مازال وزير الخارجية الاسبق، والسفير الحالي لليمن في واشنطن محمد الحضرمي، والذي اقيل مؤخرا من منصبة، مثير للجدل بين أوساط العديد من المهتمين، نظراً لصعوده السريع الى منصب لم يتوقع أحد أن يتبوئه، ثم استبعاده من هذا المناصب التي تولاها سابقا ولاحقا لأسباب لا تخفى على أحد.
من هو محمد الحضرمي ولماذا يعتبر من وجهة نظر الكثير من مصاب بمرض النرجسية وانفصام الشخصية، وهل هناك جانب خفي في سيرته وجب كشفه.
سنحاول هنا أن نجيب عن هذه الأسئلة المثيرة والهامة.
لا نشك أن محمد الحضرمي شاب طموح فتحت له الكثير من الأبواب المؤصدة، كيف لا وهو نجل عبد الله الحضرمي رئيس المؤسسة الاقتصادية اليمنية الذراع المالي للجيش اليمني في فترة حكم الرئيس الاسبق علي عبدالله صالح. ولذلك استطاع ان يتعلم في أفضل المدارس ويعيش في بحبوة عيش وابتعث الى الولايات المتحدة الامريكية على نفقة المؤسسة الاقتصادية مع عدد من اقاربه لاستكمال دراسته الجامعية هناك في مجال تكنلوجيا المعلومات، ولذلك ليس بغريب اجادته التامة للغة الإنجليزية والتي هي ربما مؤهلة الوحيد الذي تجاوز به الكثير من أقرانه من أبناء الشعب اليمني المطحون الذين لم تتوفر لهم ذات الفرص للتعليم الجيد سواء داخل البلاد او خارجها، فمنح الابتعاث للخارج كانت ومازالت وبالذات الى أمريكا حكراً على ابناء طبقة السلطة العليا.
عاد الحضرمي الى اليمن بعد إتمام دراسته وتقدم للتوظيف في وزارة الخارجية ونجح في ذلك ليس لأنه خريج أمريكا فقط بل لأن نفوذ والده وعلاقاته أسهمت في أن يكون له الحظ الاوفر.
على الرغم من عمله في بداية مسيرته الوظيفية في وزارة الخارجية في قسم اصدار الجوازات الا انه حظي بالتعيين في البعثة الدائمة لليمن لدى الأمم المتحدة والفضل في ذلك لقربه من دوائر السلطة في ذلك الوقت وبالذات من الوكيل المساعد لوزارة الخارجية آنذاك خالد عبد الرحمن الاكوع صهر الرئيس السابق صالح والذي يشبه الى حد كبير محمد الحضرمي من حيث حرق المراحل وتجاوز الاخرين والحصول على فرص التعليم والتوظيف دون عناء يذكر.
حصل الحضرمي طوال فترة عمله في نيويورك وعندما عاد للعمل في مكتب وزير الخارجية على معاملة تفضيلية ومجاملة في كل شيء نظرا للأسباب التي ذكرناها. ولا شك أن خروج الرئيس السابق صالح من السلطة في فترة ثورات الربيع العربي، أثر كثيرا على الذين ارتبطت مصالحهم به، ولم يكن هناك مخرج لبعضهم الا أن يخطب ودّ العهد الجديد أو بعبارة ادق أن يتوزع الأدوار بين جميع الأطراف حتى لا يخسر أحد.
اجاد محمد الحضرمي هذه اللعبة بكل اقتدار ، فكان ظاهريا مع العهد الجديد وباطنياً أحد عيون العهد السابق ، وقد تجلى ذلك وبصورة واضحة عند سقوط صنعاء بيد جماعة الحوثي وسيطرتها على مؤسسات الدولة ومنها وزارة الخارجية ، حيث عمل محمد الحضرمي واخرين على العمل وبشكل واضح مع القادمين الجدد ، ومن خلال عمله في مكتب وزير الخارجية وتعاون مع الحوثيين في ترسيخ سيطرتهم على الوزارة وكان احد من قاموا بالإعداد والتحضير للقاءات مسئولي وزارة الخارجية الموالين للحوثيين مع سفراء الدول المعتمدين لدى اليمن قبل مغادرتهم اليمن وذلك للتسويق للإعلان الدستوري الذي أصدرته الجماعة الحوثية وتلميع ما قامت به من انقلاب على السلطة وكان ذلك تحت اشراف وكيل وزارة الخارجية للشؤون السياسية حميد العواضي صهر احد القيادات الحوثية.
عندما قامت الحرب في 26 مارس 2015 كان الحضرمي عضواً أساسي في لجنة إدارة الازمات التي تشكلت في وزارة الخارجية والتي ترأسها حميد العواضي وكيل وزارة الخارجية للشئون السياسية الموالي للحوثيين والتي عملت على التخاطب مع الدول والمنظمات خدمة للمشروع الحوثي وتبني مواقفه والدفاع عنه وكانت عضوية هذه اللجنة محصورة على من يثق الحوثيين بهم. ويعلم الكثير ممن يعرف الحضرمي مدى كراهيته للملكة العربية السعودية وقيادتها وتذمره من الحرب التي خاضتها في اليمن وكان يعبر عن ذلك في السباب واللعنات .
عندما اقتنع الحضرمي أن الاعتراف الدولي بسلطة الحوثيين أصبح بعيد المنال غادر اليمن الى مصر وبقي هناك، حتى حانت له الفرصة وقدم نفسه للشرعية كأحد موظفي وزارة الخارجية الذين يمكن الاستعانة بهم عند تأسيس مكتب لوزير الخارجية الأسبق عبد الملك المخلافي، وهكذا فجاءة من مكتب وزير خارجية الحوثيين الى مكتب وزير خارجية الشرعية المخدوعة في كثير من رجالاتها ولعل الانخداع سبب فشلها وعامل زوالها. ولم يلبث الا قليلا حتى ابتعث نائب للسفير اليمني لدى الولايات المتحدة رئيس الوزراء الحالي احمد عوض .
اصبح الحضرمي بقدرة قادر وزير الخارجية في وقت بالغ الصعوبة وفي ظل خلاف الشرعية مع دولة الامارات الداعم الرئيسي للمجلس الانتقالي الجنوبي. حتى يتم استخدامه في تلك الفترة للتعبير عن مواقف الشرعية دون الاضرار بعلاقة رجالتها مع الامارات وبالتالي يتحمل الحضرمي مسئولية عواقب هذه المواقف وأصبح بذلك خف للشرعية المرتعشة دون أن تتضرر هي.
استمر بلعب ذات الدور طول توليه لمنصب وزير الخارجية، وقد قبل بذلك لأنه لم يحلم يوما بأن يصل لهذا المنصب والأكيد أن هناك عوامل في شخصية الحضرمي جعلته يقبل بهذا صضذالمنصب ويلعب هذا الدور ليس ايماناً بالقضية بل تحقيق لمصلحته الذاتية ، وهو يعلم حجم الصعوبات التي قد تعترضه، ومن هذه العوامل الشخصية حالة النرجسية التي عاشها وشعورة بالتفوق على الاخرين وأن ما وصل اليه هو نتاج قدراته الخارقة، متناسيا أنه تحول الى إداة ولم يحلم ابداً صاحب إرادة ولم يدرك أن هناك من استغل اندفاعة لصالحه ودفع به لواجهة الاحداث حتى لا يصيبه شررها وانه سيتم التخلص منه دون ضجيج لأنه ليس له ثقل ما .
اجاد الحضرمي تبديل ربطات العنق والظهور بشكل سينمائي خادع وهذه طريقته في لعب الأدوار المتعددة، ولم يكن مقنعا لاحد، وعاش في جزيرة منعزلة تضم نفر قليل اقتنع بهم لأنهم يشبهونه تماما ووجد منهم من يشبع غروره . وبهذا فقد خسر أكثر مما كسب ولم يقدم لوزارة الخارجية وكادرها شيء يذكر به ولم يحسب له منجزاً واحداً لقد أدرك مسئولي المملكة العربية السعودية من وقت مبكر الحجم الطبيعي للحضرمي وتعاملوا معه بجفاء وحذر ولم يعطوه أي اهتمام، واسعدهم جداً أن يكون وزير خارجية في تويتر.
عندما جاء اتفاق الرياض بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي ازيح الحضرمي بسهولة على الرغم انه كان يمّني نفسه بالاستمرار في منصب وزير الخارجية لفترة أطول حتى يعيش زهو المنصب ومتعته.
وعين بعد ذلك سفير في واشنطن ومارس نفس أساليب الصلف والغطرسة.
الدكتور حاتم