كانت لحج ساحةً لمعركةٍ شرسة، خطّت فيها دماء الشهداء ملاحم البطولة والفداء. رحلوا وهم يحملون حلمًا بوطنٍ يليق بالتضحيات، وطن تُضاء فيه القرى بالكهرباء، تُعانق فيه العدالة الجميع، ويعيش فيه المواطن حياة كريمة بعيدًا عن الفساد والظلم.
لكن الواقع اليوم يصفعنا بحقيقته المريرة. لا كهرباء تُضيء ليالي البسطاء، ولا عدالة تُعيد الحقوق لأصحابها. الغلاء ينهش قوت الناس، والفساد يتسلل إلى كل زاوية، والمحسوبية تحكم مصير البسطاء. ومن المؤلم أكثر أن نرى أناسًا ركبوا موجة النصر على أكتاف الشهداء والجرحى. أولئك الذين لم يعرفوا سوى الثراء من دماء من دفعوا أرواحهم ليحيا الوطن، يدّعون التحرير والعدالة، بينما الواقع يصرخ: "بالله عليكم، تحررنا من ماذا؟"
أحلام الشهداء، التي كانت بوصلتهم وهم يواجهون الموت، تحولت إلى كوابيس للذين بقوا خلفهم. كأنما تضحياتهم ضاعت هباءً وسط فسادٍ يلتهم كل شيء. فكيف لو عادوا للحظةٍ واحدة، ليشهدوا ما وصلنا إليه؟
الوطن الذي حلموا به ليس مجرد أرض تُحرر، بل عدلٌ يُقام، وكرامةٌ تُصان، وحقوقٌ تُحترم. وإن كنا حقًا نريد تكريمهم، فعلينا أن نسعى لتحقيق ما ماتوا من أجله. أما غير ذلك، فهو خيانة لدمائهم التي سالت لتروي تراب هذا الوطن المسلوب.