لا يزال الانقسام الاقتصادي في اليمن يلقي بظلاله الثقيلة على حياة المواطنين اليومية في رمضان. وأدى انقسام البلاد بين مناطق يسيطر عليها الحوثيون في الشمال وأخرى تسيطر عليها الحكومة المعترف بها دوليا في الجنوب إلى خلق نظام نقدي مواز يقول السكان إنه يزيد من الفقر وتحديات الأزمة الإنسانية المتفاقمة بالفعل.
وتسبب هذا الانقسام الاقتصادي في تفاوت حاد في أسعار الصرف والقدرة الشرائية للمواطنين وإمكانية حصولهم على السلع الأساسية. والأمر أشد وطأة على العديد من اليمنيين في شهر رمضان لأن تقاليد الكرم والعزائم تتعارض مع الواقع القاتم المتمثل في ارتفاع الأسعار وتراجع الدخل. والتبعات الاقتصادية مدمرة بالنسبة إلى سكان في مدينة عدن الساحلية مثل أبوبكر السيد.
وقال السيد “بالنسبة إليّ شخصيا، الآن حوالي 60 أو 70 في المئة من القدرة الشرائية أصبحت منعدمة، ما يعني 40 أو 30 في المئة من قدرتي الشرائية، وبالنسبة إلى الوضع المعيشي للبلاد أصبح الوضع سيئا جدا بسبب تدهور العملة وبسبب الانقسام الحاصل بين صنعاء وعدن من حيث القوة الشرائية للدولار والعملة الأجنبية.”
وتدهور الاقتصاد اليمني منذ اندلاع الصراع في 2014. وحظرت حركة الحوثي، التي تسيطر على العاصمة صنعاء، استخدام أو حيازة أوراق الريال اليمني الجديدة التي أصدرتها منافستها الحكومة المعترف بها دوليا ومقرها عدن في الجنوب. وأدت هذه الخطوة فعليا إلى تقسيم النظام النقدي في اليمن وتسببت في وجود اختلاف في أسعار صرف الريال بين الشمال والجنوب.
وقال الصحافي علي الغرباني، وهو من سكان صنعاء “مشكلة كبيرة جدا، إذا أردت إرسال 100 ألف ريال يمني من عدن إلى صنعاء تصل 20 ألفا يعني 80 ألفا تتبخر، والعكس صحيح إذا أردت إرسال 100 دولار إلى عدن هناك مشاكل، أغلب الصرافين في عدن يرفضون استقبال أيّ عملة بالدولار أو الريال السعودي، فهذه مشكلة كبيرة وتسببت في ارتفاع للأسعار.. في فقر.. في انهيار للعملة الوطنية.”
ودافع الحوثيون المتحالفون مع إيران، والذين لا يسمحون إلا بتداول الأوراق النقدية القديمة في مناطقهم، عن الحظر باعتباره خطوة لمكافحة التضخم وما وصفوه بإفراط الحكومة في طباعة النقود.
ووصفت الحكومة المعترف بها دوليا في 2020 الحظر بأنه عمل من أعمال التخريب الاقتصادي. والسكان هم كالعادة من يتضررون في ظل تلك الخلافات. وقال الصحافي ماجد الداعري “نجح الحوثيون في منع تداول الطبعة الجديدة من العملة المحلية التي طبعت في عدن واعتبارها عملة مزورة ونجاحهم أيضا في إيجاد قيمة مصرفية لها تختلف عن القيمة الموجودة في عدن.”
وبعد اقتحام الحوثيين للعاصمة صنعاء في 2014 وإجبارهم لحكومة الرئيس عبدربه منصور هادي على مغادرتها، انقسم البنك المركزي اليمني إلى فرعين، أحدهما في صنعاء تحت سيطرة الحوثيين، والآخر معترف به دوليا في عدن ولديه مطابع النقود.
وأضاف الداعري “استطاعوا أن يمنعوا التعامل بالعملة الجديدة وفرض أمر واقع مصرفي مختلّ وكأن اليمن يعيش بعملتين بقيمتين مختلفتين، وهذا نتيجة طبيعية جدا لآثار الحرب وويلاتها ولأن العملة واحدة من سلاح الحرب التي تم استخدامها في خلال هذا الصراع.”
وسلط محمود قائد رئيس جمعية البنوك اليمنية الضوء على التحديات التي تواجهها المؤسسات المالية التي تحاول العمل في بلد منقسم، ودعا إلى حماية القطاع المصرفي من الصراعات السياسية.
وقال قائد “أبرز التحديات التي تواجه البنوك هي التحديات المتعلقة أولا بانقسام السلطة النقدية والضغوط التي تواجه البنوك بهدف إجبارها إلى نقل مقراتها إلى عدن ، في حين أن البنوك والمواطن والمودعين ليسوا في وقت يستطيعون فيه أن يتقبلوا مثل هذا القرار.”
وتدافع السلطات في عدن عن قرارها بزيادة طباعة النقود الجديدة منذ 2017، قائلة إنها تحاول التعامل مع أزمة نقدية متفاقمة ودفع رواتب موظفي القطاع العام. ويدافع الحوثيون عن الحظر باعتباره وسيلة للدفاع عن قيمة العملة.
وأضاف قائد “جمعية البنوك اليمنية سبق أن قدمت الكثير من المناشدات سواء للجهات الدولية أو لمسؤولي السلطة النقدية في عدن وفي صنعاء بأن عليهم أن يعملوا جميعا لتحييد القطاع المصرفي عن أتون الصراعات السياسية وعن تأثيرها، وأن يتيحوا للبنوك مجال أن تعمل بمهنية وتقدم خدماتها لكل المواطنين سواء في الشمال، في الجنوب، في الشرق أو الغرب.”
وبلغ سعر الريال حتى الثلاثاء 11 مارس 535 ريالا مقابل الدولار في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، وانخفض إلى 2330 ريالا مقابل العملة الأميركية في الجنوب حيث تستخدم الأوراق النقدية الجديدة.