آخر تحديث :الجمعة - 14 فبراير 2025 - 01:48 ص

من تاريخ عدن


صفحات من تاريخ جامعة عدن 1

الخميس - 13 فبراير 2025 - 11:10 م بتوقيت عدن

صفحات من تاريخ جامعة عدن 1

مسعود عمشوش

المقدمة

في سنة 1968، خاطب محمد عبد القادر بافقيه، بعدما عُيّن أول وزير للتربية والتعليم في الجنوب، منظمة اليونسكو بشأن إمكانية تبنّيها فتح كلية للتربية في عدن. وواصل جهوده تلك بعد تعيينه سفيرا لبلادنا في نهاية سنة ١٩٦٩. وقد أثمرت جهوده بتبني منظمة اليونسكو المقترح. وفي سنة 1970 أصدر عبد الله عبد الرزاق باذيب، وزير التربية والتعليم، قرارا بتأسيس كلية التربية العليا في عدن.

وقد التزمت كلية التربية العليا، عند تأسيسها ببعض الاشتراطات التي طلبتها منظمة اليونسكو، والتي كان من أهمها: تحرير التقارير ومحاضر مجلس الكلية باللغة الإنجليزية، وإدراج تدريس اللغتين الإنجليزية والفرنسية في برامجها. وقد التزمت الكلية بذلك حتى سنة 1976، واختير عميدها الأول عبد الله فاضل وعميدها الثاني د. جعفر الظفاري، من بين الضليعين في اللغة الإنجليزية، وكـُـلِّف المترجم محمد الماس بكتابة محاضر الكلية باللغة الإنجليزية حتى نهاية سبعينيات القرن الماضي. وحتى سنة 1976، كانت اللغة الإنجليزية واللغة الفرنسية تدخلان في تكوين معظم برامج البكالوريوس في العلوم الإنسانية، التي كانت برامج ثنائية.

وأكد نظام التربية والتعليم، الذي صدر في سنة 1972 بموجب القانون 27/1972، على أن وزارة التربية التعليم هي المعنية بالكليات والمعاهد العليا. وبموجب القرار الوزاري رقم (14) لعام 1974 تم استحداث إدارة عامة للتعليم العالي في وزارة التربية والتعليم. وفي العام نفسه عُيِّن عبد الله فاضل فارع مديرا للتعليم العالي في إطار الوزارة.

وإذا كانت جامعة عدن قد نشأت، كما نرى، في أحضان وزارة التربية والتعليم، فقد شكلت العلاقة بين الجامعة وهذه الوزارة إحدى القضايا الشائكة التي سنتناولها بالتفصيل في معظم مواد هذا الكتاب. فعند صدور القرار رقم (22) لعام 1975 بشأن جامعة عدن في 10 سبتمبر 1975 لم يتم تعيين رئيس للجامعة؛ لهذا سارع كل من علي ناصر محمد، رئيس مجلس الوزراء، وسعيد عبد الخير النوبان، وزير التربية والتعليم (أكتوبر 1975)، في مخاطبة عبد الله فاضل مدير عام التعليم العالي بالوزارة لتكليفه "بـمتابعة إنشاء الجهاز الإداري للجامعة مستفيدا من الكوادر الإدارية الموجودة في الكليات القائمة والوزارات واقتراح أيّة وظائف جديدة، ومناقشة عملية ربط الكليات بالإدارة المركزية للجامعة".

وفي مطلع عام 1976 أصبح سعيد عبد الخير النوبان وزيرا للتربية والتعليم، ومن هذا الموقع أشرف على الجامعة، وأصدر عددا من القرارات الوزارية الخاصة بتنظيمها، وسارع إلى إصدار منشور يعكس رغبته في الشروع في التخفيف من إشراف وزارة التربية والتعليم على جامعة عدن، وقد جاء فيه: "تتم متابعة القضايا الفنية والإدارية والمالية الخاصة بجامعة عدن من قبل الأجهزة الإدارية التابعة للإدارة المركزية للجامعة، وتتوقف أجهزة وزارة التربية والتعليم من المتابعة ابتداء من تاريخ هذا المنشور".

ومن الواضح أن هذا المنشور يلغي مهام مدير عام التعليم العالي بالوزارة. ولم يعُيِّن الوزير سعيد عبدالخير النوبان مديرا عاما للتعليم العالي بالوزارة بعد سفر عبد الله فاضل في مطلع سنة 1976 إلى القاهرة للعمل هناك، واكتفى بتعيين أبوبكر عبد الرزاق باذيب نائبا لوزير التربية والتعليم لشئون التعليم العالي والتخصصي في منتصف سنة 1978.

ومن المؤكد أن علاقة جامعة عدن بوزارة التربية والتعليم خلال الفترة من 1976-1981 ترتبط ارتباطا وثيقا بقضية استقلالية جامعة عدن ووضعها القانوني. وسنبيّن لاحقا كيف أن د. سعيد عبدالخير النوبان قد دفع غاليا ثمن مطالبته باستقلالية الجامعة عن وزارة التربية والتعليم في عام 1981، على الرغم من أنه ليس هو من بادر إلى المطالبة باستقلالية الجامعة والتخفيف من إشراف وزارة التربية والتعليم عليها، بل كان المبادران هما: د. محمد جعفر زين السقاف، أول رئيس للجامعة، ونائبه جعفر الظفاري.

ومن ناحية ثانية، أثرت الأجواء السياسية السائدة في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي تأثيرا كبيرا في مسار جامعة خلال العقدين الأول والثاني من عمرها، فقد حرص التنظيم السياسي الجبهة القومية ثم الحزب الاشتراكي اليمني على مراقبة مسار الجامعة وقراراتها، وذلك من خلال وجود كثير من القيادات الحزبية والأشكال النضالية في رئاسة الجامعة ومجلسها وجهازها الإداري. وسنتناول في هذا الكتاب تلك العلاقة المعقدة بين جامعة عدن والتنظيم السياسي الجبهة القومية ثم الحزب الاشتراكي اليمني.

ويتضمن هذا الكتاب عرضا واسعا للتقييم الذي ورد في كتابات عدد من القيادات للمرحلتين الأولى والثانية من تاريخ جامعة عدن (1970-1995)، وكذلك ملخصا للملاحظات التي أوردها النائب الأكاديمي جعفر الظفاري لكثير من مواد القرار رقم 22 لعام 1975 بِشأن تأسيس جامعة عدن والقانون الوزاري رقم 42 لعام 1976 بشأن تشكيل جهازها الإداري المركزي، الذي سنقدم أهم ما برز فيه من إشكاليات في هذا الكتاب. وسنرى كيف أن تلك الملاحظات قد أدت إلى بقاء الجامعة بدون إدارة للشؤون القانونية طوال تلك المرحلتين.

ونتمنى أن يستفيد المهتمون ببدايات تطور التعليم العالي في بلادنا مما ضمناه في هذا الكتاب، ونعدهم أن نقدم لهم قريبا صفحات منسية أخرى من هذا التاريخ.

والله من وراء القصد.


مسعود عمشوش

عدن، في ٨ فبراير 2025