آخر تحديث :السبت - 15 فبراير 2025 - 09:50 م

كتابات واقلام


تأثير اعتماد الريال السعودي في رواتب الجيش والموظفين على استقرار الريال اليمني بين الدعم و الاستنزاف

الجمعة - 14 فبراير 2025 - الساعة 01:01 م

د/ عارف محمد عباد السقاف
بقلم: د/ عارف محمد عباد السقاف - ارشيف الكاتب




في ظل التدهور المستمر لقيمة الريال اليمني في مناطق الشرعية، برزت مقترحات تهدف إلى اعتماد الريال السعودي في صرف رواتب الجيش والموظفين كأحد الحلول لمواجهة الانهيار الاقتصادي. ورغم أن هذه الخطوة قد تحمل بعض الفوائد قصيرة الأجل، إلا أن هناك مخاوف بشأن آثارها طويلة المدى، خاصة فيما يتعلق بتهريب العملات الصعبة إلى مناطق سيطرة الحوثيين، مما قد يؤدي إلى استنزاف الاحتياطات النقدية و زيادة تدهور الوضع المالي. كما يبرز التساؤل حول دور تعويم العملة أو إلغائه في معالجة الأزمة الاقتصادية الحالية.

أولا: هل اعتماد الريال السعودي يدعم استقرار الريال اليمني في مناطق الشرعية؟

اعتماد صرف الرواتب بالريال السعودي يمكن أن يسهم في تحقيق بعض المكاسب الفورية، منها:
١. تقليل الضغط على الريال اليمني و ذلك عندما يتم دفع الرواتب بالعملة الأجنبية، فإن الطلب على الريال اليمني داخل مناطق الشرعية قد ينخفض نسبيا، مما يساعد على استقرار سعر الصرف.
٢. تحسين القوة الشرائية للمواطنين و ذلك نظرا لأن الأسعار تعتمد بشكل أساسي على سعر الصرف، فإن تسلم الرواتب بالريال السعودي قد يمنح الموظفين والجنود قدرة شرائية أكثر استقرارا مقارنة بالريال اليمني المتذبذب.
٣. تقليل المضاربة في السوق السوداء في حالة إذا تم تنظيم عملية الصرف، فقد تحد هذه الخطوة من المضاربة العشوائية على الريال اليمني، مما قد يؤدي إلى استقرار نسبي في سعر الصرف.

ثانيا: مخاطر تهريب العملة و الاستنزاف الاقتصادي.

رغم الفوائد المحتملة، إلا أن هناك تهديدات حقيقية تتعلق بإمكانية استنزاف الاحتياطات النقدية الأجنبية عبر تهريب العملة الصعبة إلى مناطق الحوثيين، وذلك للأسباب التالية:

- التفاوت الكبير في سعر الصرف حيث يتمتع الريال السعودي بقوة شرائية ثابتة نسبيا، مما يجعل تهريبه إلى صنعاء مربحا، و يمكن بيعه بأسعار مرتفعة مقابل الريال اليمني.

- ضعف الرقابة على التحويلات والتحركات النقدية بين مناطق الشرعية والحوثيين قد يسهل عمليات التهريب، مما قد يؤدي إلى تدفق العملات الصعبة خارج مناطق الشرعية.

- دعم الاقتصاد الموازي للحوثيين من خلال استمرار تهريب العملات الأجنبية إلى صنعاء، فقد يساعد ذلك الحوثيين على تعزيز احتياطاتهم النقدية ودعم عملياتهم المالية، في حين تستمر الأزمة النقدية في مناطق الشرعية.

ثالثا: تعويم العملة بين الفشل والإصلاح.

تطبيق سياسة تعويم الريال اليمني، الذي بدأ منذ سنوات، كان يهدف إلى ترك تحديد سعر الصرف لقوى السوق، لكنه في الواقع أدى إلى تقلبات حادة وتراجع سريع لقيمة الريال اليمني في ظل غياب غطاء نقدي كافٍ من الاحتياطات الأجنبية، ووجود اضطرابات اقتصادية وسياسية مستمرة.

هل يمكن إلغاء التعويم؟

إلغاء التعويم قد يكون أحد الحلول الممكنة، لكنه يتطلب مجموعة من الإجراءات المرافقة، منها:

- إعادة ضبط السياسة النقدية للبنك المركزي بحيث يتحكم بشكل مباشر في سعر الصرف ويضع آليات واضحة لتنظيم تداول العملات الأجنبية.

- تأمين مصادر جديدة من النقد الأجنبي من خلال تعزيز الصادرات، وتحفيز تحويلات المغتربين عبر القنوات الرسمية، والحصول على دعم دولي مستدام.

- تشديد الرقابة على السوق المصرفية لمنع المضاربة والتلاعب بأسعار الصرف.

رابعا: الحلول الممكنة لتحقيق استقرار العملة.

لتحقيق استقرار اقتصادي حقيقي وتقليل مخاطر تهريب العملات، يمكن اتخاذ مجموعة من التدابير:
١.. تنظيم صرف الرواتب بالريال السعودي بحيث يتم التحكم في تدفقها داخل السوق المحلي ومنع تسربها إلى السوق السوداء.
٢.. تعزيز الرقابة على التحويلات المالية بين مناطق الشرعية والحوثيين، وإيقاف أي عمليات تحويل مشبوهة قد تؤدي إلى استنزاف الاحتياطات النقدية.
٣.. دعم البنك المركزي باحتياطات نقدية أجنبية كافية ليتمكن من التدخل في السوق وضبط سعر الصرف بشكل أكثر فاعلية.
٤.. تحفيز الاستثمار المحلي لخلق اقتصاد أكثر توازنا يقلل من الاعتماد على العملات الأجنبية في المعاملات اليومية.
في المجمل فإن اعتماد الريال السعودي في صرف رواتب الجيش والموظفين قد يكون له آثار إيجابية قصيرة الأجل، لكنه يحمل مخاطر كبيرة إذا لم يتم اتخاذ إجراءات رقابية صارمة لمنع تهريب العملات الصعبة إلى مناطق الحوثيين. من جهة أخرى، فإن التعويم العشوائي للعملة دون سياسات نقدية واضحة أدى إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية، مما يجعل من الضروري إعادة النظر في هذه السياسة أو ضبطها بآليات أكثر فاعلية. الحلول تكمن في مزيج من الإجراءات التي تشمل الرقابة المالية، دعم البنك المركزي، وتشجيع الاستثمارات المحلية لضمان استقرار اقتصادي مستدام.