بادر حلف قبائل حضرموت الذي تحوّل مؤخّرا إلى أبرز طرف في المعادلة السياسية بالمحافظة الواقعة شرقي اليمن إلى اتخاذ خطوة تصعيدية جديدة ناقضت بشكل جذري جهود التهدئة التي بذلتها عدّة أطراف في مقدمها مجلس القيادة الرئاسي الذي حاول “ترويض” الحلف بإطلاقه أوائل يناير الماضي مبادرته لـ”تطبيع الأوضاع في حضرموت.”
وأعلن الحلف الأحد قراره بمنع النفط الخام من الخروج من المحافظة بدءا من الإثنين، في خطوة سيعني تطبيقها استفحال أزمة الكهرباء القائمة أصلا في عدن التي تتخذ منها السلطة اليمنية المعترف بها دوليا عاصمة مؤقتة، كما سيعني تسليط ضغوط شديدة على حكومة رئيس الوزراء أحمد عوض بن مبارك سواء من قبل سكان المناطق الواقعة ضمن سلطتها أو من قبل شريك الشرعية المجلس الانتقالي الجنوبي الغاضب بشدّة من أزمة الخدمات القائمة في مناطق نفوذه.
وكان حلف القبائل الذي يتزعّمه عمرو بن حبريش قد صعّد كثيرا من احتجاجاته على السلطة اليمنية ومطالبته لها بإنفاق عوائد الثروة الطبيعية لمحافظة حضرموت في تحسين أوضاع سكانّها، وحوّلها إلى نوع من العصيان بسيطرته على منافذ وطرق نقل النفط الخام من مواقع إنتاجه وأصبح متحكّما في حركة الشحنات وكمياتها وتحديد الوجهات المسموح بعبور الصهاريج نحوها.
وقال حلف قبائل حضرموت في منشور على صفحته في فيس بوك إنّ رئيسه بن حبريش وجّه “قيادة اللجنة الأمنية للحلف بتوقيف خروج النفط الخام اعتبارا من الاثنين الموافق للثالث من فبراير 2025، وذلك حفاظا على ثروات حضرموت، وبعد أن أعطى أهلُ حضرموت مجلس القيادة الرئاسي الوقت الكافي للبت في تنفيذ الاستحقاقات المشروعة، الأمر الذي يتحتم علينا اتخاذ هذه الإجراءات حتى الاستجابة وإعطاء حضرموت مكانتها المستحقة كطرف مستقل ضمن المعادلة اليمنية.”
وكانت لافتة عودة الحلف للتصعيد، في وقت وجيز نسبيا لا يكفي كمهلة للرئاسي اليمني لتنفيذ مبادرته المذكورة التي تتطلب اتخاذ سلسلة من الإجراءات التنفيذية التي لا تخلو من الصعوبة والتعقيد من بينها اعتماد عائدات بيع النفط الخام الموجود في خزانات الضبة والمسيلة لإنشاء محطتين كهربائيتين جديدتين في ساحل ووادي حضرموت، واستيعاب أبناء المحافظة في القوات المسلحة والأمن، والوقوف على قضايا الفساد المنسوبة لشركة استكشاف وإنتاج البترول بترومسيلة، ودعم وإسناد الجهود لتوحيد وحشد أبناء حضرموت ومكوناتهم كافة، وتعزيز شراكتهم العادلة في هياكل الدولة وأي استحقاقات سياسية قادمة.
كما تضمنت المبادرة أيضا إنشاء مستشفى عام في منطقة الهضبة من عائدات قيمة الديزل المخزون في شركة بترومسيلة، بالإضافة إلى إدارة كافة العوائد المحلية والمركزية لصالح تنمية وإعمار المحافظة وفقا لخطة تنموية مشتركة مع الحكومة، ومجتمع المانحين الإقليميين والدوليين.
وكان الهدف الواضح من المبادرة المذكورة هو وقف الحراك الاحتجاجي المتدرّج والنأي عن محاذير العنف وهو ما بدا واضحا من نص المبادرة الذي اشترط “ترحيب السلطة المحلية وكافة المكونات الحضرمية بالقرارات المتفق عليها وإنهاء المظاهر الاحتجاجية تمهيدا لإجراء اصلاحات شامله تعيد لمحافظة حضرموت وضعها الطبيعي كقاطرة للتنمية والاستقرار.”
لكنّ التصعيد الجديد الذي بدأه حلف القبائل بقراره وقف خروج شحنات النفط أظهر أن ذلك الهدف بعيد المنال، وأن القرار المسبق للحلف هو استدامة الضغط خصوصا وأنّه سبق أن كشف أن طموحاته تتجاوز مجرّد تحقيق مطالبه الاقتصادية والاجتماعية والخدمية إلى أهداف سياسية أبعد مدى وذلك عندما أعلن عن توجهه لإعلان الحكم الذاتي في حضرموت وشروعه في تشكيل قوات أمنية خاصة به.
وسيلقي قرار وقف خروج النفط في حضرموت بظلاله على الوضع العام في مناطق الشرعية والتي تخترقها حالة من الغضب الشعبي بسبب سوء الأوضاع المعيشية وتردي الخدمات وصولا إلى انهيارها في بعض الأحيان على غرار ما حدث في عدن التي أصبح شحّ الوقود المستخدم في توليد الكهرباء يتسبب في انقطاعات كلية ومطوّلة للتيار الكهربائي.
وتكمن المفارقة في أنّ قرار الحلف جاء بعد ساعات من مناشدة مؤسسة الكهرباء في عدن لقيادة حضرموت بتأمين الوقود اللازم لتشغيل محطة الرئيس الكهربائية وتحذيرها من قرب انقطاع التيار على المدينة بشكل كامل، الأمر الذي جعل بعض الجهات تعتبر أنّ القرار متعمّد لإحراج مجلس القيادة وحكومة بن مبارك.
وتأتي هذه التطورات في ظل أجواء متوتّرة في حضرموت وصراعات محتدمة مدارها الرئيسي الثروة النفطية للمحافظة، تجلّت مؤخّرا في السجال الحادّ الذي تفجّر بين السلطة المحلية ممثلة بالمحافظ مبخوت بن ماضي وعضو مجلس القيادة الرئاسي فرج البحسني، حيث كشف عن عملية اختلاس وتكرير سرّي لكميات من الخام جدلا حادّا وردودا متشنجّة من عدّة جهات.
وأسفرت جولة ميدانية قام بها البحسني في حضرموت وشملت المنشآت والمرافق النفطية عن اكتشاف ما في قال منشور على منصّة إكس إنّه “خط لأنبوب نفط بقطر كبير يمتد من قرب خزانات النفط بالضبة وباتجاه أحد الأحواش التي تقع على مسافة من موقع منشآت الضبة لغرض ضخ النفط الخام وتصفيته بطريقة غير قانونية.”
وتسبب ذلك بحرج شديد لبن ماضي الذي رّد ببيان نفى فيه ضلوع السلطة المحلية التي يقودها في أي عمليات استغلال غير مشروع للنفط قائلا إنّ “التصعيد الأخير في محافظة حضرموت وما تخلله من لغط حول بعض المعلومات المغلوطة هدفه النيل من المحافظة وما يتم تنفيذه من مشاريع تنموية فيها إلى جانب الاستقرار النسبي في قطاع الخدمات.”