آخر تحديث :الخميس - 20 فبراير 2025 - 05:11 م

كتابات واقلام


الجنوب من الازدهار إلى الدمار

الإثنين - 17 فبراير 2025 - الساعة 09:20 م

رائد عفيف
بقلم: رائد عفيف - ارشيف الكاتب



عندما توحد الجنوب مع الشمال في عام 1990، كان الجنوب يتمتع بالاستقرار الاقتصادي. الدينار الجنوبي كان يعادل ثلاثة دولارات أمريكية، مما يُظهر قوة الاستقرار المالي الذي تمتع به الجنوب آنذاك. راتب أقل موظف في الجنوب كان يعادل 200 دولار شهريًا، مما يعكس مدى الرفاهية والكرامة التي كانت متاحة لجميع المواطنين. اليوم، للأسف، انخفض راتب أقل موظف إلى 25 دولارًا، وأصبح الدولار الواحد يعادل 2030 ريال.

ليس ذلك فحسب، بل كان التعليم مجانيًا، وبعض الطلاب كانوا يتلقون مساعدات مالية شهرية في بعض الكليات والمعاهد. وكان العلاج أيضًا مجانيًا، مما كان يوفر للمواطنين خدمات صحية عالية الجودة دون أعباء مالية. وكانت الأمية شبه معدومة في الجنوب، مما يعكس مدى اهتمام الدولة بالتعليم وتوفير فرص متساوية للجميع. وفي ذات السياق، كان يتم إرسال الطلاب للدراسة في الخارج لتحسين مهاراتهم والاستفادة من التعليم الدولي.

عندما قمنا بسؤال كبار السن عن الأوضاع في الجنوب قبل الوحدة، أشاروا بندم وحسرة إلى أن الأوضاع كانت أفضل بكثير. كانوا يتحدثون عن الأمان والاستقرار وتوفر الخدمات الأساسية بجودة عالية. الجميع كان يعيش بكرامة، وكانت الفجوة بين الأغنياء والفقراء محدودة. بيد أن تلك الأيام الجميلة تحولت إلى ماضٍ بعيد.

كمثال بسيط على التغيرات الكبيرة، كان الجنوب يمتلك أسطول طائرات “اليمداء” الذي كان مملوكًا بالكامل للدولة بنسبة 100%. وفي الشمال، كانت “اليمنية” شراكة بين الجمهورية العربية اليمنية والسعودية. وفي ذات السياق، كان من المفترض أن تكون هناك شركتان للطيران في اليمن الموحد. كيف تحوّل هذا الإنجاز الضخم إلى رماد؟

يتساءل المواطنون: عندما استلم علي عبدالله صالح الحكم بعد الوحدة، هل رأى في الجنوب مجرد غنيمة لزيادة ثروته؟ كانت الوحدة بالنسبة لنا حلمًا جميلًا، ولكن الواقع الذي عايشناه كان كابوسًا يزداد سوءًا مع كل يوم. تدهور العملة، وارتفاع نسبة البطالة، وانعدام الاستقرار الاقتصادي، كلها نتائج لسياسات فاشلة واستغلال متعمد لموارد الجنوب.

وبعد اجتياح الجنوب في عام 1994، دمروا عشرات المصانع التابعة لدولة الجنوب بدلاً من الاستمرار في تحسينها وتطويرها، وتم تسريح الأيادي العاملة. كذلك تم تسريح ضباط وجنود الجيش الجنوبي، مما أدى إلى فقدان العديد من الكفاءات والمواهب الوطنية.

الأمر الأكثر غرابة هو أن الجيش وشيوخ القبائل في الشمال كانوا وما زالوا يتلقون رواتبهم من السعودية، بل وحتى الرئيس صالح نفسه كان يحصل على مبلغ مالي شهري من السعودية. ورغم ذلك، يتهموننا نحن في الجنوب بأننا كنا في مجاعة!

في الحقيقة، هم لا يريدون دولة نظام وقانون، بل يسعون للحفاظ على الفوضى والاستفادة منها. واليوم يستخدمون جنوبيين في نشر الفساد في الجنوب، مما يزيد الأمور سوءًا. من بين مظاهر الفساد المستشرية، تصرف اليوم شهادات مزورة، مما يضعف من قيمة التعليم ويضر بفرص الشباب الصادقة. بالإضافة إلى ذلك، هناك إضرابات واسعة في المدارس الحكومية، مما يشل العملية التعليمية.

من الفساد المستشري للنظام السابق أيضًا، تصرف رخص لحفر آبار النفط لأشخاص وقيادات عسكرية وشيوخ، مما يعني أن نفط الدولة يذهب لهؤلاء. كما تم تقسيم ميناء بين الدولة واثنين من التجار النافذين للنظام وتأجيره لهم، وما خفي أعظم.

الوضع أصبح لا يُحتمل بالنسبة للمواطنين. لم يعد المواطن يستطيع تحمل هذه الأوضاع الصعبة والمتدهورة. المشكلة الحقيقية تكمن في استمرار نفس القيادات التي ساهمت في دمار البلاد. لم يتغير شيء، نفس الوجوه ونفس الفساد، بل زاد الأمر سوءًا. الخدمات الأساسية تدمرت، الكهرباء تتعطل، الماء نادر، التعليم والصحة في حالة يرثى لها. وفي ذات السياق، كيف يمكن لأمة أن تنهض بدون البنية التحتية التي تدعم حياة كريمة لمواطنيها؟ كيف يمكن للجنوب أن يتحمل هذا الدمار الذي حلّ به؟

نحن اليوم أمام تحدي كبير. علينا أن نقف ونطالب بحقوقنا، علينا أن نرفع صوتنا ونقول للعالم أجمع: هذا ليس ما كنا نحلم به، ولن نقبل بهذا الواقع المزري. الجنوب لن يسكت ولن يستسلم. سنظل نكافح حتى نستعيد مكانتنا ونعود إلى الازدهار والكرامة التي كنا نتمتع بها.