تسعى تركيا لحماية نفوذها في سوريا والحفاظ على جهودها التي بذلتها على مدى سنوات لإسقاط بشار الأسد من خلال رهن الإدارة الجديدة باتفاق دفاعي يؤسس لوجود عسكري تركي مباشر في البلاد وإنشاء قاعدتين عسكريتين وسطها، لتأمين استعمال الأراضي السورية في أنشطة عسكرية تركية.
ويعرف الأتراك أن إضفاء الشرعية على النفوذ يحتاج إلى الجرأة وسرعة التنفيذ والتحرك في العلن بقطع النظر عن ردود الفعل في سوريا أو خارجها، وقد كسبوا خبرة كافية في ذلك نتيجة الاتفاق الذي حصل مع حكومة فايز السراج في غرب ليبيا عام 2019، حيث تمسكت به أنقرة رغم الضجة الكبرى التي ثارت ضده، وبمرور الوقت تحول الوجود التركي في ليبيا إلى أمر واقع سواء بالنسبة إلى الليبيين أو دول الجوار.
ويرى مراقبون أن الاتفاق الأمني الجديد يظهر مستوى التخطيط التركي في العلاقة مع المنطقة واستثمار الأزمات وتحويلها إلى فرص، في وقت لا تزال فيه تحركات بعض دول الإقليم تراوح مكانها في التعاطي مع ما يجري في سوريا ومن قبل مع ما جرى في ليبيا.
ومن شأن اكتفاء دول الإقليم بمراقبة المنجزات التركية في سوريا، أو إرسال إشارات دعم لها ومساندتها بإضفاء الشرعية على الإدارة الجديدة، أن يمهد الطريق أمام لحاق سوريا بالنفوذ التركي بشكل دائم.
وقالت مصادر مطلعة إن الاتفاق الدفاعي المشترك، الذي من المفترض أن يكون قد تم الإجماع على مختلف جوانبه خلال زيارة الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع إلى أنقرة ولقائه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مساء الثلاثاء، يتضمن إنشاء قاعدتين جويتين تركيتين في وسط سوريا وتدريب الجيش السوري الجديد.
ومن شأن هذا الاتفاق أن يجعل تركيا القوة الخارجية الثانية التي لديها قواعد عسكرية كبرى في سوريا بعد روسيا. كما أنه يؤشر على مسعى تركي لخلافة النفوذ الروسي في سوريا، وأن أنقرة قد تكون وراء تحريك مطلب إخلاء قاعدتي طرطوس وحميميم الروسيتين.
ويرجح المراقبون أن يكون الاتفاق الدفاعي واجهة لاتفاقيات أخرى تفصيلية تمهد الطريق أمام الشركات التركية للسيطرة على الاقتصاد السوري في وقت يقول فيه رؤساء شركات وجمعيات تركية إنهم يعملون على إنشاء طرق شحن جديدة ووضع خطط استثمارية لتعزيز الطاقة الإنتاجية في سوريا التي عصفت بها الحرب، متوقعين نموا كبيرا في العلاقات الاقتصادية بين البلدين.
وأشاد الشرع في المؤتمر الصحفي مع أردوغان بوقفة تركيا “التاريخية” إلى جانب الشعب السوري خلال السنوات الماضية، ودعاها إلى شراكة إستراتيجية مع بلاده في مختلف المجالات. وذكر أردوغان أن تركيا مستعدة لمساعدة القيادة السورية الجديدة في المعركة ضد داعش والمسلحين الأكراد، وأنه يرى أن العودة الطوعية للمهاجرين السوريين ستتسارع بالتزامن مع استقرار الوضع في البلاد.
وتستعد أنقرة للقيام بدور رئيسي في سوريا الجديدة وملء الفراغ الذي خلفته إيران، التي كانت داعما رئيسيا للأسد، توسيعا لنفوذ تركي ربما يثير منافسة مع دول الخليج ويقلق إسرائيل.
وهذه هي المرة الأولى التي يُكشف فيها عن ترتيب دفاعي إستراتيجي لقادة سوريا الجدد. وكانت القيادة السورية الجديدة اتخذت قرار حل الجيش ومختلف الفصائل المسلحة وتعمل حاليا على دمجها في قيادة عسكرية جديدة.
وقال مسؤول مخابراتي من المنطقة ومسؤول أمني سوري ومصدر أمني أجنبي مقيم في دمشق إن المحادثات ستتضمن إنشاء قاعدتين عسكريتين تركيتين في المنطقة الصحراوية الشاسعة وسط سوريا والمعروفة باسم البادية، ما يسمح لتركيا بالدفاع عن المجال الجوي السوري في حالة وقوع أي هجوم في المستقبل.
والموقعان المحتملان للقاعدتين الجويتين هما مطار تدمر العسكري ومطار التيفور التابعين للجيش السوري، وكلاهما في محافظة حمص. وتحرص أنقرة على إقامة قواعد هناك كي ترسل رسالة إلى المقاتلين الأكراد في شمال شرق سوريا المعروفين باسم وحدات حماية الشعب.
وتنظر أنقرة إليهم على أنهم امتداد لحزب العمال الكردستاني الذي يشن حملة تمرد على الدولة التركية منذ 1984 وتصنفه أنقرة وواشنطن جماعة إرهابية.
وهددت تركيا بشن هجوم عسكري على وحدات حماية الشعب، لكنها أرجأت ذلك في ظل إجراء محادثات بشأن مصير القوات الكردية.
وقال مسؤول في الرئاسة السورية إن الشرع سيناقش مع أردوغان “تدريب القوات المسلحة التركية للجيش السوري الجديد، بالإضافة إلى مجالات الانتشار والتعاون الجديدة،” دون أن يحدد مواقع الانتشار.
وقال فخرالدين ألتون رئيس دائرة الاتصالات في الرئاسة التركية الاثنين إن أردوغان والشرع سيبحثان أحدث المستجدات في سوريا والإجراءات المشتركة المحتملة لإعادة بناء الاقتصاد السوري وتحقيق الاستقرار والأمن.
وأشار الكرملين الاثنين إلى أن روسيا تجري محادثات أيضا مع الإدارة الجديدة في دمشق بشأن مصير قاعدتين عسكريتين لها في سوريا، وهما قاعدة بحرية في طرطوس وأخرى جوية قرب مدينة اللاذقية الساحلية.
وفي مقابلة أجريت في يناير قال وزير الدفاع السوري مرهف أبوقصرة إن قادة البلاد الجدد سيسعون إلى إقامة علاقات وطيدة في المنطقة، مضيفا أنه من خلال هذه العلاقات ستكون سوريا قادرة على بناء قوتها العسكرية بشكل جيد. وذكر أن هذه العلاقات إذا أدت إلى شراكة في التسليح أو التدريب أو الدفاع الجوي أو غيرها من القضايا، فإنهم سيرحبون بذلك، دون أن يذكر تركيا.
وقال وزير الدفاع التركي يشار غولر في ديسمبر إن أنقرة “مستعدة لتقديم الدعم اللازم إذا طلبته الإدارة (السورية) الجديدة.” وأضاف في ذلك الوقت أن أنقرة قد تناقش وتعيد تقييم قضية الوجود العسكري التركي في سوريا مع الإدارة السورية الجديدة “عندما تصبح الظروف اللازمة سانحة.”