آخر تحديث :الأحد - 02 فبراير 2025 - 09:50 م

ثقافة وأدب


الشاعر يحيى عمر في كتابات لاندبرج وربيرت سرجانت

الأحد - 02 فبراير 2025 - 07:45 م بتوقيت عدن

الشاعر يحيى عمر في كتابات لاندبرج وربيرت سرجانت

مسعود عمشوش

قام عدد من علماء اللغة العربية الغربيين، الذين يطلق عليهم صفة (المستعربين)، بدراسة لهجات الجنوب العربي، وبشكل خاص لهجة حضرموت. من أشهر هؤلاء الكونت السويدي كارلو دي لاندبرج، الذي أصدر سنة 1900 كتابا مهما بعنوان (لهجة حضرموت)، ضمّنه ثلاثا من قصائد يحيى عمر، والثاني الضابط البريطاني روبيرت سرجانت، الذي ضمن كتابه (نثر وشعر من حضرموت، سنة 1953 تقديما للشاعر يحيى عمر وإحدى قصائده الغزلية.

من المعلوم أن كارلو دي لاندبرج، يعتمد في دراسته للهجة حضرموت على تقديم عددٍ كبيرٍ من النصوص الشعرية والنثرية، استهلها بـ(أغنية وداع حضرمية)، ثم عشر قصائد لثمانية من الشعراء الشعبيين، أملاها عليه مخبروه الحضارم: المغني الحضرمي سعيد عوض، الذي أسمعه نماذج مختلفة من الشعر الغنائي الحضرمي، ومنصور باضريس.

وإضافة إلى القصائد السياسية، ركّز لاندبرج على القصائد ذات الطابع الغزلي الجريء، التي تدخل في إطارها قصائد للشاعر يحيى عمر الملقب بـ(بو معجب)، والتي يرى لاندربرج أنها تجسد جميعها اللهجة الحضرمية وإيقاعات شعر الدان الحضرمي. وبالطبع لا يفوت لاندبرج أن يشير في تعليقه إلى أن "بو معجب ينحدر من جبال يافع، مثلما هو حال معظم عسكر النقيب الكسادي وخلفه القعيطي".

وهذا نص القصائد الثلاث التي اعتمد عليها لاندبرج لإبراز يعض سمات اللهجة الحضرمية:

(1) القصيدة الأولى لبومعجب (يحيى عمر)

بالتين والزيتون والسجدة وعمّ واقترب

يا جود يا ما جود فُوُّلنا من آفات التعب

يقول بو مععب نضرت اليوم صلطان العرب

لابس قُبا تركي ومسح أخضر مطرز بالذهب

بالحجل والخلخال والبوتي ملا صُدره حَزَب

تقول ذَلْمهدي خَرَج بالجيش لا بَرْ العرب

خرج يهوش الناس في البندر ولا هَمّ التعب

أقدمت با سلّم فقال مِنَ أيّاتِ العرب

قُلت من يافع بني مالك مُجلّين الكرَب

يحيى عمر اسمي مُولّع هِمت في بحر الغُبَب

ساهن وصولك يا حياة الروح قدنا من رجب

واليوم عيد الله حق الله هَبْلي ما يجب

قبلة على خدك خفيفة دين ما فيها طلب

ما بيننا صحبة قديمة ما سرع الحي ما انقلب

المستعان يا ناس أنا قلبي تكمّل واغتلب

من عشقة الفتّان سيد الناس غالي في نسب

اخضر رشيق القد له قامه كما رمح الأدب

العشق هو فتنة ومحنة للمزوج والعزب

هو لي سلب عقلي وخلّانا مسمّر في التعب

الشوق ازعجني وكم صبّت دموع العين صب

لا ما لهوى والشوق ما حرّك شجن عود الطرب

ولا سجن يوسف بمصر القاهرة من غير أدب

لا تصحب المنان يضحك لك وفي قلبه لهب

يعاهدك بالله ويحلف لك وساعة وانقلب

لا تساير الجربان تستعدي ويعطيك الجرب


(2)- القصيدة الثانية لبومعجب (يحيى عمر)

يقول بو معجب عجب يا عجبْ النوم من الأعيان جنّب

حالي ضني وجسمي كِمِل يا عرب قلبي مع الخُرَّد معذب

العذب لي مسكنه بين القلب باللول والفضة مقضّب

أعيان قتّالة وفيهن سبب حُمُر الحدق نيران تلهب

والخشم خنجر حكّمه لي شطب خلّا حدوده تلقط الحب

وسنون بيضا مثل شُخب الحلب والريق مثل القنذ وأطيب

الصدر فيه الشهر ما بعد غرب ميدان لأهل الخيل تلعب

وكعوب مثل الليم وانحف ولب والسمسمي منهن تقطّب

لا جيت با توهّم عليهن ضَغَب قد سالت عيونه وغيَّب

والخصر لا هب الشمال انقطب نخشى عليه لا هب لزْيَب

العيز مركب في خضير الحدب ساري وخلق الله تعجب

أفخاذ بيضاء صبّهن الله صب ما بينهن قفل الملولب


(3) القصيدة الثالثة لبو معجب يحيى عمر

يقول بو معجب تعجّب يَلّذي ما لك بصر

من عشقة البيض الغواني ما تجي الاّ بالعسر

العشق ما هو بالعمايم ولا بتصفيد العُصَر

ولا لِمِن ينقُش جبينه قال وشوفونا نضر

ما عشق إلا بالسياسة واللبابة والبصر

إلا لمن صرصر وقد صر الدراهم في المصر

داكي ومستامن ولا عندي من الفتنة خبر

الاّ وأنا بخيّل لي هو فوق مهره قد عبر

يلِعِّب المهرة وقدَّامه ثلاثتشعر نفر

يلفت إلى أصحابه بعانه قال ده يحيى عمر

حطوا عليه الدرسخانه لا تفكونه حذر

وقلت أنا يا سيدي من بعد ما جرى مني ضهر

لا تفتح الباب المغلّق وانتِ من لك به بصر

قال الهلي قلبه زجاجه وانما قلبك حجر

باحط صدري فوق صدرك خُشْخُشُه والا انكسر


أما الضابط البريطاني المستعرب روبيرت سارجانت فيبيّن، في الفصل الأول من كتابه: (شعر ونثر من حضرموت، 1953)، الأهمية الكبيرة التي يكتسبها الشعر في حضرموت، ويرى أنه من أبرز مظاهر الحياة، إذ أنه ينظم ويردد في مختلف الأنشطة والاحتفالات الشعبية. وفي الفصل الثالث من الكتاب (الأغنية الحضرمية، موسيقاها ومكانتها في المجتمع الحضرمي)، يقدم سرجانت بشكل تفصيلي لأبرز أنواع الرقصات والقصائد الغنائية الشعبية في حضرموت؛ فيذكر أغاني الجمالين (الحدا)، وأغاني الرقص في البادية، وألحان الرقص الحضرية، ويضع بينها قصيدة دان طويلة ليحيى عمر، يعتمد الشاعر فيها إيقاع المدسوس، وهذه بدايتها:

بعد الآن يَحْيَا عُمرْ شَلَّ الدَّانَ فِي الْفَتانُ هِنْدِي مَلِكَ هِنْدُسْتانُ مَا يَهْتَانُ

لِلَّهِ مِنْ ذَا الْهِنْدِي


سيد أهله في النَّاسِ مَا حَد مِثْلُه طَابَ أَصْلُهُ كَم لِي تَمَنَّى وَصْلُهُ مِنْ جَهْلُهُ

مَا يَوْمِ جَا لَا عِنْدِي


حاضرباش هِنْدِي بَرابَرْ شَابَاش مِثْلَ الشَّاشُ أَبْيضُ مُنقَرَشُ نِقْرَاشُ عَقْلِى طَاش مِسْكِينَ أَنَا مَا يُهْدِي


هَاوَيْتُهُ مِنْ يَوْمَ أَنَا لَا قَيْتُهُ نَاجَيْتُهُ مِنَ يَوْمٍ عَيْنِي رَيْتُهُ فِي بَيْتُهُ

يَغْلِبُ وَسَاعَهُ يُبْدِي


قُلْت اشرف هَيَّا تَفَضَلُ وَاعْطِفْ لَا يُقْلِف إِنْزِلْ لِيَحْيَا وَاطِرِفْ ذَا الْمُدْنف

هايم بِحِبَّكَ وَحْدِى


قالِ اسْمَعْ صَاحِبَ شَلَوْهُ قُم اطَّلَعْ لَا تَمْنَعُ مِنَ الْعَرَب لَا يُفْزَعُ لَا يَفْجَعْ

هذه بِلادَ الْهَنْدِي.


أما الفصل الأخير من الكتاب فيكرسه سرجانت لتقديم تراجم موجزة جداً لمؤلفي النصوص التي ضمّنها مختاراته، ومن بينهم يحيى عمر الذي قدمه على النحو الآتي: "يحيى عمر المعروف بـ أبو معجب، صاحب النص رقم (22)، وهو أحد أشهر الشعراء في جنوب الجزيرة، إلا أنه لم يتوفر لدي إلا القليل من المعلومات الموثوق بها عن حياته، ما عدا أنه كان معروفا في حيدر آباد ويتقن اللغة الأردية كما يتضح ذلك من الكلمات الهندية التي يستعملها في أشعاره. وقد استطاع دي. سي. فيلوت D.C. Phillott أن يجمع بعض الحكايات عنه، منها أن أحد الحضارم قال عنه: إن يحيى عمر كان في صنعاء ثم عزم على الذهاب إلى الهند فوصل إلى بارودا Baroda، حيث تزوج هناك ولم يمكث مع زوجته أكثر من خمسة عشر يوماً ثم طلقها وغادر تلك المنطقة إلى هندستان ومن هناك قصد كلكتا ... ويعده صلاح البكري أحد مشاهير الشعر العامي في حضرموت. ولا أعرف ما إذا كانت حضرموت هي مسقط رأسه أم أنه قدم إليها من (جبال يافع)، ولكني أشك أنه من مواليد حضرموت، وعلى كل حال فإنه كان أحد رجال قبيلته. وتوجد نسخة من ديوان يحيى عمر لدى لاندبرج، ولا شك أنه قد اختار القصائد التي نشرها في كتابه من ذلك الديوان، وهي قصائد يمكن أن تكون أشهر القصائد في حضرموت هذه الأيام وأكثرها تداولاً بين المغنين. وقد قامت شركة (أوديون والتاج العدني) بتسجيل أغاني يحيى عمر في مجموعة أسطوانات البحرين. والجدير بالذكر أن أسطوانات التاج العدني التي سجلت عليها أغاني يحيى عمر تبدأ بقول يحيى عمر:

يحيى عمر قال من كم هذا العسل بانشتري قفله؟".