هناك لحظات في تاريخ الشعوب يصبح الصمت فيها خيانة، وعندما يعاني الناس من الجوع والقهر والخذلان، فإن أول من يُسأل عن ذلك هم من يتصدرون المشهد السياسي. الجنوب اليوم ليس مجرد ساحة صراع سياسي، بل اختبار لكل من يدّعي تمثيل هذا الشعب، والنتائج حتى الآن مخيبة للآمال.
القيادات الشرعية.. إخفاقات متراكمة أم تحديات مفروضة؟
منذ تشكيل مجلس القيادة الرئاسي، عُلقت آمال كبيرة على أن يكون محطة لتصحيح المسار السياسي والاقتصادي، إلا أن الأداء على الأرض لم يكن بمستوى التوقعات. الرئيس رشاد العليمي لم يستطع حتى الآن تقديم حلول ملموسة للأزمات المتراكمة، سواء في الجنوب أو الشمال، بينما يواجه وزير الخارجية أحمد عوض بن مبارك تحديات دبلوماسية معقدة في ظل تعقيدات الملف اليمني.
في حديث خاص مع أحد المسؤولين المطلعين، أكد لي أن هناك حالة من الجمود داخل الحكومة، حيث لا توجد رؤية واضحة لحل الأزمات، بل إن بعض القرارات تُتخذ بناءً على ضغوط سياسية أكثر من كونها استجابة لحاجة الشارع. وأضاف المسؤول:
"الناس فقدوا الثقة بالحكومة، والوعود التي تطلقها لم تعد تُقنع أحدًا. لا يمكن إدارة دولة عبر الاجتماعات الافتراضية والسفريات الدائمة إلى الخارج، بينما المواطن لا يجد قوت يومه."
الشارع الجنوبي يتحدث.. غضب متزايد تجاه العليمي وحكومته
أثناء جولتنا في المحافظات الجنوبية، لمسنا عن قرب حالة الغضب الشعبي تجاه العليمي وحكومته، حيث يرى الكثيرون أن هذه القيادة لم تقدم شيئًا سوى مزيد من التدهور في الخدمات والمعيشة.
"نسمع عن المليارات التي تُصرف لدعم الحكومة، لكن لا نرى شيئًا يصل إلى المواطن.. هل هذه حكومة أم شركة استثمار خاصة؟" - (الحاجة أم أحمد، من كريتر - عدن)
"الحكومة في وادٍ، ونحن في وادٍ آخر.. لا كهرباء، لا مرتبات، لا أمن.. فقط بيانات وتصريحات فارغة." - (أبو سالم، من زنجبار - أبين)
"العليمي لم يعد له أي شرعية في الشارع، الشرعية الحقيقية لمن يخدم الشعب فعليًا، لا لمن يدير الأوضاع من الخارج." - (عبدالله، من الضالع)
حديثي مع الدكتور فهد الشليمي: الجنوب بحاجة إلى قيادة واضحة
في حديثي عبر بث مباشر مع الدكتور فهد الشليمي، كشف لي عن تحركات دولية تقودها المملكة العربية السعودية لإيجاد ممثل حقيقي للجنوب قادر على إدارة المرحلة القادمة. ووفقًا لمصادره، فإن هناك توافقًا متزايدًا على أن القائد عيدروس الزبيدي هو الشخصية الأكثر حضورًا وتأثيرًا لتمثيل الجنوب في أي ترتيبات سياسية مستقبلية.
وأكد الشليمي أن المرحلة القادمة قد تشهد تغيرات كبيرة في المشهد السياسي، حيث أصبح واضحًا أن الجنوب بحاجة إلى قيادة موحدة تمتلك رؤية واضحة، وتتمتع بدعم شعبي، وتمثل مصالح الجنوبيين بوضوح بعيدًا عن الضغوط الخارجية. وأضاف:
"هناك إدراك دولي متزايد بأن الزبيدي هو الشخصية التي تحظى بثقة الشارع الجنوبي، وهو الأقدر على قيادة الجنوب في هذه المرحلة الحرجة. أي ترتيبات مستقبلية لن تكون فاعلة ما لم يكن هناك تمثيل جنوبي حقيقي بقيادة واضحة ومتماسكة."
القيادات الجنوبية.. بين المسؤولية والتحدي
في المقابل، يواجه القادة الجنوبيون، وعلى رأسهم الرئيس عيدروس الزبيدي، اختبارًا حقيقيًا في تحقيق تطلعات الشارع الجنوبي. لقد وضع الناس ثقتهم به، ليس فقط لكونه أحد أبرز القيادات الجنوبية، بل لأنه قدم نموذجًا مختلفًا في العمل السياسي والعسكري. ومع ذلك، فإن المرحلة القادمة تحتاج إلى مزيد من الوضوح في الرؤية والتنفيذ الفعلي على الأرض.
الجنوب لا يحتاج إلى شعارات أو وعود مؤجلة، بل إلى حلول اقتصادية حقيقية، ضبط للأمن، وإنهاء حالة الفوضى التي باتت تهدد السلم الاجتماعي. لقد آن الأوان لأن تتخذ القيادة الجنوبية خطوات أكثر حسمًا تجاه الفساد المستشري وتجاه القوى التي تحاول عرقلة مسيرة الجنوب.
رسالة مفتوحة إلى القيادة: لا تختبروا صبر الشعب!
لقد صبر الجنوبيون كثيرًا، وتحملوا فوق طاقتهم، لكن للصبر حدود. اليوم، المطلوب من جميع القيادات، دون استثناء، أن تضع مصلحة الجنوب فوق كل اعتبار، وأن تبتعد عن المصالح الشخصية والحسابات الضيقة.
الشعب لا يريد خطابات ولا وعودًا، بل يريد كهرباءً مستقرة، خدمات صحية وتعليمية، اقتصادًا منتعشًا، وإدارة نزيهة لا تُدير الجنوب عبر المكاتب الفارهة في الخارج.
إذا لم يتحرك القادة الجنوبيون بجدية، فإن الشعب سيتحرك بطريقته الخاصة، ولن يقبل أن يُترك لمصيره وسط دوامة الفوضى والمعاناة.
نصيحة صحفية
كصحفي، من واجبي أن أنقل الحقيقة كما هي، بعيدًا عن التجميل أو التضليل. الصحافة ليست مجرد نقل للأخبار، بل هي صوت الناس. إذا لم يتحدث الإعلاميون بجرأة، فمن سيفعل؟ وإذا لم نواجه الحقيقة اليوم، فمتى؟