آخر تحديث :الأحد - 16 مارس 2025 - 04:51 ص

كتابات واقلام


الإجراءات الأمريكية ضد واردات النفط الحوثية ... الآثار الاقتصادية وفرص الاستفادة في مناطق الحكومة الشرعية



في خطوة تصعيدية ضد الحوثيين، بدأت الولايات المتحدة تنفيذ قرارها بحظر استيراد المشتقات النفطية عبر ميناء الحديدة، وهو الإجراء الذي يهدف إلى تجفيف مصادر تمويل الجماعة وتقليص قدراتها الاقتصادية. يحمل هذا القرار أبعادا عميقة تتجاوز البعد السياسي، إذ يؤثر بشكل مباشر على أسواق الطاقة في اليمن، ويعيد تشكيل حركة التجارة والنشاط الاقتصادي في مناطق الحكومة الشرعية، كما يترك بصمته على استقرار العملة الوطنية.

أولا: تأثير القرار على أسواق المشتقات النفطية في مناطق الشرعية:

يعد سوق المشتقات النفطية في اليمن أحد أكثر القطاعات حساسية وتأثيرا على الاقتصاد، حيث يعتمد عليه النقل العام، والزراعة، والصناعة، وحتى توليد الكهرباء. ومنذ فترة طويلة، كانت واردات النفط عبر ميناء الحديدة تلعب دورا رئيسيا في توفير الوقود بأسعار أقل نظرا للإعفاءات الجمركية التي كانت تمنحها الأمم المتحدة لهذه الواردات.
مع تطبيق الحظر، من المتوقع أن تشهد مناطق سيطرة الحوثيين أزمة وقود، ما قد يدفع السوق السوداء هناك إلى ارتفاع جنوني في الأسعار، وهو ما قد يدفع بعض التجار إلى محاولة تهريب المشتقات من مناطق الحكومة الشرعية. أما في المناطق الخاضعة للشرعية، فإن القرار قد يؤدي إلى ارتفاع الطلب على المشتقات النفطية المستوردة عبر عدن والمكلا، مما قد يخلق ضغوطا مؤقتة على الأسعار، خاصة إذا لم تتمكن الحكومة من زيادة المعروض بسرعة كافية لمواكبة الطلب الجديد.

ثانيا: هل يدعم القرار تنشيط الحركة التجارية في مناطق الحكومة الشرعية؟

يتيح القرار فرصة لموانئ عدن والمكلا للاستفادة من تحول عمليات الاستيراد إليها، مما قد ينعكس إيجابا على النشاط التجاري فيها. فزيادة واردات النفط عبر هذه المنافذ تعني زيادة الإيرادات الجمركية، وتحفيز قطاع النقل البحري والبري، وتحريك عجلة الاقتصاد في تلك المناطق.
لكن هذه الفرصة مرهونة بقدرة الحكومة على تنظيم السوق، ومنع الاحتكار، وضمان وصول المشتقات بأسعار تنافسية. فالتجار والموردون قد يستغلون الوضع الجديد لرفع الأسعار دون مبرر، مما قد ينعكس سلبا على المستهلكين ويضعف الفوائد الاقتصادية المتوقعة. لذا، يجب أن ترافق هذه التغييرات إجراءات رقابية صارمة، وسياسات اقتصادية تدعم استقرار الأسعار وتعزز الثقة في الموانئ الجنوبية كمراكز رئيسية للاستيراد.

ثالثا: انعكاسات القرار على العملة الوطنية واستقرار الاقتصاد:

يرتبط سوق المشتقات النفطية ارتباطا وثيقا بسوق الصرف في اليمن، حيث تشكل واردات النفط أحد أبرز مصادر الطلب على العملة الصعبة. ومن هذا المنطلق، يمكن للقرار الأمريكي أن يكون له تأثير مزدوج على العملة اليمنية:

التأثير الإيجابي: إذا تم تحويل عمليات استيراد النفط إلى موانئ الحكومة الشرعية، فقد يؤدي ذلك إلى زيادة الطلب على الدولار عبر القنوات المصرفية الرسمية، مما يعزز تدفق العملة الصعبة ويحد من المضاربة غير المشروعة في السوق السوداء، وبالتالي يساهم في استقرار سعر الصرف.

التأثير السلبي: في المقابل، فإن أي اضطراب في سوق المشتقات النفطية، سواء من حيث التوزيع أو التسعير، قد يؤدي إلى ارتفاع تكاليف النقل وأسعار السلع والخدمات، مما يعزز معدلات التضخم ويفرض ضغوطا جديدة على الاقتصاد، قد تنعكس سلبا على قيمة الريال اليمني.

رابعا: تحديات وفرص للحكومة الشرعية:

بينما يشكل القرار الأمريكي ضغطا على الحوثيين، فإنه يمنح الحكومة الشرعية فرصة لتعزيز سيطرتها على قطاع الطاقة، وإعادة توجيه التدفقات الاقتصادية لصالح المناطق المحررة. ومع ذلك، فإن تحقيق هذه الفوائد يتطلب استراتيجيات واضحة تشمل:

1. ضمان استقرار إمدادات الوقود عبر موانئ عدن والمكلا، والتفاوض مع الموردين لتأمين عقود توريد طويلة الأجل بأسعار معقولة.

2. تشديد الرقابة على الأسواق لمنع التلاعب بالأسعار واحتكار المشتقات النفطية من قبل التجار.

3. إدارة تدفقات العملة الصعبة بفعالية لضمان عدم حدوث تقلبات حادة في سعر الصرف نتيجة لتغيرات سوق المشتقات النفطية.

في المجمل، يحمل قرار الحظر الأمريكي تأثيرات متباينة على الاقتصاد اليمني. ففي حين أنه قد يفاقم الأزمة في مناطق الحوثيين، فإنه يوفر فرصة لمناطق الحكومة الشرعية لتعزيز دورها الاقتصادي والاستفادة من تدفق التجارة عبر موانئها. ومع ذلك، فإن تحقيق هذه الاستفادة يعتمد على مدى قدرة الحكومة على إدارة السوق بفعالية، وضمان وصول المشتقات النفطية بأسعار معقولة، ومنع أي آثار سلبية على العملة الوطنية. فالقرار قد يكون نقطة تحول إيجابية، لكنه أيضا يحمل مخاطر إذا لم تتم إدارته بحكمة وشفافية.

(إعادة نشر التحليل تتطلب موافقة الكاتب).