آخر تحديث :السبت - 22 فبراير 2025 - 11:28 ص

قضايا


هل يعاقب القانون اليمني على الانتحار كجريمة؟!

السبت - 11 مارس 2023 - 01:49 م بتوقيت عدن

هل يعاقب القانون اليمني على الانتحار كجريمة؟!

القاضي / صالح عبدالله المرفدي

#تمهيد

يثور التساؤل دوماً، هل الانتحار جريمة أم موت بريء؟! سؤال يظلّ مطروح، كل ما سمعنا أن هناك شخص انتحر بأي طريقة كانت.. ودائما ما تدور في اذهاننا، أسئلة عن اسباب الانتحار، وكيفية الحدّ منه قدر الامكان، الأمر الذي يستلزم دراسة ظاهرة تزايد عمليات الانتحار، سواءً على المستوى الاجتماعي، أو النفسي، أو الاقتصادي… وباعتبارنا احد المهتمين في البحوث والدراسات القانونية، حريًا بنا التطرق، لهذة الدراسة من الزاوية القانونية "ولو كانت موجزه"، فمن الواجب علينا بيان وجهة نظر القانون، من فعل الانتحار والصور التابعه له، وهل يمكن اعتبارة هذا الفعل جريمة، والمطالبة بتحديد عقوبه لهذا الفعل؟؟

- ومن هذا المنطلق، سنحاول قدر الامكان، أن نبحث في هذا الموضوع، من خلال تقسيم هذة الدراسة القانونية، الى خمسة اجزاء: نتناول في الأول الانتحار كجريمة تامة، ونتطرق في الثاني لموضوع الشروع في الانتحار، ونستعرض في الثالث المساهمة في ارتكاب فعل الانتحار، ونتحدث في الرابع لاشكالية التفرقة بين فعل الانتحار والشبهة الجنائية، ونخصص الخامس لطرح بعض المقترحات والتوصيات المتواضعه للتشريع اليمني، ونختم الدراسة بخلاصة مختصره.

#أولا: الانتحار كجريمة تامه
اختلف الفقة والتشريع الجنائي، في تحديد المسؤولية والعقاب على المنتحر وفق مذهبين:

١- المذهب المعارض للعقاب:
اتجهت بعض التشريعات الجنائية، إلى عدم التجريم والعقاب على أفعال الانتحار التام، ومن بينها التشريع العقابي الفرنسي، والمصري، والليبي، والعماني، والأردني، والسوري، واللبناني، والكويتي، واليمني كذلك، بالاضافة الى سائر الدول العربية، باستثناء السودان، حيث اعتبرت هذه الظاهرة مستهجنة، من حيث الدين والأخلاق فقط، وإن كان هناك جزاء يفرض على المنتحر، فهو عند االله سبحانه، القادر على معاقبة الميت بعد وفاته..
- المبررات: يسوق الفقة الجنائي بعض المبررات لعدم عقاب المنتحر، أهمها عدم إمكانية إيقاع عقوبة على المنتحر بعد مفارقته للحياة؛ بالنظر لتلاشي المحلّ الذي كان من الممكن تقويمه وإصلاحه بها، إذّ من غير المتصور إيقاع العقوبة بعد انتهاء حياة المنتحر على جثته، فتجريم الفعل والعقاب عليه في ذاته، يفترض إمكانية تقديم المتهم للمحاكمة، وإحاطته علماً بالتهم المنسوبة إليه، وإعطائه فرصة للدفاع عن نفسه، وتفنيد التهم الموجهة إليه، وهذا الأمر لن يحدث بعدما أصبح المنتحر في ذمة االله، كما أنه لا فائدة تجنى من وراء التجريم والعقاب على أفعال الانتحار التام؛ على اعتبار أن ما دفع الشخص إلى هذا التصرف، قد يكون أقوى من سلطة القانون.

٢- المذهب المؤيد للعقاب:
وعلى العكس من ذلك، نجد القلّه من التشريعات الجنائية، تعاقب على فعل الانتحار كجريمة تامه، ومنها قانون العقوبات الانجليزي، وقانون العقوبات الإماراتي المعدل لسنة 2005م، والذين يعدان من بين القوانين الجنائية التي تجرّم هذه الأفعال وتعاقب عليها.
- المبررات: نجد بعض الفقهاء يؤيدون هذا المسلك، ويبررونه بعدة حجج أهمها، أنه ليس للإنسان حق التصرف في حياته، أو إنهائها بإرادته متى شاء؛ لأنه لا يملك الحياة أساساً حتى يملك الموت، فهذا الحق هو هبة من الله، وهو من بيده التصرف فيه، كما أن الشرائع السماوية مجتمعة، اعتبرت أن الحياة ليست ملكاً للإنسان، وإنما ملكاً خالصا للخالق وحده. وتماشيًا مع ما تم ذكرة، نص القانون الانجليزي والاماراتي، على بعض العقوبات التي يمكن تطبيقها، كوجوب النشر في الصحف؛ استهجاناً للفعل، أو التمثيل بجثة المنتحر، أو مصادرة امواله، أو نبش قبره، وما شابه ذلك من عقوبات وتدابير احترازية، الهدف منها، أظهار الشجب والاستنكار والاستهجان لفعل الانتحار.

#ثانيا: الشروع في الانتحار
الشروع في الانتحار، هو البدء في تنفيذ فعل، يؤدي حسب المجرى العادي للأمور، إلى إزهاق الإنسان لروحه، وإنهاء حياته بشكل عمدي، غير أن النتيجة المقصودة لا تتحقق، لأسباب لا دخل لإرادة الفاعل فيها، كأن يقرر الشخص التخلص من حياته بتناوله كمية كبيرة من الأدوية، أو أن يتناول مادة سامة، ثم يتم إنقاذه من قبل أفراد أسرته، بأخذه إلى المستشفى في الوقت المناسب لعلاجه، أو أن يلقي بنفسه من مكان مرتفع، غير أنه لا يموت. وفي هذا الإطار، اختلفت التشريعات والفقه الجنائي، في العقاب على الشروع من عدمه على مذهبين:

١- المذهب المعارض للعقاب:
فأغلب التشريعات العربية، "ومنها التشريع اليمني"، لم تجرّم أفعال الشروع.
- المبررات: يبرر بعض الفقهاء بإباحة هذه الأفعال لعدة اسباب، أهمها أن المنطق في الأصل، يقضي بعدم تجريم فعل الانتحار التام، فإذا كان هذا الفعل لا يعدّ جريمة يعاقب عليها القانون، فلا يمكن بعد ذلك العقاب على الشروع في فعل لا يعدّ جريمة أصلاً، كما يرى الفقه أن التجريم والعقاب على الشروع في الانتحار غير ذي جدوى، باعتبار أن من هانت عليه نفسه، يهون عليه أي عقاب، ومن لم تحلّ غريزة البقاء دون إقدامه على الانتحار، فلن يحول دون ذلك تهديده بالعقاب في الشروع.

٢- المذهب المؤيد للعقاب:
وعلى العكس من ذلك، اتجهت الكثير من التشريعات على العقاب بالشروع في الانتحار، وسنّت له عقوبة محدده، وذلك بالرغم من إباحة أفعال الانتحار التام، ومن بين هذه التشريعات، قانون العقوبات السوداني، والقطري، والبحريني، والإماراتي..
- المبررات: ويبرر بعض الفقهاء، من وراء هذا التجريم؛ هو ردع كل من تسولّ له نفسه بالانتحار والتخلص من حياته، كما ذهب بعض الفقهاء المؤيدون لتجريم أفعال الشروع، إلى إمكانية معاقبة الشارع على الانتحار، إما بالحبس، أو بالغرامة، أو بحرمانه من بعض حقوقه المدنية.

#ثالثا: المساهمه في الانتحار
ينبغي التأكيد بداية، على أن المساهمة في أية جريمة، تأخذ صورتين وهما: المساهمة الجنائية الأصلية، والمساهمة الجنائية التبعية، ولا شك أن المساهمة الأصلية، تجعل الشخص فاعلاً أصلياً في الجريمة. وبالتالي من يكون مساهماً أصلياً في فعل الانتحار، سواءً كان في صور المباشرة، أو الاتفاق الجنائي "التمالئ"، أو باعتباره فاعلاً معنويًا "بالواسطه"، سيكون فاعلاً أصلياً في جريمة قتل عمد؛ لذلك ستكون المساهمة الاصلية مستبعدة من نطاق الدراسة، وسنركز فقط على المساهمة الجنائية التبعية.

١- صور المساهمة التبعية بالانتحار:
غني عن البيان، أن المساهمه التبعيه في الانتحار، تتحقق بصورتين:

- الصورة الاولى: المساعدة على الانتحار:
ويكون فيها المنتحر نفسه، هو صاحب الفكرة، ويقف دور المساعد على مجرد تقديم العون والإرشاد، وبناءً على ذلك، يُقدم المنتحر على الانتحار بالفعل، شريطه ألا ترقى أفعال المساعد في هذه الصورة، إلى مرحلة الشروع أو البدء في تنفيذ فعل الانتحار، وإلا تغير وصف الشخص في هذه الحالة، من مساهم تبعي إلى مرتكب جريمة قتل عمد، فمن يقوم بسحب المقعد من تحت أقدام المنتحر، لا يوصف بأنه شريك بالمساعدة في الانتحار، وإنما بكونه فاعلاً أصلياً في جريمة قتل عمد، حتى ولو كان فعله بناءً على طلب المنتحر!

- الصورة الثانية: التحريض على الانتحار:
وهنا يجب التفريق، بين من يُحرّض أو يحمل غيره على الانتحار؛ بالنظر لسنه أو عمره، أو درجة تمييزه أو إدراكه، فمن يحرّض صغيرًا غير مميز أو مجنونًا على الانتحار، فيعتبر قاتلاً بالعمد؛ لأنه فاعلاً بالواسطة أو فاعل معنوي ومساهمتة أصلية في الجريمة، بعكس من يحرّض انساناً بالغاً سن الرشد وسليم العقل، فيعتبر مساهمته تبعيه في الجريمة. وتأسيسًا على ما تقدم، فإن ما قصدناه في المساهمة في الانتحار، هي المساهمة التبعيه بالتحريض، وليس المساهمة الاصلية؛ باعتباره فاعلاً معنوياً أو فاعلاً بالواسطة كما أشرنا اليه سابقا.

٢- الخلاف الفقهي:
انقسم الفقه الجنائي الى مؤيد ومعارض لعقاب المساهم التبعي في فعل الانتحار، على مذهبين:

أ- المذهب المعارض للعقاب:
واتجهت له القلّه من التشريعات الجنائية، كالتشريع الفرنسي، والمصري، "واليمني كذلك"، الذي لم ينص صراحة على عقاب المساهم التبعي في فعل الانتحار.
- المبررات: ذكر بعض الفقهاء أن حق الإنسان في الحياة، حقاً خالصاً بالنسبة له، كما أن من يبيحون أفعال الاشتراك في الانتحار، إنما يستندون على نظرية الاستعارة المطلقة، التي تعني أن الشريك يستمد أو يستعير إجرامه من الفاعل الأصلي للجريمة، وإذا ما أدركنا، أن فعل الانتحار التام والشروع فيه، يعدّ فعلاً مباحاً، ولا جريمة من جانب المنتحر، فمن باب أولى، لا جريمة بالنسبة لمن اشترك في الفعل المرتكب وهو الانتحار، وإن من يساعد أو يُحرّض غيره على الانتحار؛ للتخلص من آلام جسدية أو نفسية يعانيها، أو لغسل عار لحقه، وبالفعل يستجيب المنتحر، ويقدم على الانتحار بناءً على هذة المساعدة أو التحريض، فلا عقوبة توقع على المُحرّض في هذه الحالة؛ لأنه يُعدّ شريكا في فعل مباح. فمن يعير مسدسه ليستعمله شخص اخر في قتل نفسه، أو أن يدلّه على مادة سامة سريعة الأثر لإنهاء حياته، أو أن يحمله بسيارته ويوصله إلى مكان شاهق الارتفاع للقفز منه، وبالفعل ينتحر الشخص، بناءً على هذه المساعدة، فلا يعاقب على هذا الفعل.

٢- المذهب المؤيد للعقاب:
وعلى العكس من ذلك، سنّت العديد من التشريعات العقابية، على تجريم فعل المساهمه التبعية في الانتحار، وحددت لها عقوبة معينة، وذلك بالرغم من إباحة أفعال الانتحار التام، ومن بين هذه التشريعات، قانون العقوبات الإنجليزي، وقوانين بعض الولايات الأمريكية، والقانون الهندي، والسوداني، والقطري، والبحريني، والإماراتي.
- المبررات: تطرق بعض فقهاء القانون لبعض المبررات، أهمها أن الهدف من وراء هذا التجريم، هو أن المنتحر ما كان له سيقدم على الانتحار، لولا مساهمة الشريك في هذا الفعل، سواءً بالمساعدة أو بالتحريض، وازاء ما أقدم عليه، وجب عقابه، وليكن هذا العقاب؛ ردعاً لكل من تسول له نفسه بمساعدة المنتحر، أو تحريضه على التخلص من حياته.

#رابعا: اشكالية التفرقه بين الانتحار والفعل الجنائي
مما لا شك فيه، أن الكثير منّا يسمع يوماً بعد يوم، عن قضايا انتحار وأخرى قتل، لكن هناك بعض القضايا، تشكّل لغزاً لرجال التحقيق، ففي بداية الأمر، تشير كل الأدلة أن هناك قضية انتحار، لكن قد تنقلب هذه الأدلة والبراهين بتقرير الطب الشرعى أو المختصين بكشف الجريمة، لتتحول من قضية انتحار، لجريمة قتل وشبهة جنائية. ويمكننا أن نسرد في هذة العجالة، بعض الحالات التي يمكن الاشتباه بها، وأهمها:

١- حالات اطلاق النار:
من نافلة القول، أن الشخص الذى يقبل على الانتحار بسلاح ناري، يقوم بإطلاق النار على نفسه في الأماكن القاتلة، "كالرأس أو سقف الحلق، وأسفل الذقن، أو أعلى منطقة القلب"، كما أن الشخص المنتحر يكون رذاذ الدماء على يديه وعلى السلاح؛ بسبب إطلاق النار من مسافة قريبة، وفي نفس الوقت، يخرج أيضاً بعض البارود من مؤخرة الماسورة الخاصة بالسلاح، ويمكن أن يرى أثر البارود بالعين المجردة، حال كان السلاح غير جيد، أما إذا كان السلاح جيد، فسيكون هناك رائحة بارود فى نفس المنطقة، وحين يتم أخذ عينة منها للمعمل، سيتم إثبات أن هناك أثر للبارود.. مع الاشارة، أن تلك الأثار يمكن أن تزول بالغسيل بالمياه أو بتعفن الجثة.

٢- حالات الشنق:
من الأهمية التفرقه بين الشنق الانتحارى أو الجنائي، عن طريق دراسة ظروف وملابسات الحادث، والتى تتمثل فيما يتخلف عنه من وجود رسائل موضحة، تؤكّد سبب الانتحار، أو غلق الغرفة على المنتحر، أو ترتيب الأثاث، عدا الكرسى المستخدم للصعود، والذى غالباً ما يركله المنتحر بقدمه لإتمام الانتحار، بينما فى حالات الخنق الجنائي، تكون هناك أسباب أخرى كوجود بقع دماء واضحة، عند نهايات الاطراف الاربعة، وعلى الأعضاء التناسلية كذلك. ومن المفيد التنوية، الى وجوب مراعاة التمييز جنائياً بين التعليق بعد الموت والشنق، حيث إن التعليق بعد الموت، يقوم فيه المُجرم بلف الحبل حول عنق الضحية، ثم رفع الحبل لتعليق الضحية، وهنا تكون قوة الشدّ متجهة إلى أعلى، ويمكن ملاحظة ذلك مجهرياً من قبل المختصين.

٣- حالات الخنق:
غالباً ما تكون حالة الخنق، بالضغط على العنق، بحبل يلف حوله، أو باليد لمدة كافية، تؤدي لحدوث الوفاة، وهو لا يختلف عن الشنق، فيما عدا أن الخنق تكون القوة الضاغطة عمودية على محور العنق، بينما فى الشنق تكون القوة موازية لمحور العنق، وعموماً، فإن القوة الضاغطة فى الشنق أكبر منه في الخنق، بسبب ثقل الرأس والجسم، بينما فى الخنق أقل. وينبغي التأكيد بأنه، غالباً ما يكون الخنق جنائى، بينما الشنق يكون انتحاريا، وعادة ما تحدث الوفاة بالخنق من 4 إلى 5 دقائق. كما يجب الأخذ بالحسبان، أن الخنق اليدوي غالباً ما يحدث نتيجة ضغط اليدين على رقبة للضحية، وعادة ما يحدث فى الأطفال أو النساء، وتظهر العلامات المتمثلة بالكدمات الدائرية الشكل، فى حالة الضغط بالأصابع، وتكون أوسع حال استخدام اليدين، وأكثر اتساعاً حال استخدام الذراع باكملة، مع وجود سحجات ظفرية أو خطية على جسد المجني عليه، وقد تتخلف على جسم الجانى وأظافر أصابعه، وقد تترك في نفس الوقت، اثار أنسجة متخلفة من أظافر وشعر يد الجاني على عنق المجنى عليه، ويستفاد مما ذكر من مظاهر وعلامات، فى تحديد وصف الجانى، وكيفية قيامة بالجريمة؟؟

٤- الوسائل الاخرى:
لا يتوقف الامر على اطلاق النار، أو استخدام الحبل، أو اليد للشنق، أو الخنق، فقد ينتج الفعل نتيجة استخدام سوائل ومواد كيماوية سامة، كما تتفاوت مظاهر التعذيب، بحسب شدة الاعتداء، وتواترة، ومدته، وقدرة الشخص على التحمل، وحماية نفسه، وحالته البدنية.

#خامساً: التوصيات والمقترحات
١- بشأن الانتحار كجريمة تامه:
في تقديرنا المتواضع، نميل الى ما ذهبت اليه التشريعات العقابية، والتي لم تنص على عقوبة لفعل الانتحار التام؛ ذلك لأن عدم التجريم والعقاب، ليس لاعتباره فعلاً مشروعاً في ذاته؛ وإنما يرجع السبب في ذلك؛ إلى صعوبة إيجاد عقوبة مناسبة له وعدم جدواها في نفس الوقت، فالجاني والمجني عليه شخص واحد، فكيف سيتم تطبيق العقاب عليه؟!

٢- بشأن الشروع في الانتحار:
من وجهة نظرنا المتواضعه، أميل الى ترجيح المذهب القاضي بعدم العقاب في الشروع بالانتحار، وتنطوي وجهة نظرنا هذة، باعتبار أن ذلك سيؤدي إلى نتائج سلبية، فالشخص لم يسلك سبيل الانتحار، إلا لأنه يعاني من ظروف قاسية، إلى درجة تجعله يفضّل إنهاء حياته، ولا مهرب أمامه لحل المشاكل والأزمات التي يعانيها إلا بالانتحار، وبالتالي، إذا ما أخفق هذا الشخص في تحقيق النتيجة التي كان يرمي إليها، وهي التخلص من حياته بكل مساوئها، ثم يتبين له أن القانون يُجرّم هذا الفعل، وأنه سيعاقب على شروعه في الانتحار، فلا شك أن ذلك، سوف يؤدي إلى تزايد الهموم والآلام لديه، إضافة إلى ما يعانيه، وهذا ربما قد يدفعه إلى التفكير في الانتحار مرة أخرى، مع الإصرار على عدم الفشل في تحقيق غايته، واستنادًا لذلك، قد يفسّر التجريم والعقاب على الشروع في الانتحار، على أنه تشجيع غير مباشر على إنجاح الانتحار في مرات لاحقة؛ للتخلّص من العقاب. أما إذا لم يجرّم القانون الشروع في الانتحار، فلربما تتبدل هذه الظروف لدى من يريد الانتحار، وتنجلي المشاكل والأزمات التي كان يعاني منها، وتصبح أمامه فرصة جديدة للحياة.

٣- بشأن المساهمه في الانتحار:
لما كان ثابتاً، أن المشرّع اليمني، لم ينص صراحة على تجريم ومعاقبة المساعده، أو التحريض على الانتحار، لذلك، نهيب ونوصي المشرّع، بأن يجرّم ويعاقب على المساهمة التبعية، ونرى من المستحسن، وجوب التفرقة في المساهمة، فمن تؤدي مساهمته الى وفاة المنتحر، يكون عقابه كمن يرتكب جريمة جسيمة، ومن لا تؤدي مساهمته الى وفاة المنتحر، يكون عقابة كمن ارتكاب جريمة غير جسيمة. ولضبط النص، نقترح أن يكون على الشكل الاتي: "متى قام الشخص بالمساهمه في الانتحار، سواءً بالتحريض، أو بالاتفاق، أو بالمساعدة، و وقع الانتحار وتحققت الوفاه فعلاً بناءً على مساهمته، تكون العقوبة بالحبس من ثلاث سنوات إلى عشر سنوات. أما إذا أقدم المنتحر على الانتحار، بناء على أفعال المساهم، غير أن النتيجة لم تتحقق، و وقف الفعل عند حدّ الشروع، وترتب على ذلك، تعرض الفاعل لإيذاء خطير أو جسيم، فتكيف الواقعة باعتبارها جريمة غير جسيمة، ويعاقب المساهم على أساسه، بالحبس الذي لا يزيد عن ثلاث سنوات".

٤- بشأن التفرقه بين الانتحار والشبهه الجنائية:
ندعو كل من له علاقة بالمنتحر، وكان متواجدًا قريبا منه قبل الانتحار أو بعده، بالحفاظ على مسرح الجريمة وعدم العبث به؛ لأهمية معاينته بدقه شديدة، فهو مستودع سرّها، والحامل الأساسي لكل أثار الجريمة، وبالذات القضايا الذي تحمل شبهة الانتحار. بالاضافة الى ذلك، نشدد على كافة الاجهزة المختصة بالكشف عن الجرائم، بعدم الوقوع في الخطاً، في رؤية الأثر المطلوب فى مسرح الجريمة، أو عدم استخلاص المدلول السليم له، أو عدم توافر الادوات والامكانيات الفنية اللازمة للكشف عن الجريمة، أو عدم استخدامها بطريقة علميه صحيحه… وفي الاجمال، وتأسيسًا على ما تقدم، يظلّ مسرح الجريمة، هو المكان الفعلى والحقيقى، الذي يمكن أن يجيب على اشكالية التفرقه بين الانتحار والفعل الجنائي، فهو المكان الذى يدلّ على وجود أثار ارتكاب الفعل، سواءً كان انتحار أو جريمة جنائية.

٥- بشأن مكافحة ظاهرة الانتحار:
ندعو ونتمنى ونشدد، على قيام اجهزة الدولة، بدورها الواجب في التخفيف من ظاهرة الانتحار في المجتمع اليمني، من خلال التدخل لمساعدة من لديه هذا النوع من الميول، وذلك عن طريق توفير مراكز للصحة النفسية، وخطوط هاتفية مباشرة لحالات الطوارئ، بالإضافة إلى الحملات التوعوية، للمحيطين بمن يفكر في الانتحار؛ ليؤدوا دورهم في مساعدته. ومن المهم أيضًا، إجراء البحوث والدراسات، حول أسباب الانتحار؛ للوصول إلى المعدلات الحقيقية لعدد المنتحرين، ومن لديهم ميول انتحارية، لمعرفة اسبابها، والقيام بدور فاعل لمعالجتها قدر الامكان.

#الخلاصه
مما لا شك فيه، أن الإيمان بالله له تأثير كبير في مواجهة المصائب والصعاب، و الصبر على عظائم الأمور، والواجب من الانسان إذا أصابه سوء، سواءً كان هذا مشكلاً اجتماعياً، أو اقتصادياً، أو مرضاً ألّم به، قنط ويأس من رحمة ربه، وهذا ما يوصله إلى التفكير، في وضع حد لحياته –الانتحار- ؛ ظنّاً منه بأن هذا سيخلصه من الهموم والمشاكل.

- ولا مناص من التطرق في هذة الدراسه الموجزة، "ولو بالاشارة بشكل مختصر"، الى مسببات فعل الانتحار، وبالتأكيد، فإن هناك بعض العوامل الاجتماعية والنفسية، التي قد تدفع بالإنسان إلى الانتحار، وأولها ضعف الوازع الديني عند الإنسان ، وعدم إدراك خطورة هذا الفعل، التي يترتب عليه حرمان النفس من حقها في الحياة. وكذلك غلبة الظنّ الخاطئ عند المنتحر، أنه سيضع بانتحاره وإزهاقه لنفسه، حداً لما يعيشه أو يُعانيه من مشكلاتٍ، أو ضغوطٍ، أو ظروف سيئة، وهذا مفهومٌ خاطئٌ ومغلوطٌ، وبعيدٌ كل البُعد عن الحقيقة. بالاضافة الى أن الجهل والخوف وعدم الصبر، والاستسلام لليأس والقنوط، كل هذة العوامل تؤدي بالفرد الى تلك الهواجس والأفكار والوساوس.

- ومن الضروري الحديث، عن طرق معالجة ظاهرة الانتحار باقتضاب شديد، وأهمها العودة الصادقة إلى الله تعالى، والالتزام بما أمرنا به من أقوالٍ وأعمالٍ وأوامر ونواهٍ، جاءت في مجموعها مُمثلةً لدور التربية الإسلامية، ومؤسساتها الاجتماعية المختلفة في تحصين الفرد، وحمايته من هذا الانحراف السلوكي الخطير، فأصبح من الواجب التمسك بمبادئ وقيم وتعاليم الإسلام، والعمل على تطبيقها في واقعنا المعاصر؛ لما تُقدمه من حلولٍ ناجحةٍ لجميع المشكلات، والظواهر السلبية في المجتمع. ناهيك عن ذلك، معالجة الظروف والأسباب، التي قد تدفع بعض أفراد المجتمع إلى محاولة الانتحار، ومن ثم العمل على مدّ يد العون لهم، ومساعدتهم في حلها. وبذلك يمكن الحدّ قدر الامكان من أسباب هذه الظاهرة ودواعيها.. ونسأل الله تعالى، أن يحفظنا جميعاً من كل شر، وأن يوفقنا إلى طاعته، وأن يرزقنا حياةً طيبةً، وأن يختم لنا بخاتمةٍ حسنة، هذا والله أعلم، وهو الموفق للصواب.

صالح عبدالله المرفدي
قاض محكمة نقض
دكتوراه القانون الجنائي
جامعة عين شمس