده وشعبٍ ليس شعبه، أخطأوا من جديد في تنصيب رشاد العليمي رئيساً لبلاد ليست بلاده وأرض غير أرضه وشعبٍ ليس شعبه.
لقد جاء حديث اللواء الزبيدي عن مسؤولية الحكومة والمجلس الرئاسي عن تدهور الأوضاع في عدن ومحافظات الجنوب دوناً عن بقية المديريات الشمالية المحررة، ليؤكد حقيقتين هامتين هما:
1. إن الأزمة في اليمن تبدأ بتسلُّط الطبقة السياسية الشمالية الفاشلة على مصير الشعبين في الشمال والجنوب، ولن تحل الإزمة إلّا بإعادة بناء المعادلة السياسية بناءً سليماً يقوم على:
أ. منح الجنوبيين حقهم في إدارة شؤون بلادهم ومحافظاتهم، وفي ظل الدولة اليمنية (المفترضة)، ولو مؤقتاً حتى الحل النهائي للقضية الجنوبية.
ب. فصل قضية الصراع بين الشرعية والانقلابيين، عن القضية الجنوبية وعدم ربط حل القضية الجنوبية بـ(أكذوبة) هزيمة الحوثيين واستعادة (الشرعيين) للعاصمة صنعاء، فذلك شأنٌ شمالي لا علاقة للجنوبيين به إلّا من باب أنهم أنصارٌ للشرعية ورافضين للانقلابات والانقلابيين.
ج. ومن هذا المنطلق إعادة صياغة بنية السلطة الشرعية على النحو الذي تعرضت له عدة مرات من خلال إعادة توزيع الصلاحيات على النحو التالي:
2. إعادة النظر في تركيبة مجلس الرئاسة، من خلال الصيغة التالية:
• رئيس جنوبي، ونائبان شمالي لشؤون الشمال، وجنوبي لشؤون الجنوب؛
• حكومة مركزية من أربعة إلى ستة وزراء، وحكومتان محليتان، جنوبية لشؤون الجنوب بكامل وزرائها، وشمالية مصغرة للتعامل مع الصراع القائم مع الحوثيين سلماً أو حرباً.
لقد فشلت المبادرة الخليجية وفشلت مخرجات الحوار الوطني، وفشلت عاصفة الحزم وفشلت القرارات الدولية وتم إلغاؤها، لأن كل هذه المعالجات لم تتناول الواقع وتعقيداته بقدر ما ظلت تعبر عن رؤية معديها وتصوراتهم الفانتازية للحالة السياسية بعيدا عن تعقيدات الواقع وحقائقه المرة.
إن الحل البدجيل هو العودة إلى الواقع، . . . فعودوا أيها السياسيون اليمنيون وأيها الشركاء الخليجيون، إلى الواقع واستمعوا إلى مواطنٍ بسيط ارتبط بتعقيدات المشهد السياسي اليمني وعرف الكثير من أدق التفاصيل على مدى ربع قرن من الممارسة السياسية في أقرب دهاليز صنع القرار السياسي اليمني في السلطة والمعارضة.
أخيرا:
الشراكة التي جرت صياغتها في اتفاق الرياض ومشاورات الرياض أمام خيارين:
• إما الاستمرار بتحمل مسؤولة الشركاء ورفع العذابات عن الجنوبيين جراء سياساتهم الفاشلة، وهو أمرٌ ممكن وليس مستحيلاً، وإما الموت الحتمي لهذه الشراكة والانتقال إلى المجهول الذي لا يمكن أن يتوقعه حتى من وضعوا تلك الشراكة الخائبة.
• في التعليق على منشور سابق لكاتب هذه السطور عن الشراكة، تساءل أحد المعلقين: يا دكتور عيدروس هل تعتقد أنه لو تولى عيدروس الزبيدي رئاسة مجلس القيادة الرئاسي سينجح في مهمته وينهي أزمة الخدمات وحرب التجويع؟ قلت له أعتقد أنه سينجح، ولو لم ينجح سيكون بمقدور الجنوبيين محاسبته، لأنهم هم من فوضوه بمهمته التاريخية، لكن من يجرُء على انتقاد رشاد العليمي أو حتى التفكير في محاسبته وهم المعين من قبل دول التحالف العربي ويعتبر أي إساءة إليه إساءة للوحدة اليمنية التي لم تعد موجودة؟.؟