آخر تحديث :الأحد - 16 مارس 2025 - 06:58 ص

اخبار وتقارير


اليمن.. الجنوب في ظلال الشرق : "الزبيدي" من شبوة إلى المهرة وصمت "العليمي" في لعبة ما بعد "بن مبارك"

الأحد - 16 مارس 2025 - 01:58 ص بتوقيت عدن

اليمن.. الجنوب في ظلال الشرق : "الزبيدي" من شبوة إلى المهرة وصمت "العليمي" في لعبة ما بعد "بن مبارك"

وضاح قحطان الحريري

يتحرك المشهد السياسي في الجنوب بوتيرة متسارعة، تزامناً مع تحديات داخلية وإقليمية تعيد رسم موازين القوى. وبينما يواصل الرئيس عيدروس الزبيدي جولاته في شبوة والمهرة وحضرموت، تتشابك المصالح المحلية والدولية في إطار إعادة ترتيب المشهد السياسي. فهل يمهد هذا الحراك لمرحلة جديدة تعزز موقف الجنوب أم أن القوى المناوئة ستنجح في إجهاض هذا المشروع؟

حيث تشهد محافظات الجنوب حراكًا سياسيًا متسارعًا، يتجلى في زيارة الرئيس عيدروس الزبيدي إلى شبوة والمهرة وحضرموت في توقيت دقيق يفرض نفسه على المشهد المحلي والإقليمي. هذه الزيارة لم تكن بروتوكولية أو مجرد تحركات اعتيادية، بل جاءت محملة برسائل سياسية وشعبية تجاوزت اللقاءات الرسمية لتصل إلى عمق الشارع الجنوبي بكل ما يحمله من آمال وتطلعات.


الجنوب اليوم ليس كما كان بالأمس؛ فالواقع السياسي يفرض معادلات جديدة يحاول البعض إنكارها، لكن الجماهير التي خرجت لاستقبال الزبيدي كانت واضحة في رسالتها التي لا تراجع عن المشروع الوطني الجنوبي ولا مساومة على استعادة الدولة. الهتافات التي ملأت شوارع شبوة والمهرة وحضرموت لم تكن مجرد حماس شعبي، بل انعكاس لحالة وعي سياسي متقدم تشكل عبر سنوات من النضال والاشتباك مع المتغيرات.


زيارة الزبيدي إلى شبوة أعادت التأكيد على أن شبوة ليست خارج الإطار الجنوبي، وأن محاولات فرض واقع سياسي مغاير ستلقى دائماً رفضاً قاطعاً من الشارع. فقد عبّر الشيخ صالح بن فريد العولقي عن هذا التأكيد بقوله إن شبوة كانت وستظل جزءًا أصيلًا من الجنوب، فيما رأى الناشط محمد سعيد الطوسلي أن الزيارة وضعت حدًا لكل محاولات خلق مسافات بين شبوة والمشروع الجنوبي.


في المهرة، كان المشهد مشرقاً؛ إذ اعتبرت الناشطة أميمة كلشات أن زيارة الرئيس الزبيدي هناك تمثل رسالة حاسمة بأن المهرة ليست استثناءً، وأن الجنوب بكافة محافظاته يسير في اتجاه واحد، فيما أشار المواطن سالم زعبنوت إلى أن اللقاءات التي أجراها الزبيدي أكدت على قرب القيادة من الناس ومتابعتها لتطلعاتهم وهمومهم.


وفي حضرموت، حيث تشكل المحافظة ركيزة استراتيجية للجنوب، كان الاستقبال شعبياً ورسميًا على حد سواء. فقد قال المواطن سالم باوزير إن الزيارة تحمل دلالات عميقة، مؤكداً أن القيادة قريبة من الشارع الحضرمي، بينما أشارت الناشطة ليلى بن شملان إلى أن الحضور الجماهيري الكبير لاستقبال الرئيس يعكس مزاجاً عاماً داعماً لمشروع الاستقلال والطموحات المشتركة.


تأتي هذه الزيارة بعد عودة الرئيس الزبيدي من جولة خارجية شملت لقاءات مكثفة مع أطراف إقليمية ودولية؛ إذ تشير المعطيات إلى أن هذه اللقاءات حملت رسائل واضحة بأن القضية الجنوبية لم تعد ملفاً هامشيًا، بل باتت جزءاً أساسيًا من النقاشات الإقليمية المتعلقة بمستقبل اليمن في ظل المتغيرات السياسية الدولية. وقد لمسنا في الخطاب السياسي للزبيدي بعد عودته تأكيداً على وجود تفهّم متزايد من المجتمع الدولي لمطالب الجنوب بحق تقرير المصير ضمن إطار سياسي يضمن الاستقرار في المنطقة.


وفي سياق متصل، برزت توجيهات حكومة بن مبارك التي قضت بعدم السماح لسفر الوزراء والمسؤولين من عدن؛ في خطوة تشير إلى محاولة ترسيخ السيطرة على المقر الرسمي ومنع أي تسرب قد يؤثر على استقرار الحكومة المركزية. هذه السياسة تنمّي منطقًا سياسيًا يتعلق بتقوية الهيمنة الإدارية ومحاولة الحد من الانشقاقات الداخلية التي قد تستغلها القوى المنافسة أو الجهات الخارجية، إذ يُفسر منع تحركات المسؤولين على أنه إشارة إلى تخوف القيادة من خسارة السيطرة على مؤسسات الدولة، وربما محاولة لإعادة ترتيب الأوراق في ظل ضغوط داخلية وخارجية.


كما يتداخل هذا السياق مع الدور المتنامي للمجتمع الدولي، وعلى رأسه المملكة العربية السعودية، في إعادة تشكيل الحكومة اليمنية. إذ بات من الواضح أن هناك جهودًا دبلوماسية لإدخال شخصيات جديدة إلى مسرح السياسة اليمنية، تُعدّ لتولي مهام إدارة المشهد القادم الذي يشهد تغيرات جذرية. دور السعودية والمجتمع الدولي هنا يتجاوز الدعم السياسي إلى محاولة رسم معالم جديدة تضمن استقرار الأوضاع بما يتماشى مع مصالحهم الاستراتيجية في المنطقة؛ هذه التحركات تبشر بظهور وجوه قيادية جديدة قد تجسد جسرًا بين متطلبات الشارع اليمني والضغوط الدولية، مما يعكس واقعًا جديدًا يتشكل فيه المشهد السياسي بناءً على إعادة توزيع القوى والولاءات.


بالتزامن مع التحركات السياسية في الجنوب، تشهد الجبهات في الشمال تصعيدًا عسكريًا واضحًا؛ فقد كثفت القوات الجوية للولايات المتحدة وبريطانيا ضرباتها على مواقع الحوثيين في صنعاء وصعدة ومأرب. وتشير التقارير العسكرية إلى أن هذه الضربات ليست مجرد ردود فعل تكتيكية، بل هي جزء من استراتيجية تهدف إلى تقويض القدرات الحوثية وتحجيم نفوذها. هذه التطورات دفعت المراقبين إلى التساؤل حول ما إذا كنا نقترب من نقطة تحول حاسمة في المواجهة مع الحوثي أم أن المعركة ستستمر في إطار استنزاف طويل.


وفي ظل هذه التحولات، يبقى الجنوب اليمني رمزًا للتماسك الشعبي والسياسي الذي يسعى لإثبات وجوده في مشهد وطن يشهد صراعات داخلية وخارجية؛ فيما تسعى الحكومة المركزية والمجتمع الدولي لتحديد معالم المستقبل عبر إعادة تشكيل السلطة وتوجيهها بما يخدم مصالح الاستقرار ومواجهة التحديات المتزايدة.


قيادة العليمي وخراب الاحزاب


وسط هذه المعادلات المتشابكة، تظهر قيادة العليمي واحزاب الخراب كلاعب ثانٍ ذو تأثير بالغ في لعبة الخراب السياسية. تتبنى القيادة التي يقودها العليمي استراتيجيات خفية تواكب الصراعات الداخلية وتستغل الانقسامات لتحقيق مكاسبها على حساب الوحدة الوطنية الجنوبية . ففي الوقت الذي يسعى فيه الزبيدي إلى رسم ملامح مستقبل يستند إلى تلاحم الشارع الجنوبي وإعادة ترسيخ هويته الوطنية، يقوم العليمي بلعب على وتر الفوضى؛ محاولة لزرع بذور الانقسام والتشكيك في المشروعات التي تعد بمستقبل أكثر استقرارًا. تُعد "لعبة الخراب" هنا مصطلحًا كاشفًا عن المناورات التي ينفذها بعض الفصائل لخلق أزمات داخلية تُستغل لاحقًا لإعادة توزيع موازين القوى. وبينما يتم التلاعب بالسياسات الداخلية لإحداث شقوق في الصفوف وتفتيت الأصوات الواحدة، تستغل القوى الخارجية هذه الفوضى لتعزيز نفوذها وتوجيه السياسات بما يخدم مصالحها الاستراتيجية. قيادة العليمي، برغم ظهورها كمنافس ثانٍ، تلعب دور المُعكّر الذي يحاول استقطاب عناصر الاضطراب، مستفيدة من التوترات القائمة لتأكيد موقعها في قلب لعبة الخراب، مما قد يُغير معادلات السلطة في اليمن في المستقبل القريب.


في خضم هذا المشهد المتشابك، يبقى الجنوب اليمني منارةً للتلاحم الشعبي، رغم محاولات بعض الجهات تفتيت هذا الكيان الحيوي؛ في حين تستمر القيادة التي تسعى لبناء مستقبل قائم على الوحدة والعدالة في رسم ملامح الوطن الجديد.