يرى خبراء ومحللون في إعلان الحوثيين استئناف عملياتهم العسكرية البحرية، تجسيدًا لدورهم الجديد كـ "رأس حربة" لاستراتيجية إيران التكتيكية الجديدة، في مواجهة الضغوط الدولية المتزايدة، ورغبتها في التوسع نحو إفريقيا.
ووسط تصاعد التوتر الأمريكي الإيراني، أعلن الحوثيون، أمس الثلاثاء، استئناف الحظر المفروض على عبور السفن التجارية الإسرائيلية في مياه البحرين الأحمر والعربي، "حتى إعادة فتح المعابر إلى قطاع غزة".
وتوعدت ميليشيا الحوثي باستهداف أي سفينة إسرائيلية تمرّ في منطقة العمليات التي أعلنتها، بعد انتهاء مهلة أربعة الأيام، التي حددها زعيم الميليشيا، عبد الملك الحوثي، يوم الجمعة الماضي، للوسطاء الدوليين، لدفع إسرائيل نحو "إعادة فتح المعابر وإدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع".
وكشفت الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًّا، السبت الماضي، عن اجتماعات سرّية عقدتها قيادات من الحرس الثوري الإيراني في لبنان، بجميع أطراف المحور في المنطقة، وبمشاركة القيادات الحوثية العسكرية، التي غادرت إلى بيروت للمشاركة في تشييع الأمين العام السابق لحزب الله حسن نصر الله، قبل أسبوعين، وتأخرت في العودة إلى اليمن.
وقال وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني، معمّر الإرياني، في تصريحات لوكالة الأنباء اليمنية "سبأ"، إن الاجتماعات بحثت وضع خطة للفترة المقبلة، تجعل اليمن ساحة رئيسة للتصعيد، "بهدف تعويض الخسائر ورفع معنويات جمهور المحور الإيراني، وإظهار قدرة طهران على إدارة العمليات العسكرية في المنطقة، رغم الضغوط الدولية".
التنسيق مع حماس
ويعتقد خبير الشؤون العسكرية والاستراتيجية، الدكتور علي الذهب، أن عودة الحوثيين إلى العنف مجددًا في المرحلة الحالية، "لا تأتي بمعزل عن تنسيقهم مع حماس ومفاوضاتها الجارية في الدوحة، مع الجانبين الإسرائيلي والأمريكي؛ ما يعني أن استئناف الهجمات البحرية قد لا يكون ناجمًا بالضرورة عن تنسيق مباشر مع إيران".
وقال الذهب في حديثه لـ"إرم نيوز"، إن مهلة الحوثيين سبقت مفاوضات حماس التي انطلقت أمس الثلاثاء، بيومين، "وبالتالي فإن عودة عملياتهم العسكرية تحقق عدة أهداف، يأتي في مقدمتها محاولة تعزيز مصداقيتهم تجاه غزة، فيما تُثار حولها شبهات مختلطة بدوافع داخلية ومصالح دولية".
وبحسب الذهب، فإن الهدف الآخر هو تأكيد انتقال مركز ثقل المحور الإيراني من لبنان إلى اليمن، "لكن هذا لا يعني الانتقال الكليّ إلى الحوثيين، وخروج محور المقاومة عن العمل، لأن أطرافه تحاول إعادة بناء نفسها، رغم تقطّع أوصالها".
ويرى الذهب أن مسألة قيادة المحور الإيراني في المنطقة لا تزال محل تنازع، ولا يمكن التسليم بها للحوثيين "الذين يؤدون دورًا في اتجاه آخر، ينبئ عن تشكّل هلال شيعي جديد، ممتد من شرق إفريقيا إلى اليمن".
وبيّن أن الحوثيين إذا ما استطاعوا البقاء كسلطة أمر واقع وقوة عسكرية متنامية في اليمن، خلال السنوات المقبلة، فإنهم سيتولون دور رأس الهلال في إفريقيا، الموازي لبقايا الهلال الآخر في المنطقة".
تصدّر المحور
من جهته، يعتقد الباحث في الشؤون العسكرية، عدنان الجبرني، أن استئناف الهجمات الحوثية البحرية، هو بمثابة تأكيد دور الميليشيا الجديد في صدارة المحور الإيراني في المنطقة.
وقال الجبرني، في حديثه لـ"إرم نيوز"، إن الحوثيين "سيستمرون في أداء هذا الدور لفترة طويلة في المرحلة القادمة، خاصة إذا لم يتعرضوا لأي عملية عسكرية مقبلة، تهدف إلى تقليص قدراتهم العسكرية".
وأشار إلى أن ذلك لن يكون محصورًا في المسائل المتعلقة بحرب إسرائيل على غزة فحسب، "بل سيتعدى ذلك إلى ملفات مستقبلية أخرى في المنطقة".
وذكر أن تعليقات زعيم الحوثيين الاحتجاجية بشأن أحداث سوريا الأخيرة، ومحاولته استنهاض أطراف المحور وتعبئتهم تجاه التطورات في ساحلها، تأتي كتدشين رسمي لدوره الجديد، الذي يحاول "شرعنته بالتطورات في غزة".
طموحات قديمة
في المقابل، يشير رئيس مركز "أبعاد للدراسات والبحوث"، عبد السلام محمد، إلى طموحات عبد الملك الحوثي القديمة، في قيادة المحور الإيراني في الجزيرة العربية، منذ ما قبل مقتل الأمين العام السابق لحزب الله اللبناني.
ويرى عبد السلام في حديثه لـ"إرم نيوز"، أن مقتل نصر الله "يدفع الحوثي إلى تحقيق رغباته، وأنه الآن يريد إثبات جدارته لطهران، التي تستخدمه حاليًّا كخيار أخير لإثارة الفوضى في المنطقة، بعد فشل الانقلاب في سوريا".
وأضاف أن الحوثيين لا يجسدون الاستراتيجية الإيرانية التي كانت تطمح إلى التمدد، عقب الانهيارات المتوالية التي شهدها المحور مؤخرًا، "لكن الحوثيين يحققون رؤية طهران التكتيكية الطارئة، في التغطية على أي قرارات دولية تطال منشآتها النووية، أو ضربات عسكرية في داخل حدودها".
وذكر أن الرغبة الشديدة التي يبديها عبد الملك الحوثي، لممارسة هذا الدور، "ستقوده إلى كتابة نهايته بيديه، في ظل التلاشي الكبير لأطراف المحور في المنطقة، والنفوذ الإيراني المحدود في العراق، الذي أراه مقبلًا على مرحلة تحجيم تقلّم مخالبه"، وفق تعبيره.