لا تريد الإدارة الأميركية أن تتحدّث عن القوات الأميركية الموجودة في العراق وسوريا، ولا تجيب عن أسئلة حول بقائها او مغادرتها، وربما يكون السبب الأهم ان تقديرات العسكريين الاميركيين وأجهزة الاستخبارات لمجمل الاوضاع في سوريا والعراق، ليست كاملة.
ترامب والمسافة منه
هناك سبب آخر يلمسه من يطرح الاسئلة ويعود الى ان الدولة الاميركية تشعر بمسافة بعيدة تفصل بينها وبين الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب.
الأمر لا يتعلّق بالقيادة، فهو الرئيس الأميركي وصاحب الأمر، بل يتعلّق الأمر بأن سلسلة القرار العسكري والدبلوماسي تشعر بعجزها عن التأثير في قرارات الرئيس ترامب، وترى انها تستطيع ان تقدّر المواقف والحاجات العسكرية لكنها لا تستطيع على الاطلاق ضمان موقف متناسب من الرئيس.
بقاء القوات الأميركية في العراق
الاطراف الاقليميون ابلغوا الاميركيين مواقف جديدة ربما تكون غير مسبوقة، أقلّه في الماضي القريب، فقد علمت "العربية والحدث" من مصدرين مختلفين، ان الإدارة الأميركية تبلّغت من الحكومة العراقية انها تريد بقاء القوات الأميركية على الأراضي العراقية، وتريد التخلّي عن الاتفاق المعقود بين واشنطن وبغداد، والذي ينصّ على انسحاب القوات الاميركية بحلول شهر سبتمبر المقبل في مرحلة اولى.
هذا التحوّل الواسع في موقف الحكومة العراقية يعود الى انقلاب الاوضاع في سوريا، فالحكومة العراقية كانت تطالب ادارة جو بايدن بالتوصل الى اتفاق حول انسحاب القوات الأميركية، وربما كانت بغداد تشعر بضغوطات الداخل، وتأثير ايران، وتزايد نفوذ الميليشيات المؤيّدة لإيران، وان العراق سيكون ساحة صراع بين "محور ايران" والاميركيين.
الخشية من دمشق
الآن اختلفت الاوضاع، فإدارة بايدن غير موجودة ونظام الاسد إختفى، والميليشيات الايرانية خرجت من سوريا وهناك "نظام جديد" في دمشق.
يختصر العراقيون موقفهم للأميركيين بالقول ان السلطة الجديدة في سوريا هي وليدة القاعدة وداعش، ومن الباكر جداً ان تتأكد بغداد ودول العالم من نوايا هذا النظام الجديد، ومن الحكمة ان ينتظر الطرفان، العراقي والاميركي بعض الوقت لمعرفة أين تتجّه سوريا أمنياً قبل ان يتمّ تفكيك البنية الأمنية الحالية.
مقترح تركي
تركيا التي رعت هيئة تحرير الشام ترى ان سقوط نظام الاسد هو فرصة مؤاتية لوضع منظومة أمنية، وصيغة تعاون مع دول المنطقة تكون بديلاً عن منظومة ايران او منظومة الولايات المتحدة.
طرحت تركيا خلال الاسابيع الماضية على كل من الاردن والعراق إنشاء هذا البنية الأمنية، التي تشمل من ضمن اهدافها تعاوناً إقليمياً يتابع العمل على منع عودة داعش، ويمنع عودة الميليشيات الايرانية الى الاراضي السورية، ويفكك بنية الادارة المحلية في شمال شرق سوريا وهي بقيادة الاكراد وقسد، كما تتعامل هذه الصيغة الإقليمية مع مشكلة سجناء داعش في معتقلات شمال شرق سوريا، كما تضمن استقراراً في سوريا يسمح بعودة أكثر من مليوني لاجىء سوري الى بلادهم من تركيا والاردن.
السلطة الحالية في دمشق رفضت اجزاء من الخطة التركية وربما ترى انه من المبكر ان تدخل في اتفاقات مستديمة بين ثلاث دول هي العراق والاردن وتركيا قبل ان تتمكن من اعادة بناء قواتها وضمان استقلاليتها على المدى البعيد.
خوف الامركيين
الانطباع العام لدى موظفي وزارتي الدفاع والخارجية المعنيين بانتشار القوات الاميركية لا يتعدّى استرجاع هاجس الاتصالات الهاتفية بين الرئيس ترامب خلال ولايته الاولى والرئيس التركي رجب طيب اردوغان، حيث يوافق الرئيس الاميركي على الخطة التركية، لانها توفّر انسحاباً للقوات الاميركية ويمكن من خلالها ان يقول ترامب "ان المشكلة إقليمية، وان على دول المنطقة حلّ مشاكلها، والجنود الاميركيون يعودون الى ارض الوطن، وسنوفّر اموال الخزانة الاميركية التي نبددها في الخارج"
الاكراد العراقيون
أكثر المتمسكين ببقاء القوات الاميركية قي المنطقة هم اكراد العراق، فهم كانوا يعترضون أصلاً على مطالبة بغداد بمغادرة الاميركيين للأراضي العراقية، وقد ابلغوا الاميركيين من جهة أن بقاءهم يبقى وازناً في مواجهة النفوذ الايراني على الاراضي العراقية، وان ايران ستستغلّ الفراغ الاميركي في العراق لمهاجمة كردستان العراق، وللوصول الى حدود سوريا والتسبب باضطرابات فيها بعدما خرجت منها.