لمن ينتقدون قرار الرئيس.. قراءة قانونية وسياسية .
تثير القرارات السياسية، وخاصة تلك المتعلقة بمستقبل الأوطان، جدلاً واسعاً بين مؤيد ومعارض، وبين من يراها خطوة إيجابية نحو تحقيق الهدف المنشود، ومن يعتبرها إخفاقاً أو انحرافاً عن المسار الصحيح. وفي هذا السياق، برزت بعض الانتقادات الموجهة لقرار الرئيس بشأن تشكيل لجنة تحضيرية لمشائخ الجنوب العربي، معتبرين أنه يشكل خطأً قانونياً أو يضعف الحجة السياسية للقضية الجنوبية. غير أن هذه الانتقادات تحتاج إلى قراءة أكثر عمقاً في سياق القانون الدولي والسياسة الواقعية.
أولاً: القرار في سياقه القانوني
القانون ليس نصوصاً جامدة يتم تفسيرها بمعزل عن الواقع السياسي، بل هو إطار مرن يتفاعل مع التحولات والمتغيرات. وهنا، لا بد من التطرق إلى عدة نقاط رئيسية:
1. مشروعية تشكيل الكيانات التمثيلية
يحق لأي سلطة سياسية انتقالية أو شرعية تشكيل كيانات تمثيلية تساعد في بناء الدولة وتحقيق الاستقرار المجتمعي. فاللجنة التحضيرية لمشائخ الجنوب العربي ليست إعلاناً لدولة جديدة، بل خطوة نحو تعزيز التلاحم الداخلي والاستفادة من المكونات الاجتماعية في صياغة مستقبل الدولة الجنوبية المنشودة.
2. القانون الدولي وحق تقرير المصير
القاعدة الأساسية في القانون الدولي هي احترام حق الشعوب في تقرير مصيرها. وقد أكد المجتمع الدولي في العديد من الاتفاقيات والمعاهدات أن أي شعب يمر بمرحلة انتقالية سياسية له الحق في إعادة تعريف هويته السياسية، شريطة أن يكون ذلك تعبيراً عن إرادة حرة. وقرار الرئيس لا يخرج عن هذا الإطار، بل يتماشى مع رغبة قطاعات واسعة من الجنوبيين في تعزيز هويتهم السياسية.
3. عدم المساس بالحقوق القانونية المكتسبة
الادعاء بأن القرار يسحب من الجنوبيين حقهم القانوني في استعادة الدولة ليس دقيقاً، لأن الاعتراف القانوني بالدول لا يتم فقط بناءً على الأسماء التاريخية، بل على الإرادة السياسية للشعب وواقعية الظروف التي تفرض نفسها على الساحة الإقليمية والدولية.
ثانياً: القرار في سياقه السياسي .
السياسة لا تعمل في فراغ، بل هي تفاعل مستمر مع المعطيات الداخلية والخارجية، والمواقف المتغيرة للقوى الفاعلة. لذا، لا بد من الإشارة إلى النقاط التالية:
1. التكيف مع التحولات السياسية
المتغيرات الإقليمية والدولية تفرض على أي قيادة سياسية البحث عن حلول خلاقة ومبتكرة، وليس التمسك الأعمى بثوابت قد تكون صالحة في مرحلة معينة لكنها بحاجة إلى تطوير في ظل متغيرات المرحلة الجديدة.
2. تفكيك الذرائع القانونية للخصوم
أحد أهم أبعاد القرار هو أنه يسحب البساط من تحت أي جهة تسعى لفرض تفسيرات قانونية تضعف موقف الجنوب في استعادة دولته، إذ إن الانتقالي حين يتحدث عن "دولة الجنوب العربي"، فهو لا يلغي شرعية المطالبة باستعادة الدولة بل يؤكد هوية الجنوب ككيان مستقل عن اليمن الشمالي، وهو أمر يتماشى مع القناعة الشعبية بأن الوحدة اليمنية كانت تجربة فاشلة لا يمكن العودة إليها.
3. تعزيز التماسك الاجتماعي
لا يمكن لأي مشروع وطني أن ينجح دون إشراك مختلف المكونات الاجتماعية والسياسية، بما في ذلك المشائخ والشخصيات الاعتبارية، الذين يلعبون دوراً محورياً في ضبط التوازنات المجتمعية وصناعة القرار السياسي.
ثالثاً: مسؤولية النقد البناء .
النقد السياسي والقانوني مطلوب، لكنه يجب أن يكون موضوعياً وبعيداً عن التأويلات التي قد تضر بالقضية الجنوبية أكثر مما تخدمها. وهنا، من الضروري التأكيد على أن:
الانتقالي ليس في موضع المفاوض الضعيف، بل هو في موقع من يسعى لترسيخ مطالب الجنوبيين في استعادة دولتهم عبر أساليب سياسية وقانونية تراعي الواقع.
أي اعتراض على القرارات يجب أن يكون مدروساً بحيث لا يتحول إلى سلاح بيد الخصوم، ولا يُضعف من زخم المشروع الوطني الجنوبي.
من الضروري إدراك أن الأسماء والمسميات ليست هي الأساس، بل الهدف النهائي هو استعادة السيادة والاستقلال.
قرار في الاتجاه الصحيح .
قرار الرئيس بتشكيل اللجنة التحضيرية لمشائخ الجنوب العربي ليس خروجاً عن القضية، بل هو خطوة نحو تعزيزها في سياق يتطلب منا جميعاً العمل بحكمة وواقعية. وأي انتقاد للقرار يجب أن يكون قائماً على قراءة متأنية للواقع السياسي والقانوني، وليس على ردود فعل متسرعة قد تصب في مصلحة من يسعون لإجهاض مشروع استعادة الدولة.
ختاماً، المعركة السياسية والقانونية لاستعادة الدولة تتطلب مرونة وذكاءً في اتخاذ القرارات، والاستفادة من كل الأدوات المتاحة، بدلاً من الانشغال بجدليات تعطل المسيرة ولا تقدم بديلاً عملياً لتحقيق الهدف المنشود.