آخر تحديث :الأربعاء - 12 مارس 2025 - 07:10 م

تحقيقات وحوارات


الأسواق الشعبية في الإحساء ووادي حضرموت : تاريخ تجاري عريق وحاضر سياحي واعد

الأربعاء - 12 مارس 2025 - 02:49 م بتوقيت عدن

الأسواق الشعبية في الإحساء ووادي حضرموت : تاريخ تجاري عريق وحاضر سياحي واعد

مسعود عمشوش

٢- سوق الحنظل بسيؤن




تتميز معظم المدن الشرقية باحتوائها على أسواق كبيرة (bazzare)، ترتبط بنشأة تلك المدن. وفي الأساس كانت الأسواق عبارة عن أماكن للتبادل التجاري بين السكان، وفي الغالب بين الحضر والبدو الذين كانوا يتولون نقل البضائع من منطقة إلى أخرى على ظهور جمالهم. وكانت تلك الأسواق، عند نشأتها ذات طابع عام وهو ما يجعلها ذات صبغة شعبية.


وكانت الأسواق الشعبية تقام في مواقع محددة ومعروفة، في الغالب حول قصر الحاكم أو الجامع الكبير. وفي الحقيقة هناك نوعان من الأسواق الشعبية؛ نوع ثابت يظل قائما في مكانه المحدد، ونوع موسمي أو متنقل أو مؤقت لا ينظم إلا يوما واحدا في الأسبوع أو مرة واحدة في السنة و مناسبة معينة، زراعية أو دينية.


وعادة ما تكون الأسواق الشعبية فرصة للقاء بين السكان المحليين والتجار القادمين من مناطق بعيدة. ومن المعروف أن أشهر الأسواق في الجزيرة العربية كان سوق عكاظ بالقرب من الطائف الذي تجاوز الصبغة التجارية وأصبح مناسبة ثقافية وأدبية يلتقي فيها كبار الشعراء العرب.


والأسواق الشعبية العربية كانت تقام عادة في الهواء الطلق، وقليل منها كان يتم سقفه، لاسيما منذ بداية تمدد الدولة العثمانية الذي تأثرت خلاله معظم الأسواق الشعبية العربية بالنمط التركي المسقوف الموجود في سوق الحميدية في دمشق أو القيصرية في الأحساء بالسعودية أو سوق الحنضل بسيؤن، حاضرة وادي حضرموت. وفي السطور الآتية سنسلط قليلا من الضوء على هذين السوقين الشعبيين اللذين أصبحا قبلة المتسوقين من سكان المدينتين، وكذلك وجهة الزائرين والسياح والرحالة من مختلف أصقاع العالم، ويبرزان التحولات المهمة التي طرأت على عادات التسوق، والوظائف الجديدة للأسواق الشعبية في معظم مدن الشرق.


ثانيا-سوق الحنظل بسيؤن:


سيؤن هي حاضرة وادي حضرموت. وقبل ثلاثينيات القرن الماضي كان فيها سوق شعبي متواضع، إذ أن مدينة شبام، الخاضعة للسلطنة القعيطية، كانت هي المركز التجاري الأول بالوادي. وفي تلك الفترة (قبل ثلاثينيات القرن الماضي) كانت معظم أجزاء سوق سيؤن تتركز جنوب وغرب الحصن الدويل (قصر سيؤن الحالي)، الذي كان محاطا بسور وحصون من ناحية الشرق. وكان هناك قفان (ميزان) متواضع جنوب غرب القصر، وحوله تناثرت أجزاء السوق المخصصة لبيع الشطف واللخم والحبوب والعسل.

لكن منذ مطلع ثلاثينيات القرن الماضي، مع بدء استخدام السيارات للنقل بين الساحل والوادي، وبدء تراجع المكانة التجارية لمدينة شبام، تمت إعادة تشييد أسواق سيؤن وتنظيمها، لاسيما حينما انتقل جزء كبير من أسرة الكاف الثرية من تريم إلى سيؤن. وقد استطاع عدد من أفراد تلك الأسرة شراء أجزاء كبيرة من منطقة شرقي السوق، الملاصقة لمسجد الرياض، والمطلة على ساقيه البلاد والمواجهة لبئر عز الدين المقر الصيفي للسلطان علي بن منصور الكثيري. وعندما قام أبوبكر الكاف بتشييد قصر بن داعر وزخرفته طلب منه السلطان علي بن منصور تمكين المهندس من زخرفة غرف القصر القبلي الجديد الذي سرعان ما تهدم، ثم الحصن الشرقي الجديد. وأمر الكاف ببناء سور حول المقابر وتشييد رصة دكاكين غرب بئر صقرة وبئر راجح التابعتين للأوقاف. كما بادر أبوبكر بن شيخ الكاف إلى بناء سور منخفض جدا جنوب وغرب سوق الشطف ومحط الجمال. وتم بناء سقاية ضخمة وقفان ضخم استأجر سالم السبايا جزءا منه وحوله إلى مقهى.

وقام عدد من تجار سيؤن بتجديد سوق الحنظل (سوق قسبل)، وسوق المعدن (سوق داحس)، والمناطق المحيطة بهما. من هؤلاء التجار محمد سالم السبايا وسعيد باصحيح وكرامة جواس وآل المساوى وآل مهدمي وآل باصبيع وآل فلهوم وآل بازمول وبن طالب والطبيل والعطار عبد القادر بن محمد السقاف وفضل بافضل وآل باصبيع المشهورين بصناعة الحلوى. ووزعت محلات وقفي بئر راجح وبئر صقرة على بعض التجار والحرفيين، وخصص المحل الأوسط للشرطة، وكانت معلقة وسطها قطعة حديد كبيرة يتم قرعها بقوة عند بداية كل ساعة. وتم تخصيص محلات الركن الشمالي الشرقي من الرصة للمذبحة (المجزرة)، ولا يزال آل بكار وآل موتي أشهر الجزارين في سيؤن.

وظل المكان الواقع جنوب حيط مسجد باصفار مخصصا لبيع الحنظل ومختلف المكسرات والبهارات، وأطلق عليه سوق الحنظل أو سوق قسبل، وأبرز تجاره آل مهدمي وآل بافضل وآل بازمول والعطار عبد القادر السقاف وآل باجري. وخصص السوق الذي يليه للمعدن وأبرز تجاره سالم الطبيل. وحظي الصراف سالم بافضل وآل عبد هود وآل بوكندان وعوض التوي، موزع شاهي أبو ولد، بالمحلات المطلة على ساحة القصر.


وفي مطلع هذه الألفية قررت بلدية سيؤن ترميم سوق الحنظل الذي تهدمت بعض جدرانه بفعل القدم. وقد تكفل الصندوق الإجتماعي للتنمية بمحافظة حضرموت، الذي تلقى دعما من الأمم المتحدة، بتنفيذ مشروع الترميم، الذي أنجز سنة ٢٠٠٧. وقد تم الحفاظ على السمات الأصلية للسوق مع إدخال بعض الرتوش الجمالية والخدمية عليه، فقد تمت إضافة سقف مفتوح على جميع أجزائه، مما أكسبه منظرا جذابا يتناسب مع وظيفته الجديدة الرئيسة التي أصبحت استقبال المتسوقين والزوار والسياح من خارج مدينة سيؤن.


فمثلما هو الحال في معظم المدن الشرقية شهدت سيؤن افتتاح العديد من المولات في مناطق مختلف منها وبعيدا عن القصر، وبشكل خاص على جانبي شارع الجزائر. وقد اتجه كثير من أبناء سيؤن للتسوق في تلك المراكز التجارية بسبب الزحمة الكبيرة التي غدت إحدى سمات سوق سيؤن القديم. فالسوق حول القصر أصبح مكتظا بالسيارات أكثر من الدكاكين والناس، ومجمع الدوائر الحكومية انتقل إلى خلف المستشفى، وبين عشية وضحاها أصبح شارع الجزائر الطويل وامتداداته إلى جولة الشافعي يحتضن السوبرماركتات والبنوك والمخابز الحديثة والفنادق والمطاعم وكل ما يدخل في إطار التجارة. وبات بإمكانك أن تجد في هذا السوق الجديد الواسع والحديث والمكيّف كل شيء من اللخم والحنظل وملابس النساء والكهربائيات والبرود لعائلتك والموقف لسيارتك، إلى دجاج السواقي وما أدراك ما دجاج السواقي. وبأسعار مناسبة.