آخر تحديث :السبت - 22 فبراير 2025 - 01:14 م

تحقيقات وحوارات


دارسعد .. مدينة يخنقها العطش !!

الخميس - 25 أبريل 2019 - 09:21 م بتوقيت عدن

دارسعد .. مدينة يخنقها العطش !!

تقرير خاص :

الاستهلاك غير المقنن والربط العشوائي أبرز الأسباب..

دارسعد .. مدينة يخنقها العطش !!

الأهالي ينتظرون استجابة الجهات الحكومية لإنهاء معاناتهم


بعد أن كان موقعها القريب من أهم مصادر للمياه ( آبار محافظة لحج ) يجعلها بمنأى عن أزمة انقطاع المياه وشحتها التي تتضاعف يوما بعد يوم وتكاد تطبق على أغلب الأحياء في العاصمة عدن؛ دخلت مديرية دارسعد بأحيائها وضواحيها المترامية في دوامة البحث عن ماء للشرب، وبلغت معاناة الأهالي فيها حد الشكوى من اقتراب كارثة الموت عطشا، خصوصا الأحياء القديمة في وسط المدينة والتي كانت حتى وقت قريب مركز المديرية وأهم تجمعاتها السكانية، قبل أن تعرف الأطراف الشمالية والشرقية والغربية زحفا عمرانيا و"استثماريا" هائلا تحولت بفعله أغلب الأحياء القديمة إلى تجمعات منسية تفتقر إلى كثير من الأساسيات ويعاني قاطنوها الأمرين للحصول على أهم مقومات البقاء وفي مقدمتها الماء الصالح للشرب .

ومع استفحال أزمة تموينات المياه التي تكاد تشمل كل مديريات العاصمة عدن نالت مديرية دارسعد نصيبا وافرا من المعاناة بدأت بالسهر إلى ساعات متأخرة من الليل تمتد إلى تباشير الفجر من كل يوم بانتظار قدوم الماء وتأمين ما تيسر منه، لتصل اليوم إلى عبثية الانتظار بعد أن جفت المواسير وتمنعت القطرات القليلة عن أفواه الساهرين والساهرات بالمنازل وهم قيد الانتظار !!.

غاب الماء، وأضحت أكثر الأحياء في المديرية المترامية الأطراف عطشى لا يكاد يسمع فيها سوى " فحيح " المواسير وصفيرها الدال على أن المعاناة ما زالت قائمة رغم الوعود الكثيرة والكلام ( الكبير ) الذي يتردد هنا وهناك عن قرب النهاية لأزمة لا يبدو بأن لها خاتمة !.

وبعد أن كان من النادر مشاهدة "بوزة" الماء في أحياء وسط دارسعد وعلى الجهتين الشرقية والغربية التي يسمي بها الأهالي أهم أجزاء مدينتهم، أصبح المشهد الآن مألوفا جدا بالنسبة لكثير من القادرين على الدفع سواء بشكل منفرد لبعض الأسر، أو بالشراكة بين أكثر من أسرة بالنسبة لغيرها، فيما اعتمدت الغالبية من البسطاء على التنقل ذهابا وإيابا بين الأزقة والشوارع للحصول على ما يروي العطش ويعين على قضاء الحاجة .

يتحدث كثيرون اليوم عن أزمة في وصول المياه إلى المناطق المرتفعة في أحياء مثل كريتر والمعلا والتواهي حيث يعيش الأهالي فيها أياما "بيضاء" من دون ماء ويصر بعض المعنيين من المسؤولين على تصنيف الأزمة وكأنها مشكلة فنية أو تقنية ويضعون عوامل الارتفاع كأبرز مسبباتها، كما لا يتأخر بعضهم عن إطلاق الوعود بإيجاد المعالجات، غير أن أولئك ربما لا يدركون أن دارسعد الواقعة في مكان هو أبعد ما يكون عن مسبباتهم المزعومة باتت أيضا تعاني الشح بصورة تفوق حتى بعض المناطق المرتفعة التي يحصرون المشكلة بها وفيها، علما بأن دارسعد هي الأقرب من كل مديريات المحافظة إلى الآبار في منطقة بئر ناصر بلحج، وهي أيضا اقرب من غيرها إلى خطوط الضخ القادمة من أبين التي كانت حتى وقت قريب ملاذا للباحثين عن إرواء العطش عند حدوث مشكلة ما في الخطوط القادمة من لحج .

استهلاك غير مقنن !

قد يكون من غير المعقول الحديث عن استهلاك عشوائي (غير مقنن ) للمياه في ظل النقص الحاد في الإنتاج وزيادة عدد المستهلكين بفعل التوسع العمراني والزيادة السكانية، وفي ظل الشكوى من العطش التي تكاد لا تقتصر على مدينة أو منطقة بعينها، غير أن المواطنين في دارسعد تحديدا يتحدثون عن وجود العبث في الاستهلاك من طرف معامل وورش و"مصانع" تم إنشاءها حديثا في الضواحي القريبة من المدينة واصبحت تستحوذ على نصيب الأسد من المياه حسب قولهم، في الوقت الذي يقتضي فيه العمل على الترشيد لضمان وصول الماء إلى منازل المواطنين المطالبين بدفع فواتير الاستهلاك للجهات الحكومية العاجزة عن الوفاء بالتزاماتها تجاههم و الذين لا حول لهم ولا قوة أمام العابثين بهذه الثروة الضرورية لاستمرار الحياة .

عوامل أخرى

والى جانب الكم الكبير من المياه الذي تستأثر به المعامل الخاصة بمعالجة المياه وغيرها من الجهات المشار إليها في أحاديث المواطنين، تضع بعض المصادر عوامل أخرى فنية باعتبارها مساعدة على مضاعفة المعاناة ، حيث يدور الحديث عن آبار متوقفة عن العمل بسبب وبغير سبب، وشبكة توصيلات تالفة تساهم في زيادة الفاقد الذي يهدر ولا يتم الاستفادة منه، ضف إلى ذلك ما يتسبب به المواطن نفسه من ضرر على الشبكة وإضرار ببقية المستهلكين من توصيلات إضافية للفوز بالماء دونا عن الآخرين ناهيك عن الربط العشوائي الذي يلجأ إليه الكثيرون ممن بنوا حديثا أو استحدثوا وأضافوا لمنازلهم في الفترة الأخيرة وتحديدا منذ بداية الحرب والذين يقومون بالربط ذاتيا دونما إجراءات رسمية ودون عدادات، وهؤلاء كما يقول المواطنون يحظون بظروف استهلاك أفضل من المستهلكين الشرعيين بفضل حرية الربط من الشبكة الذي يتم في الغالب بواسطة فنيين وعمال في مؤسسة المياه نفسها !!.

حلول لم تعد تجدي !

في البدايات الأولى لأزمة وصول المياه إلى المنازل في دارسعد حاول بعض الأهالي اللجوء إلى الحلول الكفيلة بتذليل هذه المعضلة من خلال استخدام " الدينمة" وهو خيار أتاح لأصحابه الحصول على حصة معقولة من المياه بقليل من الجهد والعناء، كما أن لجوء بعض الأسر إلى استخدام "الدينمة" استفادت منه الأسر المجاورة لها، ليساهم ذلك في نوع من الاستقرار الذي لم يستمر بعد أن أصبح من الصعوبة الحصول على الماء حتى باستخدام وسائل الضخ العادية لأسباب ربما يعلمها المعنيون في مؤسسة المياه والمختصون بشؤونها، الأمر الذي يعني انعدام الحلول أمام المواطن البسيط، الذي لا يجد اليوم بديلا عن مخاطبة السلطة المحلية وعبرها الحكومة والدولة علها تستطيع إخراجه من مأزق الموت ظمأ، في مدينة كان الحديث حتى وقت قريب يؤكد أنها تنام على خزان مياه لا تنضب، وأكبر من ذلك تقع ضمن العاصمة عدن التي لم يكن يؤرقها شيء أسمه شحة المياه، قبل أن يجد سكانها و وافديها أنفسهم في خضم أزمات لا تنتهي منها بل وأهمها أزمة المياه !!.

فهل يجد المواطن في دارسعد وغيرها من أحياء العاصمة عدن من يستجيب لاستغاثاته أم أن الصمم قد أصاب من ينبغي عليهم الاستجابة ؟! .