آخر تحديث :الأربعاء - 19 مارس 2025 - 03:26 ص

كتابات


توثيق مهم لعالم الأمن والجريمة

الثلاثاء - 18 مارس 2025 - 10:02 م بتوقيت عدن

توثيق مهم لعالم الأمن والجريمة

كتب / د. عيدروس نصر ناصر النقيب.

كرمني الصديق العميد دكتور عمر عبد الكريم عبده ، مدير البحث الجنائي السابق في محافظة عدن ثم في أمانة العاصمة اليمنية صنعاء، ثم مدير أمن العاصمة، كرمني بإهدائي نسخة من كتابه حديث الإصدار الموصوم بــ "تجربتي في عالم الأمن ومكافحة الجريمة – خواطر وذكريات، وقضايا وحوادث إجرامية" الذي بعثه لي من القاهرة مقر إصداره.

الكتاب يأتي في ٢٦٦ صفحة من القطع المتوسط، موزعاً على ستة فصول مسبوقة بعدة عناوين منها إهداء ومقدمة وتقديم وتعريف بالكتاب واستهلال وثلاثة عناوين أخرى، وجميع هذه العناوين تستهلك 29 صفحة من صفحات الكتاب؟.

أما فصول الكتاب الستة فتشمل ثلاثة فصول نظرية تتناول المهام والمشاكل الرئيسية أمام جهاز الشرطة، ثم الكشف عن الجريمة، وتحليل لبعض المفاهيم في المعارف الجنائية والقانونية، بينما يقع الفصل الثالث (بين فصلين نظريين) كخليط بين النظري والعملي تحت عنوان "التنسيق والتعاون بين الإدارات المختلفة" وتكرِّس الفصول الثلاثة الأولى للأمور النظرية الصرفة.

أما الفصل الخامس الذي يحمل عنوان " الجرائم والحوادث الجنائية -نماذج من الواقع" فهو مكرس كما في العنوان، لاستعراض أنواع الجرائم والحوادث ذات الطبيعة الإجرامية والجنائية والإرهابية وجزء منه لقضايا الابتزاز الإلكتروني، وجميعها من القضايا التي عاشها المؤلف وتشمل قرابة نصف الكتاب، لكنها تعبر عن عينات حية من تلك الجرائم التي كان المؤلف حاضراً فيها ومشاركاً في متابعتها والكشف عن ملابساتها، من خلال المشاركة في التحري والمتابعة والملاحقة والتحقيق مع المتهمين في تلك الجرائم وكشف الكثير من الخلفيات والأسباب النتائج، أما الفصل السادس والأخير فقد سخره المؤلف لعدد من الذكريات المتفرقة أهمها ذكريات العمل في محافظة عدن إبان جمهورية اليمن الديمقراطية، أيام ما يطلق عليه الكثير من الناشطين الإعلاميين والسياسيين والمواطنين العاديين بــ"الزمن الجميل" وذكريات متفرقة عن العمل في صنعاء وغيرها من الذكريات.

لن أتوقف عند المواد التمهيدية للكتاب التي شارك فيها بجانب المؤلف عددٌ من الكتاب منهم السفير المصري السابق في اليمن السيد أشرف عقل، والكاتب الصحفي المعروف الصديق منصور هائل، وآخرون، ولدي حولها بعض الملاحظات الفنية الصرفة ولا علاقة لها بالتخصص الذي ليس لدي فيه من المهارة أكثر مما لدى الفلاح من المهارة في طب وجراحة العيون. وهذه الامور سأناقشها مع المؤلف شخصياً.

في الفصول النظرية يقدم الدكتور عمر مادة نظرية غنية بالمعارف الشرطوية والأمنية وما يتصل منها بالبحث الجنائي والتعامل مع الجريمة والمجرمين، وبمتطلبات الإدارة الناجحة في قيادة الأمن ومكافحة الجريمة، وأهمية العلاقة بين الإدارة والسياسات الأمنية وبقية أقسام العمل الأمني والبحثي الجنائي ومكافحة الجريمة باعتبار هذه الأقسام والدوائر المتخصصة تمثل جسماً متكامل الأعضاء لكيانٍ حيٍ واحدٍ لا انفصام بين أعضائه وأجهزته وأنسجته ووظائفه المختلفة، وفي تصوري أن هذه الفصول يمكن أن تفيد القارئ غير المتخصص كثيراً لكنني أتصور أن على كل رجل أمن جندياًَ كان أو قائداً أن يقرأها ليتعلم منها الكثير فهي تقدم فصولاً دراسية كاملة نابعة من تجربة عملية لرجلٍ عركته الحياة المهنية وراكم خلالها من الخبرات والمهارات والتجارب ما مكنه من استخلاص بعض الدروس والعبر المهمة التي تفضل بها على كل من تهمه القضايا الأمنية وقضايا مكافحة الجريمة بمختلف أشكالها وتصنيفاتها.

* * *

يمثل الفصل الخامس الجزء التطبيقي الرئيسي في كتاب الدكتور عمر عبد الكريم، وهو إذ يقدم تمهيداً قصيراً لمفهوم الحوادث الإجرامية ينتقل بعده إلى تفاصيل مستمدة من تجربته العملية عن أحداث وجرائم شارك شخصياً في متابعتها والتحقيق فيها بل والقبض على بعض الجناة، وإيصالهم إلى ساحات القضاء.

"الحوادث الإجرامية -يقول الدكتور عمر- هي الوجه الآخر للحياة، ولا يعيشها إلى من عصفت به أو ارتطم بجدارها، إما أن يكون بطلاً (بطلاً إجرامياً)، أو أن يكون ضحيةً لها"، ويواصل "وأصعب المواقف عندما يكون الضحايا من الأطفال والنساء، فيقف بينهما رجل الأمن الذي يعيش أحداثها وأدقَّ تفاصيلها، عندما يتغلغل في أعماق النفس الإنسانية الشاذة، أو النفس التي أصابها والرعب منها" .

يقدم الدكتور عمر في هذا الفصل عدداً من النماذج

الحية لجرائم مختلفة: جرائم قتل، جرائم جنسية واغتصاب، سرقة، سطو، إرهاب، اقتحام منازل أو مخازن أو محلات تجارية، اختطاف، جرائم متصلة بالسحر والشعوذة، والجرائم الإلكترونية وغيرها.

لست ميالاً إلى قراءة الروايات البوليسية، وبرغم احتشاد مكتبتي بكل الروايات المترجمة إلى العربية للكاتبة (أجاثا كريستي) أشهر كاتبة للقصص البوليسية إلا إنني لم أكمل منها قراءة روايتين أو ثلاث فقط، ولا أتصور أن لدي من الوقت الكافي ما يعيدني لقراءتها، لكن متابعتي للعينات التي قدمها الدكتور عمر في كتابه، ولدت لدي من الشغف والرغبة في التعرف على المزيد من التفاصيل لتلك القصص التي تقترب في أحداثها ومفاجآتها من التمثيليات أو المسلسلات والأعمال الدرامية البوليسية، وقد نجح المؤلف في تقديم بعض القضايا في قالبٍ روائيٍ ممتع من حيث صناعة الأسئلة واستدعاء ملكة التخمين والتلهف لدى المتابع لمحاولة الوصول إلى الأسرار التي تقف خلف القصة (الجريمة) كما في قصة "جريمة قتل في ساحل أبين" (ص126-129) أو "قضية نشالة الذهب" (ص 150-156) أو "جريمة سرقة فيللا سكنية" و"جريمة سرقة شقة سكنية" (ص 157-165)، وغيرها قصص كثيرة، وفي اعتقادي أن الدكتور عمر يمتلك من الملكات السردية، الروائية ما يمكنه من أن يصنع من هذه القصص ومثيلاتها أعمالاً أدبية شديدة الإثارة لتغدو نواة لأعمال درامية ممكنة فيما لو لاقت من يهتم بها ويقوم بإخراجها درامياً، ولكم تمنيت أن تسير كل القصص على نفس المستوى من العرض، من حيث التقديم والمتابعة وعرض عقدة المشكلة ثم تفكيك ألغاز القصية وكشف أسرارها، ووضع النتائج النهائية لتعريف القارئ بنتائج العمل الكبير الذي كان يبذله أبطاله من رجال الشرطة من المتابعين والبحث الجنائي ورجال التحري والمحققين بالتعاون مع رجال النيابة العامة، أو ما كان يُسَمَّى في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية حيث معظم القضايا المعروضه برجال الادعاء العام.

أقول هذا لمعرفتي للمهارات الفائقة التي يتمتع بها رجال الأمن والبحث الجنائي خصوصاً في زمن ما قبل العام 1990م ، ولأن هذه الأمور تهمني كمواطن عاش ذلك الزمن الذي من حق الناس أن يطلقوا عليه بــ"الزمن الجميل".

لست بصدد استعراض جميع القصص المثيرة والأعمال المذهلة التي تعرض لها المؤلف ولا بصدد استعراض المهارات الفائقة التي أبداها رجال الأمن وفي مقدمتهم رجال البحث الجنائي في استكشاف أسرار وخفايا الجرائم التي أوردها الكاتب لكنني أشير إلى أن الجريمة في زمن ما قبل 1990م لم تكن تمر دون متابعة وملاحقة واكتشاف خفاياها، ومحاسبة مرتكبها مهما كبر أو صغر حجمها، وكان من النادر أن تنتهي جهود رجال الأمن بتقييد القضية ضد مجهول، بل إنني لم أسمع قد عن حالة كهذه منذ العام 1967 حتى العام 1990م، وان الجرائم الجسيمة لم تمر وتختفي ويختفي فاعلوها إلّا بعد العام 1990، وعلى وجه الخصوص بعد العام 1994م حينما تحولت أجهزة الأمن إلى أدوات قمع وملاحقة وتنكيل بالمعارضين من رجال الإعلام والسياسيين وأهملت وربما تناست عمداً وظيفتها الأمنية المتمثلة بحماية حياة الوطن والمواطنين قبل حماية المسؤولين وكبار القادة السياسيين.

وقبل الختام أود الإشارة إلى عدد من الملاحظات العابرة عن الكتاب، وهي ملاحظات كما قلت تتصل بالجوانب الفنية أكثر مما تتصل بجوهر القضية الأساسية التي توقف عندها الكاتب ونجح في إيصالها إلى المستهدفين بكتابه من رجال الأمن والمواطنين المهتمين بالشأن الأمني ومنهم جزءٌ من الطبقة السياسية (في الحكم والمعارضة) وتنحصر ملاحظاتي في ما يلي:

1. طول عنوان الكتاب الذي يقع في نحو ثلاثة أسطر، وجزء من العنوان عبارة عن عنوان توضيحي، هذا النص الطويل يقلل من جاذبية العنوان ويدفع الكثيرين إلى عدم الاكتراث باقتناء الكتاب، وفي نظري أن المادة الإيضاحية سيكتشفها القارئ الجاد من خلال قراءة عناوين لالفصول ناهيك عن قراءة كامل الكتاب أو أغلب فصوله.

2. الإكثار من العناوين والنصوص التمهيدية، التي تسبق الفصل الأول، الواقعة في تسعة نصوص، وفي اعتقادي أنه كان يمكن الاكتفاء بالإهداء والمقدمة والتقديم، ورأي شخص من المساهمين في تقديم الكتاب، ونقل بقية العناوين إلى متن الكتاب في مكانها المناسب، خصوصا وإن أغلبها من كتابة المؤلف نفسه.

3. وضع الفصل الثالث (الأكثر قرباً من الجانب العملي بين فصلين نظريين، (الثاني والرابع) وكم تمنيت لو إن المؤلف أجل مواد هذا الفصل إلى الفصل الرابع، وقدم عليها الفصل الرابع ذا الطابع النظري، ليكون تحت مسمى الفصل الثالث.

4. قدم الدكتور عمر بعض القصص بصورة مبتورة من النصف لأسباب لم يبرر لنا لماذا توقف عن استكمال تفاصيلها ومتابعتها إلى النهاية، إن كان لديه مثل هذه التفاصيل.

إن هذه الملاحظات التي تتعلق بالجوانب الفنية لا تلغي ما للكتاب من أهمية، وما يتضمنه من معارف ومفاهيم ومعلومات وتعليمات وخبرات وتجارب تمكن الكاتب من تكديسها من خلال عمله في البحث الجنائي وفي الجهاز الأمني وبعض السنوات التي قضاها في المحامات، التي يبدو أنها أتت بعد حرب 1994م حينما جرى إقصاء الكثير من الكوادر الفنية الماهرة من أمثال الدكتور عمر، لا لشيء إلا لانتمائهم إلى النظام الوطني الجنوبي الذي جاءت الحرب لاستئصاله وإسقاط كل ما حفل به تاريخه المشرق من إنجازات ونجاحات عجز المنتصرون عن حمايتها أو تحقيق الربع أو الثمن من مثيلاتها، بل وحرصوا على تدميرها معتقدين أنها ستزيل من ذاكرة الشعب كل ما له صلة بذلك الزمن الجميل فإذا بالنتائج تأتي معاكسة لما سعى إليه الحمقى من مستشاري السوء ومهندسي الخراب.