آخر تحديث :السبت - 22 فبراير 2025 - 01:14 م

قضايا


الجرائم المتعلقة بزراعة ونقل الاعضاء البشرية

الأحد - 04 يونيو 2023 - 03:05 م بتوقيت عدن

الجرائم المتعلقة بزراعة ونقل الاعضاء البشرية

صالح عبدالله المرفدي.. قاض محكمة نقض

"دراسة تحليلية مقارنه"


#تمهيد:
بين الحين والآخر يهيمن على الشارع اليمني والعربي بوجه عام، ذلك النقاش القديم المتجدد، حول التبرع بالأعضاء قبل أو بعد الوفاة، وأحقية الشخص في التصرف بجسده، وسط موجات جدل متشعبة، حول حكم الشرع والقانون في التبرع، والاتجار بالاعضاء البشرية، والتي اصبحت تجارة عابرة للحدود الرخوة، لا سيما في ظل الأوضاع الأمنية غير المستقرة، واشتعال جبهات الصراع في اليمن.

- وفي هذا الاطار، تصاعدت أدوار عصابات الاتجار بالأعضاء البشرية في بعض دول الإقليم، وهو ما بدا جليًّا في العراق، وليبيا، ولبنان، وسوريا، مصر، والسودان، وكذلك في اليمن، واصبح بيعها في السوق السوداء، لا سيما مع تحالفها مع المافيات الإجرامية في مجالات أخرى، بحيث تضم الشبكة أساتذة جامعات، وأطباء، وأعضاء هيئة تمريض، وأصحاب مراكز ومختبرات طبية، و وسطاء وسماسرة و"أرباب سوابق"، و وصل الأمر الى منتحلي الصفات الامنية!

- ومن نافلة القول، أن العلم يتقدم بشكل أكبر وسرعة أكثر من الإنسان، وأصبح بمواجهة المبادئ التقليدية مبادئ جديدة، مثل مبدأ احترام التطور، وحرية البحث الطبي، وتقييمه الواعي للمنافع المرجوة منه، وللموازنة بين التطور العلمي، وارتكاب الجرائم في هذا المجال، كان من الأهمية، أن نجري دراسة مختصرة حول هذة القضية، ومن هذا المنطلق، سنقسمها الى خمسة محاور: نتناول في الاول، مدلول وعناصر وصور هذة الجريمة، ونتطرق في المحور الثاني، لموقف الشريعة الاسلامية من القضية، ونتحدث في الثالث، عن موقف القوانين العربية، ونستعرض في المحور الرابع، موقف التشريع والواقع اليمني، ونخصص الخامس والاخير، لوضع خاتمة الدراسة، مع طرح بعض التوصيات والمقترحات المتواضعه في هذة القضية الحساسة.

#المحور الاول: مدلول وعناصر وصور الجريمة
١- مدلول الجريمة:
أ- في اللغه: تعرف كلمة العضو في المعاجم اللغوية، بأنها (عضا)، بمعنى العضو الواحد من أعضاء الشاه وغيرها، وقيل هو كل عظم وافر يلحمه، وجمعها أعضاء، وعضي الذبيحة بمعنى: "قطعها أعضاء". ويعرف العضو البشري عند الأطباء بأنه: ”مجموعة أنسجة تعمل مع بعضها البعض؛ كي تؤدي وظيفة معينة، كالمعدة، والكبد، والكلية، والقلب، وغيرها…". أما الأنسجة التي يتكون منها العضو فهي: ”مجموعة الخلايا التي تعمل مع بعضها البعض؛ لتؤدي وظيفة معينة، والخلية هي أصغر وحدة في المواد الحية".
ب- وفي الاصطلاح: يعرّف الاتّجار بالأعضاء البشرية بأنه: ”قيام فرد أو جماعة إجرامية منظمة، بتجميع الأشخاص دون رضاء منهم، سواءً بالتحايل أو الإكراه، حيث يتم نزع أعضاء هؤلاء الضحايا، ومن ثم بيعها كبضاعة؛ من أجل الحصول على أرباح مالية".

٢- عناصر الجريمة:
تتمثل عناصر جريمة الاتّجار بالأعضاء البشرية، بالاتي:
أ- مادة الجريمة: وتشمل السلعة في جريمة الاتجّار بالأعضاء البشرية، والمتمثله باعضاء جسم الإنسان، أو جزء منها، أو أنسجة الجسم، أو خلاياه، والتي يتم نزعها من المتبرعين.
ب- المتبرعين: وهم الأشخاص الذين يتم تجنيدهم واستغلالهم، بمعرفة سماسرة الاتّجار بالأعضاء البشرية، والذين غالبا ما يكونوا من الفقراء، من خلال إغرائهم بالمال واستغلالهم حاجتهم له، ويستوي في ذلك، أن يكون طواعية، أو كرهاً عنهم، أو بخداعهم.
ج- التجار أو السماسرة: ويقصد به ذلك الشخص، أو الجماعات والعصابات الإجرامية المنظمة، التي تباشر عملية تجنيد المتبرعين وإغوائهم بالمال؛ للحصول على أعضائهم، وغالبا ما قد يلجأ السماسرة، إلى وسيط بين المتبرعين والمتلقين.
د- المتلقي: وهم الأشخاص الذين يتم نقل الأعضاء البشرية إليهم، وغالبا ما يكون هؤلاء من الأغنياء.
ها- الأطباء: وهم الأشخاص أصحاب الخبرة الطبية، الذين يتم توريطهم في عمليات نقل الأعضاء غير المشروعة، وغالباً ما يتم تجنيد هؤلاء الأطباء من قبل عصابات الإجرام المنظمه؛ من خلال إغرائهم بالمال للقيام بمثل هذه العمليات.
و- السوق: ويقصد بالسوق، المناطق والدول، التي تنشر بها تجارة الأعضاء البشرية، كما هو الحال في بعض المناطق في الهند، والفلبين، والصين, والتي عرف عنها بانتشار بيع الأعضاء فيها.. وتبعًا لفكرة السوق، ترتبط جريمة الاتجار بالأعضاء البشرية بنوعين، هي: سوق دول العرض/ ويقصد بها الدول المصدرة للمتبرعين، وفي الغالب تكون دول فقيرة، تعاني مشكلات سياسية واقتصادية واجتماعية. وسوق دول الطلب/ ويقصد بها الدول المستوردة للأعضاء البشرية، وعادة ما تكون دول غنية أو صناعية كبرى.

٣- صور الجريمة:
- الصورة الاولى: الجريمة المجرّدة:
وتقوم فيها الجريمة على أساس، تجريم نقل الأعضاء البشرية، بالمخالفة للشروط آلتي تتطلبها القوانين، ويتمثل ذلك بقيام الأطباء البشريين، باستئصال العضو من أجل زراعته في شخص آخر، وتقتصر على الأعضاء والأنسجة البشرية، التي يتم استئصالها بغرض زراعتها، والفاعل فيها يجب أن يكون طبيباً، والمجني عليه انسان، ومحل الجريمة الأعضاء البشرية والأنسجة أيا كانت.

- الصورة الثانية: مخالفة المنشأة الطبية:
وتتحقق بقيام الطبيب، باجراء عملية من عمليات النقل أو الزرع، في غير المنشآت الطبية المرخص لها، مع علمه بذلك، ولا يقتصر الامر على تجريم الطبيب المخالف فحسب، بل يمتد إلى انعقاد المسئولية الجنائية والمدنية، للشخص المسئول عن الإدارة الفعلية للمنشأة الطبية، بالتضامن مع الطبيب الذي أجرى العملية.

- الصورة الثالثة: الخداع أو الاكراه:
وتتمثل الجريمة بقيام الطبيب بنقل العضو ؛ بقصد الزرع، وبطريقة التحاليل أو الإكراه على الشخص "المجني عليه"، مع علمه بذلك.

- الصورة الرابعة: التحقق من الوفاة:
وتتوافر فيها الجريمة، من خلال نقل أي عضو أو نسيج من جسم الإنسان، دون ثبوت موته ثبوتاً يقينيًا، فالأصل أن الطبيب، يلزم بضرورة التيقن والتثبت من وفاة المتبرع قبل النقل، لكنه يخالف ذلك.

#المحور الثاني: موقف الفقة الاسلامي:
أباحت الشريعة الاسلامية، التبرع بالأعضاء وزرعها والانتفاع بها، وفق الضوابط التي نص عليها علماء الإسلام في الوقت الحاضر، والمبنية على ضرورة احترام الأخلاقيات المتعلقة بهذا الميدان، حيث كان للفقهاء المعاصرين أقوال عدة في هذة القضية، يمكن أن نضع الراجح منها في صورتين:

*الصورة الأولى: نقل العضو من شخص حي:
وتشمل الحالات التالية:
- الحالة الاولى/ نقل العضو من مكان من الجسد، إلى مكان آخر من الجسد نفسه، "كنقل الجلد والغضاريف والعظام والأوردة والدم ونحوها...".
- وحكمها الشرعي هو: جواز نقل العضو من مكان من جسم الإنسان، إلى مكان آخر من جسمه، مع مراعاة التأكد، من أنَّ النفع المتوقع من هذه العملية، أرجح من الضرر المترتب عليها، وبشرط أن يكون ذلك؛ لإيجاد عضو مفقود، أو لإعادة شكله، أو وظيفته المعهودة له، أو لإصلاح عيب فيه، أو إزالة دمامة؛ تسبب للشخص أذى نفسي أو عضوي.

- الحالة الثانيه/ نقل العضو من جسم إنسان حي، إلى جسم إنسان حي آخر، وينقسم العضو في هذه الحالة إلى:
١- ما لا تتوقف عليه الحياة:
فمنه ما يقوم بوظيفة أساسية في الجسم، ومنه ما لا يقوم بها، ومنه ما يتجدد تلقائياً كالدم، ومنه ما لا يتجدد، ومنه ما له تأثير على الأنساب أو الموروثات، أو الشخصية العامة، كالخصية والمبيض، وخلايا الجهاز العصبي، ومنه ما لا تأثير له على شيء من ذلك..
- وجميع ماذكر حكمه الشرعي هو: جواز نقل العضو من جسم إنسان إلى جسم إنسان آخر، إن كان هذا العضو يتجدد تلقائياً ، كالدم والجلد، ويراعى في ذلك، اشتراط كون الباذل كامل الأهلية.

٢- ما تتوقف عليه الحياة:
فقد يكون فردياً، وقد يكون غير فردي، فالأول: كالقلب أو الكبد، والثاني: كالكليتين أو الرئتين.
- وحكمها الشرعي كالاتي:
أ) تجوز الاستفادة من جزء من العضو الذي استؤصل من الجسم؛ لعلة مرضية لشخص آخر، كأخذ قرنية العين لإنسان ما، عند استئصال العين؛ لعلة مرضية.
ب) يحرّم نقل عضو تتوقف عليه الحياة، كالقلب من إنسان حي إلى إنسان آخر .
ج) يحرّم نقل عضو من إنسان حيّ، يعطّل زوال وظيفة أساسية في حياته، وإن لم تتوقف سلامة أصل الحياة عليها، كنقل قرنية العين كلتيهما، أما إن كان النقل، يعطل جزءاً من وظيفة أساسية، فهو مازال محل بحث ونظر من الفقهاء حتى اللحظة!

*الصورة الثانية: نقل العضو من ميت:
والموت يشمل حالتين:
- الحالة الأولى: موت الدماغ، بتعطل جميع وظائفه تعطلاً نهائياً، لا رجعة فيه طبياً.
- اما الحالة الثانية : توقف القلب والتنفس توقفاً تاماً، لا رجعة فيه طبياً.
- وحكمهما الشرعي هو: جواز نقل عضو من ميت إلى حيّ، تتوقف حياته على ذلك العضو، أو تتوقف سلامة وظيفة أساسية فيه على ذلك، بشرط أن يأذن الميت قبل موته، أو ورثته بعد موته، أو بشرط موافقة ولي أمر المسلمين، إن كان المتوفى مجهول الهوية أو لا ورثة له.

- وغني عن البيان، أن الأصل في بيع الأعضاء البشرية هو الحظر؛ لأن الشريعة الاسلامية، تشترط لصحة عقد البيع، أن يكون محل العقد مشروعاً، بمعنى أدقّ، أن يكون العضو البشري من الأشياء التي تكون داخلة في دائرة التعامل، كما يشترط أن يكون سبب العقد مشروعاً أيضاً، فالاتفاق على جواز نقل العضو في الحالات التي تم بيانها، مشروط بأن لا يتم ذلك بواسطة بيع العضو؛ إذّ لا يجوز إخضاع أعضاء الإنسان للبيع باي صورة كانت، أما بذل المال من المستفيد، كمكافأة وتكريماً له، فما زال محل اجتهاد ونظر!

#المحور الثالث: موقف التشريعات العربية:
١- نماذج تشريعية:
نظمت القوانين العربية، كيفية التبرع بالاعضاء البشرية على أسس إنسانية، للمحافظة على حياة آلاف المرضى، ومكافحة الاتّجار بهم، مع أهمية توفير الرعاية الصحية والعلاجية لجميع المرضى، باعتباره حقًا دستوريًا وإنسانيًا. ويمكن التطرق لموقف بعض القوانين العربية بشكل موجز، وعلى النحو الاتي:

أ- في مصر: تحدث الدستور بالمادة (٦١) على أن التبرع بالأنسجة والأعضاء هبة للحياة، ولكل إنسان الحق فى التبرع بأعضاء جسده، أثناء حياته أو بعد مماته، وبموجب موافقة أو وصية موثقة، وتلتزم الدولة بإنشاء آلية لتنظيم قواعد التبرع بالأعضاء وزراعتها وفقًا للقانون. كما تطرق القانون رقم 5 لسنة 2010، بشأن "تنظيم زرع الأعضاء البشرية"، لاحكام التبرع واهمها، أن يكون التبرع صادرا عن إرادة حرة خالية من عيوب الرضا، وثابتًا بالكتابة.

ب- وفي المغرب: نظم القانون، عمليات التبرع بالأعضاء والأنسجة البشرية وزرعها، وينص القانون على ضرورة إعلام المتبرع، بالمخاطر التي قد يتعرض لها، بحيث لا يجوز تعريض حياته للخطر، كما لا يجوز أخذ عضو بشري من شخص حيّ للتبرع به، إلا من اجل المصلحة العلاجية للمتبرع، على أن يكون إما من أصول المتبرع أو فروعه، كما يجب على المتبرع، أن يعبر على موافقته على أخذ عضو منه، أمام رئيس المحكمة الابتدائية التابع لها المستشفى المعتمد، الذي ستتم فيه عملية الأخذ والزرع، أو أمام قاض من المحكمة المعنية، على أن يكون بمساعدة طبيبين، يعينهم وزير الصحة، وباقتراح من رئيس المجلس الوطني لهيئة الأطباء الوطنية.

ج- أما في السعوديه: فقد أقرّ مجلس الوزراء في أبريل العام الماضي، نظام التبرع بالأعضاء البشرية، والذي يهدف إلى تنظيم إجراء عمليات، نقل وزراعة الأعضاء وحفظ الأعضاء؛ للمحافظة على الحياة البشرية، وحماية حقوق الأشخاص الذين تنقل منهم أو إليهم الأعضاء البشرية، ولاجل ذلك، منحت تراخيص المنشآت الصحية، وتحديد مسؤولياتها فيما يتعلق بالتبرع بالأعضاء وزراعتها، والحرص على منع استغلال حاجة المريض أو المتبرع، أو الاتّجار بالأعضاء البشرية. وفي خطوة جريئة، شرع خادم الحرمين الشريفين، و ولي عهده، بتسجيل أنفسهم شخصيًا، في برنامج التبرع بالأعضاء، في الوقت الذي تعدّ فيه السعودية ضمن الدول الأولى عالمياً، في نجاح زراعات الأعضاء البشرية، كما لاقت هذة الخطوة، أشادة الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء.

وفضلاً عن ما تقدم، نص (مشروع القانون العربي) الصادر من مجلس وزراء الصحة العرب، بجلسته المنعقدة عام 1986 على أنه: "يجوز للشخص أن يتبرع، أو يوصي بأحد أعضاء جسمه، ولكن يشترط أن يكون ذلك دون مقابل، وأكدت هذه الاتجاه، مقررات الدورة الرابعة، لمجلس مجمع الفقه الإسلامي، الصادرة في عام 1998، لكن ما نجده في إطار الواقع العملي والحياتي الذي نعيشه مختلف تماماً، فكيف نفسر ذلك؟!

٢- احكام التبرع:
ويمكن إيجاز أهم احكام التبرع، التي اجمعت عليها اغلبية التشريعات العربية، وفقا للبنود الاتية:
أ- ألا يزيد سن المتبرع على 50 عاماً.
ب- أن يكون المتبرع كامل الأهلية، ويكون التبرع صادرًا عن إرادة حرة خالية من عيوب الرضاء، وثابتًا بالكتابة.
ج- أن يكون هناك توافق في الأنسجة، وفصيلة الدم.
د- أن يتم إجراء كافة الفحوصات اللازمة؛ لإثبات سلامة المتبرع وقدرته على التبرع، لمعرفة ملائمة العضو المتبرع به للمنقول إليه، واحتياج المنقول إليه.
ها- أن تكون عملية الزراعه، ذات فُرص نجاح مقبوله، طبقا للقواعد العلمية والطبية المتعارف عليها.
و- أن يتم الزرع في إحد المنشأت الطبية المرخص لها بذلك، طبقا لأحكام القوانين الخاصه بذلك.
ز- أن يتم التأكد من عدم وجود مقابل مادي، أو ضغط نفسي في جميع حالات التبرع.

٣- العقوبات:
نصّت اغلبية التشريعات على عقوبة السجن المشدد (اكثر من ثلاث سنوات)، وكذا الغرامة المشددة في حال وقعت عملية الزرع أو النقل، "بالمخالفة" للشروط المذكورة أنفاً، كما نصت اغلبية التشريعات، على عقوبة السجن المؤبد أو الإعدام؛ في حال "وفاة المتبرع"، أو ثبوت الاتّجار بالأعضاء البشرية. وتطرقت بعض التشريعات "لعقوبات ادارية"، كوقف الترخيص أو إغلاق المنشاة، في حال اجراء عمليات النقل والزراعة، في غير المستشفيات الطبية المرخص. كما نصت بعض التشريعات، على معاقبة "جريمة الوساطة"، فى نقل وزراعة الاعضاء البشرية، بالمخالفة للقوانين المنظمة، ومنحت اعفاء للوسيط" من العقوبة، إذا أخبر السلطات بالجريمة قبل تمامها، أو ساهم ذلك فى ضبط الجناة. بالاضافة الى ذلك، شددت بعض القوانين العقوبة، في حالة "العود"، وكذلك نصت على عقوبة "نشر الحكم" فى جريدتين يومية واسعتى الانتشار، وعلى نفقة المحكوم عليه.

#المحور الرابع: موقف المشرع والواقع اليمني:
١- التشريع اليمني:
لحد اللحظة! لا يوجد قانون في اليمن، ينظم مسائل التبرع بالنقل أو الزراعة. ماعدا بعض النصوص القانونية، ذكرها القانون رقم (26) لسنة 2002م، بشأن "مزاولة المهن الطبية والصيدلانية". حيث تناولت المادة (٢٧) منه، بعض الشروط: منها المتعلقه "بلجنة الاطباء" قبل اجراء العملية، ومنها شروط متعلقه "بالمتبرع"، وتطرقت المادة (٢٨) لحق المتبرع بسحب الموافقه قبل اجراء العمليه، فيما صرحت المادة (٢٩) بمنع نقل الاعضاء من القصر وناقصي الاهليه، سواءً كانوا ناقصي أو فاقدي الادراك والوعي، بينما أجازت المادة (٣٠) عمليات نقل الانسجة، وقرنية العين من متوفى الى حيّ بوصيه أو بموافقة الورثه، فيما منعت المادة (٣١) السماح باجراء العمليات، خارج المستشفيات والمراكز الطبيه المصرح لها بذلك.

- ويلاحظ من خلال التأمل في نصوص القانون المذكور، أن معالجة قضايا زراعة ونقل الاعضاء البشرية، جاءت مختصرة وموجزة، ولم تفصل فيها احكام ومسائل عديدة، كما ذكرتها التشريعات العربية.. كما يجب الاخذ بالحسبان، أن القانون المذكور، لم يتطرق في باب العقوبات لأي عقوبة، في حال مخالفة المواد (٢٧ وحتى ٣٢)، الامر الذي يجعل تطبيق هذة النصوص القانونية، غير ذي جدوى وغير منتجه، من حيث الأثر المترتب في حال مخالفتها، وتماشياً مع ما تم ذكره، فإن الحاجة تتطلب اصدار "قانون خاص"، يفصّل قضايا نقل وزراعة الاعضاء البشرية بشكل دقيق ومضبوط، سواءً في مواجهة الطبيب أو المريض؛ وذلك من أجل أن يعرف كل منهما، ماله وما عليه من حقوق وواجبات وشروط، ويظل السؤال مطروحًا: ماهي الأسباب التي أدّت إلى تأخر إقرار القانون حتى يومنا هذا؟! لاسيما وان الطب في اليمن، يجري فعلاً عمليات لزراعة الكلى منذو عام 1995م؟؟!!

- ومما تجدر الاشارة بالقول، أن هناك "مشروع قانون يمني"، قُدّم عام ٢٠٠٥ من قبل وزارة الصحة الى مجلس الوزراء، الذي أقرّ تقديمه الى مجلس النواب، ولم يناقشه الاخير حتى اللحظة، "بحسب أفضل علمي؟". وينظم مشروع القانون الطرق والاجراءات الصحية؛ لزراعة ونقل الاعضاء البشرية، ويتضمن المشروع (45) مادة، موزعة على ثمانية فصول: تناول الفصل الاول، مسألة التسمية والتعاريف والأهداف، فيما تطرق الثاني، للأحكام العامة للقانون، ونص الفصل الثالث، على ضوابط وشروط نقل الأعضاء البشرية من الأحياء، وكذلك ضوابط وشروط نقل الأعضاء البشرية من المتوفين، وتحدث الفصل الرابع، عن ضوابط إجراءات زرع الأعضاء البشرية، فيما استعرض الخامس، نظام تشكيل مجلس تنظيم نقل وزراعة الأعضاء البشرية، وتحديد اختصاصاته، اما الفصل السادس، فقد خصص لنظام العقوبات، وختم المشروع بفصل سابع واخير، تناول فيه ألاحكام الختامية.

٢- الواقع اليمني
فيما يتعلق بهذة القضية، ومدى انتشارها في الواقع المعاش باليمن، فإن أخر احصائيات، تؤكّد أن قرابة نصف مليون مواطن يمني، يعانون من امراض الكلى، بعضهم بالقصور، والبعض الاخر بالفشل الكلوي، وبالتالي يحتاجون "لزراعة كلى جديدة"، كما أن اكثر من 5 % من إجمالي عدد سكان اليمن، يعانون من مرض الكبد الوبائي بمختلف درجاته، وكثير منهم بحاجة "لزراعة كبد جديدة"، وكذا المئات ممن يعانون فقدان وضعف السمع، فهم بحاجة لزراعة "قوقعة"؛ لاستعادة السمع، وغيرهم الاف يحتاجون لزراعات مختلفة، كزراعة "القلب، وزراعة القرنية"، وغيرها من الأعضاء البشرية المختلفة…

- وحريًا بنا التطرق، الى أن أغلب عمليات زراعة معظم الأعضاء البشرية تتم خارج اليمن، وذلك بسبب؛ عدم توفر إمكانيات في المنشآت الصحية في البلاد، ونتيجة لذلك، ومع ظروف الحرب والفقر التي تعيشه اليمن، انتشرت في الآونة الأخيرة، ظاهرة باتت تعرف (بتجارة الأعضاء البشرية) وعلى نطاق واسع، وتأكد من خلال قيام الأجهزة الأمنية، بالقبض على عصابات تمارس تلك التجارة، التي تحطّ من آدمية المواطن اليمني؛ مستغلين بذلك فقره وعوزه وحاجته، وكل هذه المعطيات والمؤشرات مدعاة للتساؤل، حول أهمية إقرار قانون عاجل، (لتنظيم زراعة ونقل الأعضاء البشرية في اليمن)؟؟

- وحرصًا على ذلك، كان من الأهمية والضروري، وضع إطار تشريعي مناسب، يؤطّر وينظم ويسهل عمليات نقل وزراعة الأعضاء، بشكل يؤّمن ويحافظ كذلك، على الشخص المنقول منه والمنقول إليه، ويحدد واجبات الاطباء والمستشفيات والمراكز الصحية، التي تجري فيها العمليات، في إطار من الضوابط والقيود التي تحمي المجتمع، من انتشار أي صورة من صور الاتّجار بالاعضاء البشريه.

#المحور الخامس: خاتمة التوصيات والمقترحات:
استخلاصًا لكل ما سبق ذكره، نجد أن الفقه والقانون اجتهدا في وضع تحرزات وضوابط، لمنع أن يقتل الناس، وأن تؤخذ منهم الأعضاء، وخوفا من أن يتحول التبرع؛ إلى وسيلة لاستغلال أجساد الفقراء، وبناءً على ذلك، يجب أن تحاط العملية على المستوى الشرعي والقانوني بعدة شروط، وهي ما سنوصي بها للمشرع اليمني، قبل اصدار القانون الخاص بهذة المسائل، ونوجزها بالاتي:
١- بالنسبه لوفاة المتبرع:
نقترح أن يكون المنقول منه العضو، قد تحقق موته موتاً شرعياً، وذلك بالمفارقة التامة للحياة، أي موتاً كلياً، وهو الذى تتوقف فيه جميع أجهزة الجسم عن العمل توقفاً تاماً، تستحيل معه العودة للحياة مرة أخرى، بحيث يسمح بدفنه مباشرة.
٢- وبالنسبة لثبوت الوفاة:
نوصي بأن يتم التحقق من الموت، بناءً على شهادة من لجنة مكونة من ثلاثة أطباء -على الأقل-، ويكونوا متخصصين من أهل الخبرة العدول، الذين يخوّل إليهم التعرف على حدوث الموت، وتكون مكتوبة وموقّعة منهم، ولا يكون من بينهم الطبيب المنفذ لعملية زرع العضو المراد نقله، وهذه اللجنة يصدر بها قرار من الوزير المختص.
٣-وفيما يتعلق بالضرورة القصوى:
ندعو أن تكون عملية النقل للضرورة القصوى، بحيث تكون حالة المنقول إليه المرضية فى تدهور مستمر، ولا ينقذه من وجهة النظر الطبية، إلا نقل عضو سليم من إنسان آخر حيّ أو ميت، ويكون محققا للمنقول إليه، مصلحة ضرورية لا بديل عنها.
٤- وبشأن الوصية:
نشدد أن يكون الميت المنقول منه العضو، قد أوصى بهذا النقل فى حياته، وهو بكامل قواه العقلية وبدون إكراه مادى أو معنوى، وعالماً بأنه يوصي بعضو معين من جسده إلى إنسان آخر بعد مماته، وبحيث لا يؤدى النقل إلى امتهان لكرامة الآدمي، بمعنى، أن لا تتضمن الوصية نقل كثير من الأعضاء، بحيث يصير جسد الآدمي خاوياً؛ لأن هذا ينافى التكريم الوارد فى قوله تعالى: ﴿ولقد كرمنا بنى آدم﴾. {الاسراء: ٧٠}.
٥- وبالنسبه للاعضاء التناسليه:
نهيب بأن لا يكون العضو المنقول من الميت إلى الحيّ، مؤدياً إلى اختلاط الأنساب بأى حال من الأحوال، كالأعضاء التناسلية وغيرها، كما هو الحال فى نقل العضو من حيّ إلى حيّ.
٦- وبخصوص المركز الطبي:
نرى أن يكون النقل بمركز طبى متخصص، معتمد من الدولة ومرخّص له بذلك مباشرة، وبدون أى مقابل مادى بين أطراف النقل، ويستوى فى ذلك، الغنى والفقير، بحيث توضع الضوابط التى تساوى بينهم فى أداء الخدمة الطبية، ولا يتقدم أحدهما على الآخر، إلا بمقتضى الضرورة الطبية فقط، والتى يترتب عليها الإنقاذ من الضرر المحقق أو الموت.

#وفي الخاتمة: فأن الوسائل الطبية التى ثبت جدواها فى العلاج والدواء والشفاء؛ للمحافظة على النفس والذات، ومنها نقل وزرع بعض الأعضاء البشرية من الإنسان للإنسان، سواءً من الحيّ للحيّ، أو من الميت الذى تحقق موته إلى الحيّ، فهذا جائز شرعا؛ إذا توافرت فيه شروط وظوابط معينة، تبعد هذه العملية من نطاق التلاعب بالإنسان الذى كرّمه الله، ولا تحوّله إلى قطع غيار تباع وتشترى، بل يكون المقصد منها؛ التعاون على البرّ والتقوى، وتخفيف آلام البشر، وإذا لم توجد وسيلة أخرى للعلاج، تمنع هلاك الإنسان، وقرر أهل الخبرة من الأطباء العدول، أن هذه الوسيلة تحقق النفع المؤكد للآخذ بها، ولا تؤدى إلى ضرر بالمأخوذ منه، ولا تؤثر كذلك على صحته وحياته وعمله فى الحال أو المال، فحينئذٍ، يكون من باب إحياء النفس الوارد فى قوله تعالى: ﴿ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا﴾. {المائدة: ٣٢}، ويكون من باب التضحية والإيثار أيضا، والذي أمر الله تعالى بهما وحثّ عليهما، فى قوله سبحانه: ﴿ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة﴾. {الحشر : ٩}.
هذا اجتهادنا، والله اعلم، وهو الموفق للصواب.


صالح عبدالله المرفدي
قاض محكمة نقض
دكتوراه القانون الجنائي
جامعة عين شمس

- لمتابعة دراساتنا وابحاثنا على تطبيق التلجرام، يرجى الاشتراك بالضغط على الرابط الاتي:
https://t.me/Judge_dr_Saleh_Marfadi_30