آخر تحديث :السبت - 22 فبراير 2025 - 11:26 ص

قضايا


ماهو المستوى الأمثل للاحتياطيات النقدية الخارجية للبنك  المركزي اليمني?!

السبت - 15 فبراير 2025 - 02:18 م بتوقيت عدن

ماهو المستوى الأمثل للاحتياطيات النقدية الخارجية للبنك  المركزي اليمني?!

د. يوسف سعيد احمد

في ظروف البلاد الراهنة من العبث البحث في مستوى الطلب الأمثل للاحتياطيات الدولية التي ينبغي أن يحتفظ بها البنك المركزي اليمني  عدن  نيابة عن الدولة لأننا لسنا في وضع اقتصادي  ترفي او مريح  يسمح  لنا أن نناقش التكلفة التي يتحملها الاقتصاد الوطني من زاوية تحديد  الاحتياطي المطلوب أو الأمثل منعا  لئلا  يطيح ذلك بالاستخدامات الأخرى  البديلة لهذه الموارد والتضحية بها .

لأن البنك المركزي لدينا  يفتقد اصلا للاحتياطيات النقدية الخارجية ولا تتوفر شروط وظروف  توفرها  لكن من وجهة النظر الاقتصادية فإن المستوى الأمثل للاحتياطيات النقدية الخارجية لأي بنك مركزي يتطلب عمليا  المعادلة بين التكلفة والعائد الاجتماعي لهذه الموارد.

بعبارة أخرى جعل التكلفة الحدية للاحتفاظ بالاحتياطيات النقدية مساوية للمنافع الحدية الإنتاجية المتحققة منها.


تاريخيا وصلت احتياطيات البنك المركزي اليمني عتبة التسعة مليار دولار في أعوام الألفية قبل 2008 إذ أدت عوائد اسعار صادرات النفط المرتفعة إلى تحقيق فوائض مكن البنك المركزي من الوصول إلى مستوى هذا الرقم  التاريخي من الاحتياطيات النقدية الخارجية.

لكن هذه الاحتياطيات  تقلصت تدريجيا  نتيجة لانخفاض اسعار النفط وتراجع كميته عدا عن دخول اليمن في حالة من عدم الاستقرار السياسي والامني  بدءا من العام 2009 .

لكن ماينبغي التأكيد عليه ان عوائد انتاج وتصدير النفط هي فقط من  شكلت رافدا  للموازنة العامة وقاطرة للنمو الاقتصادي وستظل كذلك على المدى المتوسط وحتى الطويل.

وبذلك مانحتاجه من احتياطيات نقدية خارجية لدى البنك المركزي بافتراض تحقق السلام هو ذلك الحجم الذي يسمح للبنك المركزي من سحب فائض السيولة المحلية من الاسواق  'ويعزز ثقة القطاع المصرفي والمالي بالسياسات النقدية وسياسة سعر الصرف التي يتبعها البنك المركزي عدا عن إشاعة قدر من اليقين لدى الخارج من أن

اليمن قادر على الوفاء بالتزاماتة .كما انه ذلك المستوى من الاحتياطيات الذي يلبي  حاجة الدولة للاستيراد والالتزام بدفع دبونها  الخارجية واعباء هذه الديون,  إضافة إلى مواجهة الصدمات الخارجية والداخلية وهذا هو وضع اليمن  المستقر .

وغير متوفر في الأزمة السياسية والاقتصادية  وفي ظروف الحرب القائمة.


نظريا وتجريبيا نظام سعر الصرف الذي تتبعه الدولة في أي بلد ، يؤثر ، بحدود معينه وان بشكل غير مباشر على الموارد المتاحة للتنمية  الاقتصادية عبر ما يتركه  من اثر ، على الاحتياطيات النقدية الخارجية  وبالتالي على  بدائل استخداماته .

وهنا ينبغي أن نفهم أن أنظمة سعر الصرف الثابتة بأنواعها تلتهم قدر كبير من الاحتياطيات النقدية لدى الدولة  فيما أنظمة اسعار الصرف المعومة  والمدارة تحتاج إلى  استخدام قدر اقل للاحتياطيات النقدية لأن البنك المركزي في وضع السعر المرن  يستخدم مزيج من الأدوات للحفاظ على استقرار سعر الصرف الصرف إذ أن الأسواق  الحرة هي من تحدد سعر الصرف العادل والذي يتحقق  عبر ٱليات السوق لكن هذا يحدث في الدول عندما تكون الأسواق ناضجة والهيكل الاقتصادي متنوع ومنفتح على الخارج والمؤسسات المالية والمصرفية تتميز بالانضباط وتنفذ معايير بازل ونظم   الشفافية والحوكمة في نشاطها وعملياتها المصرفية الداخلية والخارجية.


لكن في سوق الصرف في بلادنا لا تتوفر مثل هذه الشروط وهذه المعايير خاصة مع تحول جزء كبير من عمليات البنوك إلى شركات الصرافة ومع تراجع الاقتصاد الحقيقي فقد أصبح الاقتصاد النقدي هو من يمثل سمة الوضع الراهن خاصة مع غياب الشمول والرقمنة في  النشاط المالي والاقراضي للبنوك .


وقد يتسائل بعض العامة من الناس كيف أن نظام  سعر الصرف الثابت الذي تتبعه صنعاء حقق استقرارا نسبيا في سعر الصرف فيما نظام سعر الصرف المعوم في مناطق سلطة الشرعية أدى إلى تدهور مستمر في سعر الصرف ووصل سعر الصرف في عدن عتبة 2050 ريال للدولار ؟

الإجابة على هذا التساؤل واضحة ومعروفة  وتفيد  أن  ماهو متبع في  سعر صرف سلطة صنعاء لايمكن وصفه بأنه نظام سعر صرف ثابت لانه غير مرتبط بعملة دولية أو بسلة عملات دولية , ولكنه سعر موجه من قبل السلطات وبالحديد والنار  ولا تستطيع السوق المقيدة اصلا بالاجراءات والمخاوف  تجاوزه . ولذلك هذا السعر مرة أخرى وثانية هو سعر صوري وغير حقيقي مخرجات 

لا تنعكس على اسعار السلع والخدمات ولا على أصحاب عوامل الإنتاج ، عدا أن المعروض هناك من العملة المحلية هو أقل بواقع 40 في المائة تقريبا  عن حاجة المعاملات الاقتصادية في مناطق سلطة صنعاء ولذلك يرتفع  المعروض من العملات الأجنبية بالمقارنة مع المعروض من العملة المحلية ، لكن  يشهد السوق هناك أزمة سيولة محلية قوية وهناك عامل مهم يدعم اقتصاد صنعاء يتمثل بحجم التحويلات المالية بالريال السعودي التي تذهب الى صنعاء  التي تشكل  قيمة واردات  مناطق الشرعية من القات والخضار والفواكة حيث يحول يوميا  ماقيمته بين  40_50 مليون ريال سعودي تقريبا . كما فرضت صنعاء نظام صارم لتقنين واستخدام وتحويل العملات الأجنبية ومنع تحويلها إلى مناطق الشرعية فيما العكس يحدث في عدن حيث تتسرب العملات إلى مناطق سلطة صنعاء بسهولة ويسر والكثير من شركات الصرافة تستلم توجيهاتها من هناك ولذلك ما يحدث من مضاربات في سعر الصرف موجهة عدا أن الأزمة الاقتصادية التي تواجهها عدن هي نتاج لسياسة سلطة صنعاء وجزء من أدوات الحرب  فهم من فرضوا الظرف القاهر على صادرات النفط والغاز .

لكن بسسب غياب وضعف الدور المساند للبنك المركزي من قبل الجهات الحكومية ومؤسساتها والفراغ الناجم عن غياب الحكومة والمجلس الرئاسي عن عدن فقد استفحلت عمليات المضاربة بسعر الصرف وبدوافع الإثراء وتحويل الأموال المغسولة إلى الخارج وهو ناتج  عن مخرجات الفساد العام .

مبدئيا كان يفترض أن يؤدي نظام سعر الصرف الحر المتبع إلى الوصول إلى تحقيق سعر الصرف الحقيقي والعادل أو المقبول   لكن عوامل كثيرة لعبت دورا سلبيا وألحقت ضررا بالغا بمعيشة الناس ومن بينها عدم كفاءة السوق وتشوهه وعدم تمثل النظام وإنفاذ القانون وتعدد السلطات ومراكز النفوذ وغياب الدور الداعم والإسناد للبنك المركزي جميع هذه العوامل وفرت بيئة مثلى للأنشطة الطفيلية وتوسع عمليات المضاربة بسعر الصرف ومع ذلك يعمل البنك المركزي  على ملاحقة هذه الأنشطة ويتامل  تعزيز دور  الدولة ومؤسساتها الأمنية.

واخيرا نود أن نشير  أن تحقيق اختراق يؤدي إلى عودة سعر الصرف إلى وضعة الطبيعي النسبي يتطلب تعزيز احتياطيات البنك المركزي بثلاثة مليارات دولار كحد أدنى تمكنه من سحب فائض السيولة وتوفير حاجة الاستيراد  . لكن مثل هذه الحلول ستكون مؤقتة إن لم يتم  تحسين كفاءة تحصيل الموارد والحد من الإنفاق ومواجهة  ظاهرة الفساد بحزم وبنية صادقة ومخلصة واعتبار ذلك مطلب وطني قبل أن يكون مطلب  إقليمي ودولي. كما أن من المهم  العمل على  توفير مدخلات الطاقة. الكهربائية  وموارد شراء الطاقة بالاعتماد على الموارد المحلية ومن بينها موارد انتاج وتصدير النفط والغاز ونعتقد أن المتغيرات الدولية والمحلية المتسارعة ستخلق  الظروف والشروط الملاءمة  لتحقيق هذه التوجهات على أرض الواقع على المدى القصير والمتوسط أن شاء الله .


عدن 14يناير 2025