اضطلع الحوثيون بدور بارز عبر الحدود في السنوات الأخيرة بوصفهم جزءا من محور المقاومة المدعوم من إيران في المنطقة. وقد يكون أفضل مثال على دورهم هذا تعطيلهم حركة الملاحة البحرية عبر مضيق باب المندب، وذلك، كما تقول الحركة، ردا على العدوان الإسرائيلي على غزة عقب هجوم حماس في أكتوبر 2023، ناهيك عن شنّها هجمات بالطائرات المسيّرة والصواريخ ضدّ إسرائيل نفسها.
لكن الواقع أن الحركة بدأت في استثمار قوّتها المتزايدة لكسب النفوذ الخارجي حتى قبل ذلك، ولاسيما في وجه دول الخليج العربي. فهذا ما يشير إليه كلّ من تعاونها مع قوات الحشد الشعبي، وهي تنظيم جامع تنضوي تحت لوائه فصائل عراقية شبه عسكرية عدّة، واستخدامها الأراضي العراقية لشنّ هجمات على المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
واستطاع الحوثيون بفضل قدرتهم على تعزيز أنفسهم محليا على مدى العقدين الماضيين، وتوسّعهم إقليميا في الوقت عينه، من التحوّل إلى جهة فاعلة غير حكومية بارزة عابرة للحدود في المنطقة، ما شجّعهم أكثر على الانخراط في أعمال تصعيدية أو هادفة إلى خفض التصعيد في الداخل والخارج. لكن محور المقاومة تلقّى ضربات كبيرة إثر إطاحة الثوّار في سوريا بالرئيس السابق بشار الأسد، وإضعاف إسرائيل كلا من حماس وحزب الله وإيران عسكريا وماليا وسياسيا.
وكان ذلك وحده كفيلا بترك الحوثيين في موقع ضعيف، ولكن كان عليهم أيضا التعامل مع التحدّي الذي فرضه قصف إسرائيل والدول الغربية للبنية التحتية العسكرية والمدنية في الجزء الخاضع لسيطرتهم في اليمن، وإن كان هذا التحدّي محدودا. وما لا شكّ فيه أن الحوثيين يمكن أن يتوقّعوا دعما مستمرا من قوات الحشد الشعبي، التي لم تتأثّر في الغالب بالأحداث الأخيرة.
ومن شبه المؤكّد أيضا أن إيران، الداعم الرئيس لهم، ستواصل مدّهم بالمال والسلاح إلى حدّ ما، نظرا إلى قيمتهم المتعاظمة في ظلّ سقوط النظام السوري، والخسائر الذي تكبّدها حزب الله في لبنان. ويقول إبراهيم جلال، باحث غير مقيم في مركز مالكوم كارنيغي للشرق الأوسط، إنه مع ذلك، ليس من الواضح ما إذا كان ذلك كافيا ليحافظ الحوثيون على دورهم الجديد كلاعب إقليمي قادر على بسط نفوذه خارج حدود اليمن.
شراكة قديمة ونطاق متوسع
لم يستطع الحوثيون، باعتبارهم سلطة سياسية غير مُعترَف بها، إقامة علاقات رسمية بدول أخرى غير إيران وسوريا، الأمر الذي جعل إمكانية بناء روابط بجهات غير حكومية وشبه حكومية موالية لإيران في العراق أمرا جذّابا لهم بشكل خاص.
وتعود العلاقة بين الحوثيين والفصائل المندرجة تحت مظلّة قوات الحشد الشعبي إلى العام 2012 على الأقلّ. ففي ذلك العام، أرسل الحوثيون مقاتلين منضوين في جماعات شبه عسكرية عراقية ولبنانية إلى سوريا دعما لنظام الأسد، الذي كان يواجه انتفاضة مسلحة في أعقاب الربيع العربي.
وفي العام 2015، بعد أشهر قليلة على إرسال المملكة العربية السعودية وعدد من الشركاء والحلفاء العرب قوات عسكرية إلى اليمن لتحييد الحوثيين واستعادة سلطة الحكومة المُعترَف بها دوليا هناك أرسل الحوثيون وفدا رفيع المستوى إلى العراق لطلب أشكال الدعم كافة، ولاسيما من قوات الحشد الشعبي.
وفي السنوات التي تلت ذلك، عقد الحوثيون الكثير من الاجتماعات، الرسمية والخاصة، مع مسؤولين ورجال دين عراقيين وإيرانيين، إضافة إلى قادة فصائل الحشد الشعبي. واليوم، يحظى الحوثيون، الذين يقال إنهم افتتحوا مكتبا سياسيا في بغداد، بعلاقات قوية بكتائب حزب الله، وكتائب النجباء، وكتائب سيد الشهداء، وعصائب أهل الحقّ، ومنظمة بدر، وألوية الوعد الحقّ.
وتستضيف فصائل الحشد الشعبي هذه سرا المئات من العناصر العسكرية التابعة للحوثيين في قواعدها، حيث تشارك في تدريبات مشتركة وأنشطة لتبادل الخبرات. ويدلّ القضاء على ضابط الصواريخ متوسّط الرتبة حسين مستور الشعبل في الثلاثين من يوليو 2024، مع ستة آخرين من الحوثيين، في غارة جوية أميركية استهدفت منشأة للطائرات المسيّرة تابعة لكتائب حزب الله في جرف الصخر جنوب بغداد، على أن حجم وجود الحوثيين في مثل هذه المعسكرات أكبر مما كان يُعتقَد.
وقد أشارت التقارير، في سبتمبر 2024، إلى نقل حوالي خمسين مقاتلا حوثيا من قاعدة عسكرية في منطقة البوكمال العراقية (بالقرب من الحدود الغربية للبلاد) إلى سوريا بالتعاون مع قوات الحشد الشعبي، على الأرجح لإظهار القدرة على العمل المشترك، وتعزيز إستراتيجية “وحدة الساحات”، وإرسال تحذير إلى إسرائيل.
والحال أن الحوثيين، الذين يتمتّعون بخبرة تمتدّ لعقدَين من الزمن في التمرّد ضدّ الحكومة اليمنية والتحالف بقيادة السعودية، الذي تدخّل عسكريا لدعم هذه الحكومة في مارس 2015، يمكن أن يكونوا مفيدين للحشد الشعبي بطرق عدّة. فمن جهة، أثبت الحوثيون، بفضل إيران وحزب الله، مهارتهم في تجميع الطائرات المسيّرة والصواريخ الموجّهة قصيرة المدى وتعديلها باستخدام مكوّنات فردية استُقدِمَت بشكل غير شرعي، بسبب الحظرين الجوّي والبحري اللذين يمنعان شحن الأسلحة إلى اليمن.
ونظرا إلى أن الحوثيين أسقطو كما يقال ما لا يقلّ عن أربع عشرة طائرة مسيّرة أميركية باستخدام صواريخ أرض – جوّ إيرانية، بدعم من إيران وحزب الله، بإمكانهم مساعدة فصائل الحشد الشعبي في تحسين دفاعاتها الجوية. ويقدّم العراق في نظر الحوثيين فوائد سياسية واقتصادية وعسكرية وجيوسياسية، خصوصا أنه يشترك مع المملكة العربية السعودية في حدود تمتدّ على طول 811 كيلومترا. وفي سبتمبر 2019، وخلال فترة التوترات المتزايدة بين الحوثيين والرياض، شُنّ هجومٌ بالطائرات المسيّرة استهدف منشآت نفط تابعة لشركة أرامكو السعودية في بقيق وخريص.
ومع أن الحوثيين أعلنوا مسؤوليتهم عن الهجوم، وجد تحقيق أجرته الأمم المتحدة لاحقا أن الهجوم لا يمكن أن يكون قد شُنّ من اليمن، بل يبدو أنه جاء “من اتجاه الشمال/الشمال الغربي والشمال/الشمال الشرقي”، أي من العراق أو حتى إيران، مع احتمال كبير بأن يكون الجناة مجموعة أو أكثر من مجموعات الحشد الشعبي تعمل نيابة عن الحوثيين.
وقد برزت إمكانية تكرار هذا السيناريو في أكتوبر 2022، وفي يوليو 2024، حينما تصاعدت التوتّرات بين الحوثيين والرياض مرة أخرى، وهدّدت ألوية الوعد الحق وكتائب حزب الله على التوالي باستهداف المملكة العربية السعودية. ومن خلال ترتيبات المقايضة التي توصّل إليها الحوثيون مع فصائل الحشد الشعبي، تمكّنوا فعليا من التفوّق على السعودية، واضعين إيّاها أمام تحدّ جيو – إستراتيجي كبير.
وفضلا عن ذلك، يتيح وجود الحوثيين في العراق تهريب الأسلحة من الأراضي العراقية إلى اليمن. وأخيرا، يستطيع الحوثيون استخدام العراق قاعدة لجمع التبرّعات وإجراء التحويلات المالية. ومكّنت هذه الديناميكيات مجتمعة الحوثيين من تجاوز وضعهم الأوّلي بوصفهم ظاهرة يمنية محلية. وقد بلغ هذا التحوّل ذروته مع التدابير التي اتّخذوها ضدّ إسرائيل، كما يقولون، ردّا على عدوانها المتواصل على غزة، وضدّ الدول التي تتعامل تجاريا مع الإسرائيليين.
ديناميكيات التحول
في أوائل العام 2024، أثبت الحوثيون قدرتهم على ضرب إسرائيل، التي تبعد عن اليمن نحو 1800 كيلومتر، بالطائرات المسيّرة والصواريخ، وعلى إعاقة حركة التجارة منها وإليها بشكل محدود. واستأنفوا توجيه التهديدات ضدّ دول الخليج العربي من وقت إلى آخر.
باختصار، لقد أعاد الحوثيون تعريف أنفسهم كجهة فاعلة عابرة للحدود. ومع ذلك، تغيّرت الأمور بشكل كبير في العام التالي. وأسهم وقوف الحوثيين في وجه إسرائيل، حين كان الغضب الشعبي في أوجّه جرّاء الاعتداءات الإسرائيلية في قطاع غزة، في صقل صورتهم محليا ودوليا.
وحتى إن هذا الموقف أسكت، على الأقل مؤقتا، الانتقادات الشعبية المتزايدة إثر عجز الحوثيين عن تقديم الخدمات ودفع الرواتب، ناهيك عن سوء إدارتهم للمناطق اليمنية الخاضعة لسيطرتهم بشكل عام. وقد يدفع ذلك، مقرونا برغبة إيران في التعويض عن انهيار النظام السوري وضعف حزب الله، الحوثيين إلى شنّ المزيد من الهجمات ضدّ إسرائيل، والعمليات التجارية المرتبطة بها.
لكن من الممكن أيضا ألّا تبلغ الأمور أبدا هذه المرحلة. فإن تشاركت قيادة كلّ من الحوثيين وقوات الحشد الشعبي الاعتقاد السائد بأن إيران تخلّت عن حزب الله والأسد عندما أصبح دعمهما مكلفا للغاية، قد تختار التريّث وإعادة النظر في خطواتها.
وفي مثل هذه الحالة، وبغض النظر عن إصرار إيران، قد تختار المجموعتان تقليص عملياتهما، وهي خطوة سبق أن أقدمت عليها فصائل عدّة من قوات الحشد الشعبي، بهدف ضمان مستقبلها في منطقة كانت شاهدةً على تضاؤل نفوذ محور المقاومة وانتشاره بشكل ملحوظ.