يروج بعض المناوئين لمشروع استعادة الدولة الجنوبية—خصوصًا التيارات الإسلامية المتشددة—لفكرة أن مذكرات الرئيس علي سالم البيض ليست إلا إعادة لتقرير نفس المشهد، وكأن التاريخ يعيد نفسه. لكنهم يتناسون أو يتجاهلون عمدًا أن التاريخ لا يُعيد نفسه، بل يُعيد دروسه لمن لم يستوعبها.
مذكرات البيض ليست مجرد استرجاع للزمن، بل شهادة تاريخية توثق مرحلة مفصلية في نضال الجنوب، وتكشف حقائق أراد البعض طمسها لتمرير مشروعهم القائم على تغييب الوعي الجنوبي. من يخشى هذه الشهادة؟ من يرتعب من كشف المستور؟ هم ذاتهم الذين استفادوا من نكبة 1994 وأعادوا إنتاج الاحتلال بأشكال متعددة.
إن استعادة الدولة الجنوبية ليست ارتدادًا إلى الماضي، بل هي استكمال لمسار لم يكتمل، ومسؤولية وطنية تقوم على تصحيح الأخطاء، وترسيخ تجربة سياسية متجددة تستفيد من دروس التاريخ، لا تكرره. من يراهن على تخويف الجنوبيين من تاريخهم، فليعلم أن الوعي الجنوبي اليوم ليس وعي الأمس، وأن المزايدة على حق شعب في تقرير مصيره لن تجدي نفعًا.
الجنوب لا يُعاد إنتاجه، بل يُعاد استعادته.
*محامٍ من عدن.