آخر تحديث :السبت - 22 فبراير 2025 - 02:25 ص

الصحافة اليوم


من لديه حل للأحجية اليمنية

الجمعة - 21 فبراير 2025 - 01:45 م بتوقيت عدن

من لديه حل للأحجية اليمنية

عدن تايم/ العرب

تحول الاهتمام العالمي مؤخرا إلى اليمن حيث أطلق الحوثيون، الذين يشار إليهم باسم “أنصارالله”، صواريخ وطائرات دون طيار على إسرائيل وعلى السفن التي يقولون إنها مرتبطة بإسرائيل وهي تعبر البحر الأحمر. لكن الصلة بين بعض هذه السفن وإسرائيل ضعيفة، مما يشير إلى أن الهدف الحقيقي كان تصعيد تكاليف التجارة العالمية، وبالتالي الضغط على حلفاء تل أبيب الغربيين لحملهم على حل الصراع في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وقد يدفع هذا الهدف الأساسي الحوثيين إلى استئناف تكتيكات الضغط في المستقبل لأسباب مماثلة.


ويدعم الحوثيون، مثلهم مثل قسم كبير من الجمهور العربي، القضية الفلسطينية من حيث المبدأ. وتحظى بعض فصائل الحكومة المعترف بها دوليا إما بدعم من دول اتفاقات إبراهيم أو أعربت عن استعدادها للتعاون مع إسرائيل، مما يعزز موقف الحوثيين بشكل أكبر.


وإثر وقف إطلاق النار في غزة، أوقف الحوثيون جل هجماتهم على إسرائيل والممرات الملاحية، وأطلقوا سراح طاقم السفينة “غالاكسي ليدر” المملوكة لرجل أعمال إسرائيلي، والتي كانوا قد استولوا عليها. وتنتشر مخاوف من أنه إذا انهار وقف إطلاق النار في غزة أو إذا استهدفت إسرائيل/الولايات المتحدة حليفتهم إيران، فقد يستأنف الحوثيون عملياتهم ضد السفن. وبالتالي، يبقى السؤال الحاسم: كيف يمكن التقليل من التهديد الذي يواجه الشحن العالمي في البحر الأحمر وخليج عدن؟


إذا لم تنجح في البداية

طُرِحت مجموعة متنوعة من الحلول لمعالجة الصراع اليمني تشمل الغارات الجوية ودعم القوات المحلية والتدخل العسكري الغربي المباشر.


ويقول جيمس سبنسر، المحلل الإستراتيجي في القضايا السياسية والأمنية والتجارية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومتخصص في اليمن، في تقرير على موقع عرب دايجست إن اليمن شهد تجربة جل هذه الأساليب على مدى العقد الماضي، بتكلفة كبيرة في الكثير من الأحيان وبنتائج إيجابية ضئيلة.


وحظيت حرب اليمن باهتمام دولي محدود، وهي لا تزال مستمرة منذ مارس 2015. وقادت المملكة العربية السعودية، بدعم من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، تحالفا عمل على تسليح الفصائل المناهضة للحوثيين وتمويلها، في حين قصفت المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون وقدمت دعما جويا وثيقا للحكومة المعترف بها دوليا.


وتشير التقديرات إلى أن الحرب كلفت 200 مليار دولار على مدى العقد. ومن غير المستغرب أن تكون المملكة العربية السعودية حريصة على فك الارتباط ولكنها تظل غير راغبة في تلبية مطالب الحوثيين بالتعويضات. كما تشعر الرياض بالقلق بشأن قدرة الحوثيين على مهاجمة مدنها وتقويض أجندة رؤية 2030.


وحافظ الحوثيون على سيطرتهم على معاقلهم الجبلية رغم الجهود التي تبذلها القوات المدعومة من السعودية والإمارات. وكان التقدم بطيئا حتى في السهل الساحلي، دون الدعم الجوي القريب الذي غالبا ما تنسقه القوات الخاصة البريطانية.


ومن المرجح أن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة قدمتا معلومات استخباراتية إلى السعودية، مما يعني أن العمليات العسكرية الغربية العلنية من غير المرجح أن تسفر عن نتائج أفضل بكثير. وصمد وقف إطلاق النار إلى حد كبير منذ مارس 2022، مع توقف الغارات الجوية السعودية.


من غير المرجح أن يؤثر تصنيف الرئيس الأميركي دونالد ترامب للحوثيين منظمة إرهابية أجنبية على قيادتهم، وهي عائلة مكونة من علماء دين مقتصدين لا يمتلكون الكثير من الأصول الخارجية


وردا على الهجمات الصاروخية الحوثية المبكرة على السفن المحايدة وسفن البحرية الأميركية، استهدفت الولايات المتحدة قاذفات الصواريخ الثابتة. وأمكن إعادة تجهيز الحوثيين منذ ذلك الحين (بمساعدة إيرانية على الأرجح) بقاذفات متنقلة يمكن إخفاؤها، مما يجعل إعادة التحييد الناجحة أقل احتمالا.


وكان تأثير الغارات الجوية الأميركية والبريطانية محدودا ضد قاذفات الحوثيين وترساناتهم ومراكز القيادة. فبعد حوالي عقد من الضربات الجوية السعودية المستمرة المدعومة بالاستخبارات الغربية، توجه الحوثيون إلى تفريق أنظمتهم وتعزيزها ونسخها. ومن غير المرجح أن تخلّف الضربات الجوية الإضافية آثارا عسكرية أو نفسية حاسمة. وسيكون الحصول على معلومات استخباراتية إضافية عن الاستهداف صعبا أيضا، حيث يبقى الحوثيون (بمساعدة إيران أو حزب الله على الأرجح) على دراية بالمراقبة مع مواصلة اعتقال المشتبه في تجسسهم.


ونظرا لطبيعة سكان اليمن الريفية في غالبيتها، يبقى من غير المرجح أن تمارس الغارات الجوية على البنية التحتية المدنية المحدودة ضغوطا قسرية كبيرة.


وتحمّل معظم اليمنيين، الذين اعتادوا على الاعتماد على أنفسهم في غياب دولة فاعلة، العديد من المصاعب الناجمة عن الهجمات السعودية. وتشكل الهجمات على البنية التحتية المدنية البحتة جرائم حرب.


ومن غير المرجح أن يؤثر تصنيف الرئيس الأميركي دونالد ترامب للحوثيين منظمة إرهابية أجنبية على قيادتهم، وهي عائلة مكونة من علماء دين مقتصدين لا يمتلكون الكثير من الأصول الخارجية أو أي اهتمام كبير بالسفر الدولي.


وقد تؤثر العقوبات المالية وتخفيضات تمويل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية على بعض أعضاء “أنصارالله” الذين يستمتعون بـ”ثمار السلطة”، لكن التصنيف سيؤثر بشدة على منظمات الإغاثة والمواطنين الأكثر فقرا في اليمن.


ويمكن أن يفاقم استخدام القوة لتحقيق أهداف سياسية المشاكل بدلا من حلها. وفتح التدخل بقيادة السعودية الباب أمام النفوذ الإيراني، وأدى رد الولايات المتحدة المباشر على محاولة الحوثيين الثانية للاستيلاء على السفن إلى هجمات المواجهة.


وهنا يجب تطبيق ما قاله ونستون تشرشل في عبارته الشهيرة “الحوار أفضل من الحرب.”


الأمر معقد


يمكن تعداد ثلاثة أبعاد أقل شهرة لهذا الصراع تستحق الاهتمام. أولا، تشمل الحرب فصائل يمنية متعددة من كلا الجانبين، ولكل منها أهداف مميزة، إضافة إلى بعض اللاعبين المحايدين. وكانت العديد من الفصائل داخل الحكومة المعترف بها دوليا، وحتى بعض جماعات الحوثيين، جزءا من نظام الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح الفاسد، الذي استنزف ما بين 30 مليار دولار و60 مليار دولار. كما تلقى يمنيون بارزون آخرون من مختلف الأطياف السياسية أموالا من السعودية من خلال لجنتها الخاصة.


ويُنظر حتى اليوم إلى ما يسمى بـ”مجلس القيادة الرئاسي” على نطاق واسع على أنه هيئة معينة من السعودية .


ويوجد بين النخب اليمنية، وخاصة تلك الموجودة في “الحكومة الشرعية”، عدد قليل من الجهات الفاعلة النظيفة أو الشرعية.


والنقطة الثانية هي الاعتراف بأن اليمن يشهد في الأساس حربا أهلية تخوضها القوى الإقليمية لخدمة أجنداتها الخاصة.


وتدخل التحالف المناهض للربيع العربي في البداية لحماية وكيله المختار من الإطاحة. ولم تكن إيران في الأصل متحالفة مع الحوثيين، لكنها رأت فرصة عندما رفضت روسيا المساعدة، بهدف توريط منافسيها العرب في حملة مكلفة لمكافحة التمرد في اليمن، مثلما فعلت مع الغرب في العراق. لكن الروابط الدينية والتاريخية ضعيفة في أحسن الأحوال بين إيران الشيعية الاثني عشرية والحوثيين الشيعة الزيديين، ويبقى تحالفهم مبنيا على المصلحة.


وأخيرا، كان اليمن تاريخيا، مثل أفغانستان، مقبرة للإمبراطوريات، فقد حاول الرومان والإثيوبيون والفرس والعثمانيون والبريطانيون والمصريون، والآن السعوديون، إخضاع البلاد لكنهم فشلوا. وأحبطت تضاريس اليمن الوعرة والقبائل المسلحة الصامدة المحاولات الخارجية للسيطرة.


ورغم أن التكنولوجيا الحديثة قد توفر بعض المزايا، إلا أن خطر التورط في “حرب أبدية” تكلّف خسائر فادحة وتتطلب إنفاقا هائلا من الموارد مقابل مكاسب ضئيلة يبقى مرتفعا.


كيف تحل الأحجية


تتضمن الخطوة الأولى ضمان توقف الجهات الفاعلة الخارجية (إيران والمملكة العربية السعودية وكذلك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة) عن دعم الفصائل المتحاربة بشكل كامل يمكن التحقق منه، ومن المرجح أن يتطلب وساطة ومراقبة خارجية لضمان الامتثال على غرار اتفاقية 1967 بين مصر والسعودية.


وسيؤدي انسحاب داعمي الفصائل اليمنية إلى تقليل الموارد المتاحة (خاصة المالية والعسكرية)، مما يقلل من قدرتها على مواصلة الصراع.


وبمجرد تقليص التدخل الخارجي، من المرجح أن تستمر الكتلتان الرئيسيتان في أعمالهما العدائية، مدفوعتين بعدم الرغبة في التوصل إلى تسوية والاعتقاد بأن بذل مجهود أخير واحد يمكن أن يضمن النصر. وقد تمنح هذه المرحلة (دون الدعم الجوي القريب من التحالف أو الغرب) ميزة أولية للحوثيين.


وبعد “النصر” الملحوظ الذي يعلن عنه الحوثيون، من المرجح أن تظهر انقسامات داخل تحالفهم، مع تنافس الفصائل المختلفة على السلطة.


ويمكن أن تتحالف بعض الجماعات الحوثية السابقة مع فصائل الحكومة المعترف بها السابقة ضد حلفائها السابقين.


ومن المتوقع أن تكون هذه المرحلة قصيرة، حيث تدرك الفصائل بسرعة التكلفة غير المستدامة لاستنزاف مواردها الخاصة لتحقيق الحد الأدنى من المكاسب.


وفي النهاية، من المرجح أن ينعقد مؤتمر سلام، مع إعادة توزيع السلطة بين جميع الفصائل، مما يمكّن البلاد من استئناف مسارها قبل المناورات السياسية لسنة 2014.


ومن المحتمل أن يتضمن هذا الاتفاق “المرجعيات الثلاث” (مبادرة مجلس التعاون الخليجي، ونتائج مؤتمر الحوار الوطني، وقرار الأمم المتحدة رقم 2216) كما طالب التحالف، إلى جانب اتفاقية السلام والشراكة الوطنية التي سيطلبها الحوثيون، إضافة إلى معالجة القضايا التي نشأت خلال الحرب المستمرة منذ عقد.


ومن المرجح أن يتضمن المسار إلى الأمام ترتيبات مطولة لتقاسم السلطة، ومن المحتمل أن تشمل نفي بعض كبار القادة. كما سيشمل المسار السعي للحصول على تعويضات واسعة النطاق من التحالف، ويجب أن تدير الجهد وكالة خارجية للحد من الفساد.


ومن المتوقع أن تُنظم عملية إعادة شراء كبيرة للأسلحة الثقيلة من جميع الأطراف، إلى جانب اتفاقية الحد من الصواريخ التي تتضمن نظام تحقق للسيطرة على أنظمة الأسلحة بعيدة المدى وتقييدها. ويمكن أن تشترط الوكالة المشرفة الالتزام بصرف التعويضات بهذه الاتفاقيات لتشجيع الامتثال.