المجلس الانتقالي الجنوبي يحاول تجنب تحمل التبعات الاجتماعية والسياسية وما تسببه من سخط شعبي بتوجيه انتقادات للشرعية اليمنية في أوقات الأزمات.
تتدرّج أزمة الخدمات العامة في مدينة عدن التي تتخذ منها السلطة اليمنية المعترف بها دوليا عاصمة مؤقتة نحو التحوّل إلى كارثة للسكّان يخشى المسؤولون أن تكون قادحا لثورة شعبية عارمة.
ودفعت حدّة الأزمة واستعصاء حلها على السلطات المحلية بجهود ذاتية المجلس الانتقالي الجنوبي صاحب النفوذ الأبرز في عدن والعديد من مناطق الجنوب إلى الاستنجاد بدولة الإمارات العربية المتّحدة والمملكة العربية السعودية للمساعدة في تجنيب تلك المناطق كارثة خدمية وإنسانية تبدو وشيكة.
وبعد التعثّر الكبير الذي شهدته الأيام الماضية في تزويد المدينة بالطاقة الكهربائية والانقطاعات المتكرّرة والطويلة للتيار، لاحت أزمة مياه مع إعلان المؤسسة المكلفة بتأمين هذه الخدمة الحيوية عن عجزها عن مواصلة القيام بمهامها بسبب نفاد الوقود اللازم لتشغيل المضخات وسائر المعدّات الأخرى.
وترافق ذلك مع تتالي الإنذارات بشأن إمكانية توقّف مرافق حيوية أخرى عن العمل من بينها المستشفيات. وتأتي هذه الأزمة معطوفة على أزمة اقتصادية ومالية حادّة يلخّصها تواصل انهيار قيمة العملة المحلية مع بلوغ سعر الدولار الواحد، الأربعاء، سقف 2268 ريالا يمنيا.
ونتجت عن هذه الأزمة أوضاع اجتماعية بالغة الصعوبة بسبب غلاء الأسعار وتهاوي القدرة الشرائية للسكان الذين تعاني شريحة الموظفين من بينهم عدم انتظام في الحصول على المرتّبات الضئيلة أصلا وغير الكافية لتأمين الحاجيات الضرورية لهم ولعوائلهم.
وأعلنت شركة النفط في عدن عن رفع سعر البترول إلى 31.800 ريال للعشرين لترا في قرار قالت الشركة إنّه اضطراري وناتج عن ارتفاع تكاليف استيراد الوقود وتقلبات أسعار النفط إضافة إلى تراجع سعر صرف الريال اليمني أمام العملات الأجنبية. وفي تطور جديد لأزمة الخدمات، حذّرت المؤسسة المحلية للمياه والصرف الصحي في عدن، الأربعاء، من توقف خدمة تزويد السكان بالماء بشكل كلي نتيجة نفاد الوقود الاحتياطي لديها.
وقالت المؤسسة في بيان “إن كميات الوقود المتحصّل عليها مؤخرا من محافظ عدن والبنك الدولي ستنفد تماما خلال الأربع والعشرين ساعة القادمة”.
وأوضحت أن الانطفاء الكلي لمنظومة كهرباء عدن وعدم توفير الوقود المشغل لمولدات الطاقة الكهربائية التي تعمل عليها حقول وآبار المياه ومضخات الصرف الصحي والتي تغطي فترات انقطاع الكهرباء في هذه المواقع، سيؤديان إلى توقف خدمة المياه والصرف الصحي بشكل كامل.
وناشدت المؤسسة في بيانها مجلس القيادة الرئاسي والحكومة وكافة الجهات المعنية التدخل العاجل لتوفير كميات كافية من الوقود لضمان استمرار خدمة المياه والصرف الصحي. وجاء ذلك بعد أن كانت مؤسسة كهرباء عدن قد أعلنت بدورها أن المدينة ستشهد انطفاء كليا لمنظومة الكهرباء وذلك في سابقة لم تحدث من قبل وجاءت بسبب نفاد آخر كمية من الوقود المتوفرة في محطة الرئيس المصدر الأول للطاقة الكهربائية في المدينة.
وأوضحت في بيان أن عدم وجود مركز أحمال رئيسي كمحطة الرئيس أو محطة المنصورة يحول دون الاستفادة من توليد المحطة الشمسية ما يعني أن الشبكة ستتوقف بالكامل، الأمر الذي سيؤثر على كافة القطاعات الحيوية من مستشفيات ومرافق صحية وأنشطة تجارية.
ومثلت أزمة الخدمات أحد محاور اجتماع عقدته الأربعاء الهيئة الإدارية للجمعية الوطنية للمجلس الانتقالي الجنوبي ووجهت خلاله نداء لـ”الأشقاء في السعودية والإمارات للتدخل العاجل وإنقاذ عدن من كارثة إنسانية.”
وقالت الهيئة في بيان أصدرته إثر الاجتماع إنّها وقفت “باستفاضة أمام حالة الانهيار المريع في الخدمات بالعاصمة عدن الناجمة عن توقف محطات إنتاج الطاقة الكهربائية بشكل كامل.”
وأضاف البيان “تناشد الهيئة دول التحالف العربي وفي مقدمتها الأشقاء في المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة التدخل العاجل لإيقاف التدهور المتفاقم والكارثي للوضع الخدماتي والمعيشي والاقتصادي وإنقاذ العاصمة عدن، وبقية محافظات الجنوب من كارثة إنسانية”.
وأعاد البيان تحميل السلطة الشرعية اليمنية المسؤولية عن الأزمة قائلا “إن العاصمة عدن أصبحت تواجه وضعا كارثيا في ظل الغياب الكامل لمجلس القيادة الرئاسي والحكومة وفشلهما التام في القيام بمسؤولياتهما، حيث أصبحت العاصمة محرومة من أبسط الخدمات نتيجة العجز الحكومي عن القيام والاضطلاع بالمسؤوليات تجاه الشعب في محافظات الجنوب والمناطق المحررة” من الحوثيين.
كما عبّرت الهيئة عن “رفضها الكامل لاستغلال هذه المعاناة وتوجيهها لتمرير أهداف وأجندات سياسية مكشوفة تستهدف شعب الجنوب وقضيته ولا تخدم سوى الميليشيات الحوثية والجماعات الإرهابية، لاسيما ما يتعلق بالتدهور المتزايد للعملة المحلية أمام العملات الأجنبية، وما رافقه من ارتفاع لأسعار المواد الغذائية والاستهلاكية وغلاء معيشي متزايد، ناهيك عن توقف خدمة التيار الكهربائي بشكل كامل في العاصمة عدن، وهو أمر غير مسبوق منذ إدخال الكهرباء لها قبل زهاء قرن من الزمن على نحو أصبح يهدد بتوقف المستشفيات عن العمل وانقطاع إمدادات المياه لكل مديريات العاصمة، وهي حالة تعكس عجز الحكومة ومجلس القيادة عن توفير شحنات كافية من المازوت والديزل لتشغيل محطات إنتاج الكهرباء وعجزهما عن تأمين وصول شحنات النفط الخام من محافظة حضرموت للعاصمة عدن.”
وتتكرّر انتقادات الانتقالي الجنوبي للشرعية اليمنية في أوقات الأزمات وذلك في انعكاس لعدم رغبة المجلس في تحمّل التبعات الاجتماعية والسياسية لتلك الأزمات وما تسببه من سخط شعبي يخشى الانتقالي أن يؤثّر على مستوى شعبيته في مناطق نفوذه، حيث يريد تأسيس دولة الجنوب المستقلة التي يقول إنّها تمثّل مشروعه الأصلي وأن شراكته مع السلطة اليمنية مسألة
مرحلية مؤقتة.